شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الوصل في الشعر

          ░83▒ بَابُ الوَصْلِ فِي الشَّعَرِ
          فيه مُعَاوِيَةُ: (أَنَّهُ قَالَ على الْمِنْبَرِ وَتَنَاوَلَ قُصَّةً مِنْ شَعَرٍ كَانَتْ بِيَدِ حَرَسِيٍّ: أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذِهِ وَيَقُولُ: إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَ هَذِهِ نِسَاؤُهُمْ). [خ¦5932]
          وفيه أَبُو هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ صلعم قَالَ: (لَعَنَ اللهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ). [خ¦5933]
          وفيه عَائِشَةُ: (أَنَّ جَارِيَةً مِنَ الأنْصَارِ تَزَوَّجَتْ، وَأَنَّهَا مَرِضَتْ فَتَمَعَّطَ شَعَرُهَا، فَأَرَادُوا أَنْ يَصِلُوهَا، فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صلعم، فَقَالَ: لَعَنَ اللهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ). [خ¦5934]
          وفيه أَسْمَاءُ: (أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إلى النَّبِيِّ صلعم، فَقَالَتْ: إِنِّي أَنْكَحْتُ ابْنَتِي، ثُمَّ أَصَابَهَا شَكْوَى فَتَمَرَّقَ رَأْسُهَا، وَزَوْجُهَا يَسْتَحِثُّنِي بِهَا، أَفَأَصِلُ رَأْسَهَا؟ فَسَبَّ رَسُولُ اللهِ صلعم الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ). [خ¦5935]
          وفيه ابْنُ عُمَرَ: (أَنَّ النَّبِيَّ صلعم لَعَنَ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ وَالوَاشِمَةَ وَالمُسْتَوْشِمَةَ(1))، قَالَ نَافِعٌ: الْوَشْمُ في اللِّثَةِ. [خ¦5936]
          قال الطبريُّ وغيره: في هذه(2) الأحاديث من الفقه أنَّه لا يجوز لامرأةٍ أن تصل شعرها بشيءٍ يُتجمَّل به ويظنُّ من يراه أنَّه شعرها، كما لا يجوز أن تشم خَلقها تتزيَّن بذلك، وهو قول مالكٍ وجماعةٍ، وفاعلة ذلك لم ترض بما أعطاها الله ╡ فغيَّرت خَلقها.
          قال الطبريُّ: وقد اختلف العلماء في معنى نهيه صلعم عن الوصل في الشعر، فقال بعضهم: لا بأس عليها في وصلها شعرها ما وصلت به من صوفٍ وخرقٍ وشبه ذلك، روي ذلك عن ابن عبَّاسٍ وأمِّ سلمة زوج النبيِّ صلعم، وعلَّة هذه المقالة قول معاوية حين أخرج القُصَّة من الشعر وقال: ((نهى رسول الله صلعم عن مثل هذه)).
          قالوا: وأمَّا الخرق والصوف فليس ذلك ممَّا دخل في نهيه صلعم.
          وقال آخرون: كلُّ ذلك داخل في نهيه صلعم لعموم الخبر عنه أنَّه لعن الواصلة والمستوصلة، قالوا: فبأيِّ شيءٍ وصلت شعرها فهي واصلةٌ، روي ذلك عن أمِّ عطيَّة.
          وقال آخرون: لا بأس عليها في وصلها شعرها بما وصلت به من شيءٍ، شعرًا كان الذي وصلت به أو غيره، روي ذلك عن عائشة وسألها ابن أَشوَع: ((ألعن رسول الله صلعم الواصلة؟ قالت: أيا سبحان الله! وما بأس بالمرأة الزَّعرَاء أن تأخذ شيئًا من صوفٍ فتصل به شعرها تتزيَّن به عند زوجها! إنَّما لعن رسول الله صلعم المرأة الشابَّة تبغي في شبيبتها(3) حتَّى إذا أسنَّت هي وصلتها بالقيادة)).
          وسئل عطاءٌ عن شعور الناس أينتفع بها قال: لا بأس بذلك.
          وقال آخرون: لا يجوز الوصل بشيءٍ شعرٍ ولا غيره، ولا بأس أن تضع الشعر وغيره على رأسها وضعًا ما لم تصله، روي ذلك عن إبراهيم، وعلَّة هذا القول أنَّ الخبر إنَّما ورد عن النبيِّ صلعم بالنهي عن الوصل، فأمَّا ما لم يكن وصلًا فلا بأس به.
          قال الطبريُّ: والصواب عندنا في ذلك أن يقال: غير جائزٍ أن تصل بشعرها شيئًا من الأشياء لتتجمَّل به، شعرًا كان أو غيره؛ لعمومٍ النهي(4) عن النبيِّ صلعم أن تصل بشعرها شيئًا.
          وأما خبر بن أشوع عن عائشة فهو باطلٌ؛ لأنَّ رواته لا يعرفون، وابن أشوع لم يدرك عائشة.
          قال غيره: وإنَّما قال معاوية: يا أهل المدينة أين علماؤكم؟ وإن كانت المدينة دار العلم ومعدن الشريعة وإليها يفزع الناس في أمر دينهم، ألا ترى أنَّ معاوية قد بعث إلى عائشة يسألها عن مسائل نزلت به، فقال: يا أهل المدينة أين علماؤكم الذين يلزمهم تغيير المنكر، والتشدُّد على من استباح ما نهى عنه النبيُّ صلعم.
          ولا يجوز أن يقال: إنَّ المنكر كان بالمدينة ولم يغيِّره أهلها؛ لأنَّه لا يخلو زمانٌ عن ارتكاب المعاصي، وقد كان في(5) وقت النبيِّ صلعم من شرب الخمر وسرق وزنى، إلَّا أنَّه كان شاذًّا نادرًا، ولا يحلُّ لمسلم أن يقول: إنَّ النبيَّ صلعم لم يغيِّر المنكر، فكذلك أمرُ القُصَّة كان شاذًّا بالمدينة، / ولا يجوز أن يقال: إنَّ أهل المدينة جهلوا نهي النبيِّ صلعم عن القُصَّة؛ لأنَّ حديثه صلعم في لعن(6) الواصلة والمستوصلة حديثٌ مدنيٌّ، رواه نافعٌ عن ابن عمر، ورواه هشام بن(7) عروة، عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء، عن النبيِّ صلعم، وهو معروفٌ عندهم مستفيضٌ.
          ولعن رسول الله صلعم الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة؛ لأنَّهما تعاونا على تغيير خلق الله تعالى، وفيه دليلٌ أنَّ من أعان على معصيةٍ فهو شريكٌ في الإثم.
          وقوله: (تَمَرَّقَ شَعْرُهَا) قال صاحب «الأفعال»: مَرَق الشعر والصوف نتفه، وأَمْرَق الشعر حان(8) أن ينتف، والقصَّة، قال الأصمعيُّ: القُصَّة(9) ما أقبل على الجبهة من شعر الرأس.


[1] قوله: ((والواشمة والمستوشمة)) ليس في نسخنا والمثبت من المطبوع.
[2] قوله: ((هذه)) ليس في (ت).
[3] في (ص): ((وشيبتها)).
[4] في (ت) و (ص): ((الخبر)).
[5] زاد في (ت): ((عصر)).
[6] في (ت) و (ص): ((نهي)).
[7] في (ت) و (ص): ((عن)).
[8] في (ز): ((جاز)) وفي (ت): ((حاز)) وفي (ص): ((حار)). والمثبت من كتاب الأفعال.
[9] قوله: ((القصة)) ليس في (ص).