شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من لبس جبةً ضيقة الكمين في السفر

          ░10▒ بَابُ مَنْ لَبِسَ جُبَّةً ضَيِّقَةَ الكُمَّيْنِ فِي السَّفَرِ
          فيه الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قَالَ: (انْطَلَقَ النَّبِيُّ صلعم لِحَاجَتِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ(1) فَلَقَّيْتُهُ بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ شَامِيَّةٌ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ، فَذَهَبَ يُخْرِجُ يَدَيْهِ مِنْ كُمَّيْهِ، فَكَانَا ضَيِّقَيْنِ، فَأَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنْ تَحْتِ جُبَّتِهِ(2) فَغَسَلَهُمَا وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وعلى(3) خُفَّيْهِ). [خ¦5798]
          وترجم له باب جُبَّةِ الصُّوفِ فِي الغَزْوِ وقال فيه: وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ شَامِيَّةٌ مِنْ صُوفٍ(4).
          في هذا الحديث دليلٌ أنَّ ثياب السلف في الحضر لم تكن أكمامها بضيق أكمام هذه الجبَّة التي لبسها صلعم في سفره؛ لأنَّه لم يذكر عنه صلعم أنَّه أخرج يديه من تحت ثيابه لضيق كمَّيه إلَّا في هذه المرَّة، ولو فعله في الحضر دائمًا لنقل ذلك.
          وفيه دليلٌ أنَّ ثياب السفر أكمش وأخصر من ثياب الحضر، فلباس الأكمام الضيِّقة والواسعة جائزٌ إذا لم يكن مثل سعة أكمام النساء؛ لأنَّ زيَّ النساء لا يجوز للرجال استعماله على ما يأتي في كتاب(5) / الزينة إن شاء الله تعالى. [خ¦5885]
          وقد كره مالكٌ للرجل سعة الثوب وطوله، وأمَّا لباس الصوف فجائز في الغزو وغيره إذا لم يرد لابسه به(6) الشهرة، وقد سئل مالكٌ عن لباس الصوف الغليظ، فقال: لا خير فيه في الشهرة، ولو كان يلبسه تارةً وينزعه أخرى لرجوت، فأمَّا المواظبة حتَّى يعرف به ويشتهر فلا أحبُّه، ومن غليظ القطن ما هو في ثمنه وأبعد من الشهرة منه، وقد قال النبيُّ صلعم(7) للرجل: ((لِيُرى عليك مالُكَ)).
          وقال مالكٌ أيضًا: لا أكره لباس الصوف(8) لمن لم يجد غيره، وأكرهه لمن يجد غيره، ولأن يخفي عمله أحبُّ إليَّ، وكذلك كان شأن من مضى، قيل: إنَّما يريد التواضع بلبسه، قيل: يجد من القطن بثمن الصوف.


[1] في (ت) و (ص): ((لحاجته فأقبل)).
[2] في (ت): ((جيبه)).
[3] في (ز): ((على)) والمثبت من (ص) و(ت).
[4] في (ت) و (ص): ((الصوف)).
[5] لا يوجد كتاب اسمه كتاب الزينة، ولعله قصد باب الزينة والله أعلم.
[6] في (ت) و (ص): ((له)).
[7] في (ت) و (ص): ((قال ◙)).
[8] قوله: ((الصوف)) ليس في (ت) و (ص).