شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب النعال السبتية وغيرها

          ░37▒ بَابُ النِّعَالِ السِّبْتِيَّةِ وَغَيْرِهَا
          فيه أَنَسٌ: قِيلَ لَهُ: (أَكَانَ النَّبِيُّ صلعم يُصَلِّي في نَعْلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ). [خ¦5850]
          وفيه عُبَيْدُ بْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ لابْنِ عُمَرَ: (رَأَيْتُكَ تَصْنَعُ أَرْبَعًا.... الحديث، قَالَ: أَمَّا النِّعَالُ السِّبْتِيَّةُ، فَإِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلعم يَلْبَسُ النِّعَالَ التي لَيْسَ فِيهَا شَعَرٌ يَتَوَضَّأُ فِيهَا، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَلْبَسَهَا). [خ¦5851]
          وفيه ابْنُ عُمَرَ: قَالَ النَّبِيُّ صلعم: (مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ...) الحديث. [خ¦5852]
          قال المؤلِّف: النعال من لباس النبيِّ صلعم وخيار السلف.
          قال مالكٌ: والانتعال من عمل العرب، وقد روى أبو داود، عن محمَّد بن الصبَّاح، عن ابن أبي الزناد، عن موسى بن عقبة، عن أبي الزبير، عن جابرٍ قال: ((كنَّا مع النبيِّ صلعم في سفرٍ فقال: أكثروا من النعال، فإنَّ الرجل لا يزال راكبًا ما انتعل)).
          وقال ابن وهبٍ: النعال السِّبتيَّة هي التي لا شعر فيها.
          وقال الخليل والأصمعيُّ: السِّبت: الجلد المدبوغ بالقَرَظ، قال أبو عبيدٍ: وإنَّما ذكرت السبتيَّة؛ لأنَّ أكثرهم في الجاهليَّة كان يلبسها غير مدبوغةٍ إلَّا أهل السعة منهم.
          وذهب قومٌ إلى أنَّه لا يجوز لبس النعال السِّبتيَّة في المقابر خاصَّةً، واحتجُّوا بما رواه سليمان بن حربٍ: حدَّثنا الأسود بن شيبان، حدَّثني خالد بن سُمَيرٍ(1)، حدَّثني بَشِير بن نَهِيْك قال: حدَّثني بَشِير بن الخَصَاصِيَّة قال: بينما أنا أمشي في المقابر وعليَّ نعلان فإذا رجلٌ ينادي من خلفي: ((يا صاحب السِّبتيَّتين))، فالتفتُّ، فإذا رسول الله صلعم، فقال: ((إذا كنت في مثل هذا الموضع فاخلع نعليك))، فخلعتهما، فأخذ أحمد بن حنبلٍ بهذا الحديث، وقال: الأسود بن شيبان ثقةٌ، وبشير بن نَهِيْك ثقةٌ.
          وقال آخرون: لا بأس بذلك، وحجَّتهم لباسه صلعم للنعال السِّبتيَّة، وفيه الأسوة الحسنة، ولو كان لباسهما(2) في المقابر لا يجوز لبيَّن ذلك لأمَّته، وقد يجوز أن يأمره(3) صلعم بخلعهما؛ لأذًى فيهما أو لغير(4) ذلك، ويؤيِّد هذا قوله صلعم: ((إنَّ العبد إذا وضع في قبره وتولَّى عنه أصحابه إنَّه ليسمع قرع نعالهم))، قاله الطحاويُّ.
          قال: وثبت(5) عن النبيِّ صلعم: ((أنَّه صلَّى في نعليه))، فلمَّا كان دخول المسجد بالنعال(6) غير مكروهٍ، وكانت الصلاة بها غير مكروهةٍ كان المشي بها بين القبور أحرى ألَّا يكون مكروهًا(7).
          وأمَّا الصفرة فقد روي عن ابن عمر أنَّه(8) كان يصبغ بها لحيته، وروي عنه أنَّه كان يصبغ بها ثيابه، وروى ابن إسحاق عن سعيدٍ المقبريِّ، عن عبيد بن جُريجٍ أنَّه قال لابن عمر: رأيتك تصفِّر لحيتك، فقال: ((إنَّ رسول الله صلعم كان يصفِّر بالوَرْس، فأنا أحبُّ أن أصفِّر به كما كان رسول الله صلعم يصنع)).
          وروى عبد الرازَّق عن معمرٍ، عن أيُّوب، عن نافعٍ أنَّ ابن عمر كان يأمر بشيءٍ من زعفران ومِشقٍ، فيصبغ به ثوبه فيلبسه، قال عبد الرزَّاق: وربَّما رأيت معمرًا يلبسه.
          روى(9) ابن وهبٍ قال: أخبرني عُمَر بن محمَّدٍ، عن زيد بن أسلم قال: ((كان رسول الله صلعم يصبغ ثيابه كلَّها بالزعفران حتَّى العمامة)).
          قال المهلَّب: والصفرة أبهج الألوان للنفوس، كذلك قال ابن عبَّاسٍ: أحسن الألوان كلِّها الصفرة، وتلا قول الله ╡(10): {صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ}[البقرة:69] / فقرن بها السرور(11).


[1] في نسخنا: ((سمي)) والمثبت من المطبوع وهو الصواب.
[2] في (ت) و (ص): ((لباسها)).
[3] في (ص): ((يأمر)).
[4] في (ص): ((لأذى كان فيهما أو غير)).
[5] في (ص): ((قاله الطحاوي، فلما ثبت)).
[6] في (ت) و (ص): ((بالنعل)).
[7] في (ت) و (ص): ((أحرى غير مكروهة)).
[8] قوله: ((أنه)) ليس في (ت).
[9] في (ص): ((وروى)).
[10] في (ت) و (ص): ((قوله تعالى)).
[11] قوله: ((فقرن بها السرور)) زيادة من (ت) و (ص).