شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ثياب الخضر

          ░23▒ بَابُ الثِّيَابِ الخُضْرِ
          فيه عِكْرِمَةُ: (أَنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، فَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزَّبِيرِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَعَلَيْهَا خِمَارٌ أَخْضَرُ، فَشَكَتْ إِلَيْهَا وَأَرَتْهَا خُضْرَةً بِجِلْدِهَا، فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ صلعم قَالَتْ عَائِشَةُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مَا تَلْقَى الْمُؤْمِنَاتُ، لَجِلْدُهَا أَشَدُّ خُضْرَةً مِنْ ثَوْبِهَا، وَسَمِعَ أَنَّهَا قَدْ أَتَتْهُ، فَجَاءَ وَمَعَهُ ابْنَانِ لَهُ(1) مِنْ غَيْرِهَا، قَالَتْ: وَاللهِ مَا لي إِلَيْهِ مِنْ ذَنْبٍ، إِلَّا أَنَّ مَا مَعَهُ لَيْسَ بِأَغْنَى عَنِّي مِنْ هَذِهِ الهُدْبَةِ(2)، وَأَخَذَتْ هُدْبَةً مِنْ ثَوْبِهَا، قَالَ: كَذَبَتْ، وَاللهِ(3) يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي لأنْفُضُهَا نَفْضَ الأدِيمِ وَلَكِنَّهَا نَاشِزٌ تُرِيدُ رِفَاعَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: فَإِنْ كَانَ ذَلِكِ لَمْ تَحِلِّينَ(4) لَهُ _أَوْ لَمْ تَصْلُحِينَ لَهُ_ حَتَّى يَذُوقَ مِنْ عُسَيْلَتِكِ، قَالَ: وَأَبْصَرَ مَعَهُ ابْنَيْنِ لَهُ، فَقَالَ: بَنُوكَ هَؤُلاءِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: هَذَا الذي تَزْعُمِينَ مَا تَزْعُمِينَ! فَوَاللهِ لَهُمْ أَشْبَهُ بِهِ مِنَ الْغُرَابِ بِالْغُرَابِ). [خ¦5825]
          قال المؤلِّف: الثياب الخضر من لباس أهل الجنَّة، قال الله تعالى(5): {وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ}[الكهف:31]، وكفى بهذا شرفًا للخضرة وترغيبًا فيها.
          وقال هشام بن عروة قال: رأيت على عبد الله بن الزبير مِطرَفًا من خَزٍّ أخضر كسته إيَّاه عائشة، وروى أبو داود حديثًا عن أبي رِمْثَة قال: ((انطلقت مع أبي إلى النبيِّ صلعم فرأيت عليه بردان أخضران)).
          فيه أنَّ للرجل ضرب زوجته عند نشوزها عليه، وإن أثَّر ضربه في جلدها ولا حرج عليه في ذلك، ألا ترى أنَّ عائشة قالت للنبيِ صلعم: (لَجِلْدُهَا أَشَدُّ خُضْرَةً مِنْ ثَوْبِهَا)، ولم ينكر ذلك النبيُّ صلعم.
          وفيه أنَّ للنساء أن يطالبن أزواجهنَّ عند الإمام بقلَّة الوطء، وأن يعرِّضن بذلك تعريضًا بيِّنًا كالصريح(6)، ولا عار عليهنَّ في ذلك.
          وفيه أنَّ للزوج إذا ادعي عليه ذلك أن يخبر بخلافه ويعرب عن نفسه، ألا ترى قوله: (يَا رَسُولَ اللهِ، وَاللهِ(7) إِنِّي لَأَنْفُضُهَا نَفْضَ الأَدِيمِ)، وهذه الكناية من الفصاحة العجيبة، وهي أبلغ في المعنى من الحقيقة.
          وفيه الحكم بالدليل؛ لقوله صلعم في ابنيه: (لَهُمْ أَشْبَهُ بِهِ مِنَ الغُرَابِ بِالْغُرَابِ) فاستدلَّ ◙ بشبههما له(8) على كذبها ودعواها، وقد تقدَّم هذا الحديث في كتاب الطلاق في باب إذا طلَّقها ثلاثًا ثمَّ تزوجت بعد العدَّة زوجًا فلم يمسَّها(9). [خ¦5317] /


[1] قوله: ((له)) ليس في (ت) و (ص).
[2] قوله: ((الهدبة)) ليس في (ت) و (ص).
[3] قوله: ((والله)) ليس في (ص).
[4] في (ت): ((تحلي)). والمثبت رواية أثبتها الكرماني ووجهها على أن ((لم)) بمعنى ((لا)).
[5] في (ت) و (ص): ((قال تعالى)).
[6] في (ت) و (ص): ((كالتصريح)).
[7] قوله: ((والله)) ليس في (ت) و (ص).
[8] في (ت): ((بشبهها))، و في (ص): ((بشببهم له)).
[9] قوله: ((وقد تقدم هذا الحديث..... زوجاً فلم يمسها)) ليس في (ت) و (ص).