نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: أصبح بحمد الله بارئًا

          4447- (حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ) هو: ابنُ راهويه، وبه جزم أبو نُعيم في «المستخرج». وقال الغسَّاني: قال ابن السَّكن: هو إسحاقُ بن منصور، قال: (أَخْبَرَنَا بِشْرُ) بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة (ابْنُ شُعَيْبٍ) أي: ابن أبي حمزة _بالمهملة والزاي_ الحمصي (عَنْ أَبِيهِ) شعيب، أنَّه (قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي) أي: أبو حمزة (عَنِ الزُّهري) هو: محمَّد بن مسلم بن شهاب، أنَّه (قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ الأَنْصَارِيُّ) هذا يؤيِّد ما تقدَّم في غزوة تبوك [خ¦4418] أنَّ الزُّهري سمع عبد الله، ومن أخويه عبد الرَّحمن وعبيد الله / ومن عبد الرَّحمن بن عبد الله، ولا معنى لقول الدِّمياطي سماع عبد الله بن كعب عن عبد الله بن عبَّاس ☻ فيه نظرٌ، فإن الإسناد صحيحٌ، وسماع الزُّهري من عبد الله بن كعب ثابت، ولم ينفردْ به شعيب، وقد أخرجه الإسماعيليُّ من طريق صالح عن ابن شهاب فصرَّح أيضًا به، وقد رواه معمر عن الزُّهري عن ابن كعب بن مالك ولم يُسمِّه أخرجه عبد الرَّزَّاق، وفي هذا الإسناد لطيفةٌ، وهي رواية تابعي عن تابعي، وصحابي عن صحابي.
          (وَكَانَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَحَدَ الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ تِيْبَ عَلَيْهِمْ) وهم الذين قال الله تعالى فيهم: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة:118] الآية وهم كعب وهلال بن أميَّة ومُرارة بن الربيع، وقد مرَّ فيما مضى [خ¦4418] (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ ☻ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ☺ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوفِّيَ فِيْهِ، فَقَالَ النَّاسُ: يَا بَا حَسَنٍ) هو كنيةُ عليِّ بن أبي طالب ☺ وأصله: يا أبا حسن، حُذفت الهمزة للتَّخفيف.
          (كَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم فَقَالَ: أَصْبَحَ بِحَمْدِ اللَّهِ بَارِئًا) هو اسم فاعل، من برأ _بالهمز_ بمعنى أفاق من المرض (فَأَخَذَ بِيَدِهِ) أي: بيد علي ☺ (عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ وَاللَّهِ بَعْدَ ثَلاَثٍ عَبْدُ العَصَا) هو كناية عمَّن يصير تابعًا لغيره، والمعنى: أنَّه صلعم يموت بعد ثلاثة أيام، وتصيرُ أنت مأمورًا عليك بلا عز وحرمة بين النَّاس. قال الحافظُ العسقلاني: وهذا من قوَّة فراسة العبَّاس ☺.
          (وَإِنِّي وَاللَّهِ لَأَرَى رَسُولَ اللَّهِ صلعم ) قوله: «لأرى» _بفتح الهمزة_ بمعنى: أعتقدُ، وبضمِّها بمعنى أظنُّ (سَوْفَ يُتَوَفَّى مِنْ وَجَعِهِ هَذَا) وقد قاله العبَّاس ☺ مستندًا إلى التَّجربة لقوله بعد ذلك (إِنِّي لَأَعْرِفُ وُجُوهَ بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ عِنْدَ المَوْتِ) يعني: أنَّه جرّب ذلك في وجوهِ الذين ماتوا من بني عبد المطَّلب. وذكر ابن إسحاق عن الزُّهري أنَّ ذلك كان يوم قُبض النَّبي صلعم .
          (اذْهَبْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلعم / فَلْنَسْأَلْهُ فِيمَنْ هَذَا الأَمْرُ) أي: الخلافة (إِنْ كَانَ فِينَا عَلِمْنَا ذَلِكَ) وفي مرسل الشَّعبي عند ابنِ سعد: فنسأله من يستخلفْ، فإن استخلفَ منَّا فذاك (وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِنَا عَلِمْنَاهُ، فَأَوْصَى بِنَا) وفي مرسل الشَّعبي: وإلَّا أوصى بنا، فحُفظنَا من بعدِهِ، وله من طريق أخرى: فقال علي ☺: وهل يطمعُ في ذلك الأمر غيرنا، قال: أظنُّ والله سيكون (فَقَالَ عَلِيٌّ ☺: إِنَّا وَاللَّهِ لَئِنْ سَأَلْنَاهَا رَسُولَ اللَّهِ صلعم فَمَنَعَنَاهَا) بفتح النون والعين، جملة من الفعل والفاعل والمفعول (لاَ يُعْطِينَاهَا النَّاسُ بَعْدَهُ) أي: بعد النَّبي صلعم أي: يحتجُّون عليهم بمنعِ رسول الله صلعم إيَّاهم، وصرَّح بذلك في رواية لابن سعد. وقال العينيُّ: وكذا كان لأنَّهم احتجوا بمنع رسولِ الله صلعم إيَّاهم، وفيه نظر.
          وقال الكرماني: أي: لو منعها منَّا لن تصل إلينا قط، أمَّا لو لم يمنع بأن سكتَ يحتمل أن تصل إلينا في الجملة أولًا أو آخرًا.
          (وَإِنِّي وَاللَّهِ لاَ أَسْأَلُهَا رَسُولَ اللَّهِ صلعم ) أي: لا أطلبُ الخلافة منه صلعم . وزاد ابنُ سعد في مرسل الشَّعبي في آخره: فلمَّا قُبضَ النَّبي صلعم قال العبَّاس ☺ لعلي ☺: ((ابسطْ يدك أُبايعك يبايعك النَّاس فلم يفعل)). وزاد عبد الرَّزَّاق عن ابن عُيينة، قال: قال الشَّعبي: لو أنَّ عليًا ☺ سأله عنها كان خيرًا له من ماله وولده.
          قال الحافظُ العسقلاني: وروِّينا في ((فوائد)) أبي الطَّاهر الذُّهلي بسندٍ جيدٍ عن ابن أبي ليلى قال: سمعتُ عليًا ☺ يقول: لقيني العبَّاس، فذكر نحو القصَّة التي في هذا الحديث باختصار وفي آخرها: قال فسمعت عليًا ☺ يقول: يا ليتني أطعت عبَّاسًا.
          وقال عبد الرَّزاق: كان مَعمر يقول لنا: أيُّهما كان أصوب رأيًا؟ فنقول العبَّاس، فيأبى ويقول: لو كان أعطاها عليًا فمنعه النَّاس لكفروا.
          ومطابقة الحديث للتَّرجمة في قوله: / ((في وجعه الذي تُوفي فيه))، وقد أخرجه البخاري في «الاستئذان» أيضًا [خ¦6266].