نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: دعا النبي فاطمة في شكواه الذي قبض فيه

          4433- 4434- (حَدَّثَنَا يَسَرَةُ) بفتح التحتانية والمهملة والراء (ابْنُ صَفْوَانَ بْنِ جَمِيلٍ) بفتح الجيم (اللَّخْمِيُّ) بفتح اللام وسكون الخاء المعجمة نسبة إلى لخم، وهو مالك بن عدي بن الحارث، سُمي لخمًا لأنَّه لخم؛ أي: لطم، من اللخمة وهي اللطمة.
          وقال ابن السمعاني: لخم وجُذام قبيلتان من اليمن يُنسب إلى لخم خلق كثير. وهو من أفراده، مات سنة خمس عشرة أو ست عشرة ومائتين، وقد مرَّ في غزوة أحد [خ¦4059].
          قال: (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ) سعد بن إبراهيم بن عبد الرَّحمن بن عوف ☺.
          (عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ ♦) أنَّها (قَالَتْ: دَعَا النَّبِيُّ فَاطِمَةَ ♦ فِي شَكْوَاهُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ) أي: في مرضهِ، وكذلك الشَّكو والشَّكاة والشِّكاية بمعنى المرض (فَسَارَّهَا) من المسارة (بِشَيْءٍ) وفي أوَّل هذا الحديث من رواية مسروق عن عائشة ♦ كما مضتْ في علامات النُّبوة [خ¦3623]: أقبلت فاطمة ♦ تمشي كأنَّ مشيتها مشية النَّبي صلعم فقال النَّبي صلعم : ((مرحبًا بابنتي، ثمَّ أجلسها عن يمينه، أو عن شماله، ثمَّ سارها)). وفي رواية أبي داود والترمذي والنَّسائي وابن حبَّان والحاكم من طريق عائشة بنت طلحةَ عن عائشة ♦ قالت: ما رأيتُ أحدًا أشبه سمتًا ولا هديًا ودَلَّاً برسول الله صلعم في قيامها وقعودِهَا من فاطمة ♦، وكانت إذا دخلت على النَّبي صلعم قام إليها وقبلها وأجلسها في مجلسهِ، وكان إذا دخل عليها فعلت ذلك، فلمَّا مرض دخلت عليه فأكبت عليه فقبلته.
          (فَبَكَتْ، ثُمَّ دَعَاهَا فَسَارَّهَا بِشَيْءٍ فَضَحِكَتْ، فَسَأَلْنَاها عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَتْ: سَارَّنِي النَّبِيُّ أَنَّهُ يُقْبَضُ فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَبَكَيْتُ، ثُمَّ سَارَّنِي / فَأَخْبَرَنِي أَنِّي أَوَّلُ أَهْلِهِ) ويُروى: <أوَّل أهل بيته> (يَتْبَعُهُ فَضَحِكْتُ) واعلم أنَّه قد اتَّفقت الرِّوايتان رواية عروة ورواية مسروق عن عائشة ♦ على أنَّ الذي سارَّها به أولًا فبكتْ هو إعلامُه إيَّاها بأنَّه ميِّت من مرضه ذلك، واختلفتا فيما سارها به ثانيًا فضحكتْ، ففي رواية عروة أنَّه إخباره إيَّاها بأنَّها أول أهله لحوقًا به، وفي رواية مسروق أنَّه إخباره إياها أنَّها سيِّدة نساء أهل الجنة، وجعل كونها أول أهله لحوقًا به مضمومًا إلى الأوَّل وهو الرَّاجح؛ فإنَّ حديث مسروق مشتمل على زياداتٍ ليست في حديث عروة وهو من الثِّقات الضَّابطين، وفيما زادَه مسروق قول عائشة ♦ فقلت: ما رأيتُ كاليوم فرحًا أقرب من حزن، فسألتها عن ذلك فقالت: ما كنتُ لأفشي سرَّ رسول الله صلعم حتَّى توفي النَّبي صلعم فسألتها، فقالت: أسر إليَّ أنَّ جبريل كان يُعارضني القرآن كلَّ سنةٍ مرَّة، وأنَّه عارضَني العام مرَّتين، ولا أراه إلَّا حضرَ أجلي، وإنَّك أوَّل أهلي لحوقًا (1) بي.
          وقولها: ((ما رأيت كاليوم فرحًا)) تقدَّم توجيهه في الكسوف [خ¦1052]، وأن التَّقدير: ما رأيتُ كفرح اليوم فرحًا، أو ما رأيتُ فرحًا كفرح رأيته اليوم. وقولها: ((كأنَّ مِشْيتها)) بكسر الميم؛ لأنَّ المراد الهيئة، وقولها: ((حتَّى تُوفي)) متعلِّق بمحذوف تقديره: فلم تقل لي شيئًا حتَّى توفي، وقد طوى عروة هذا كله فقال في روايته بعد قوله: «فضحكت فسألناهَا عن ذلك» إلى آخر ما ترى.
          وفي رواية عائشة بنت طَلحة من الزِّيادة: أنَّ عائشة ♦ لما رأت بكاءها وضحكها، قالت: إن كنت لأظنُّ أنَّ هذه المرأة من أعقل النِّساء فإذا هي من النِّساء، ويُحتمل تعدد القصَّة. ويؤيِّده الجزم في رواية عروة بأنَّه ميت من وجعهِ ذلك بخلاف رواية مسروق ففيها أنَّه ظنَّ ذلك بطريق الاستنباط ممَّا ذكره من معارضةِ القرآن. وقد يُقال: لا منافاة بين الخبرين إلَّا بالزِّيادة، ولا يمتنع أن يكون إخبارُه صلعم بكونها أوَّل أهله لحوقًا به سببًا لبكائها ولضحكها معًا باعتبارين فذكر كل من الراويين ما لم يذكره الآخر.
          وقد روى النَّسائي من طريق أبي سلمة / عن عائشة ♦ أنَّ سبب البكاء موته، وسبب الضَّحك أنَّها سيدة النِّساء، وفي رواية عائشة بنت طَلحة عنها ♦ أنَّ سبب البُكاء موته، وسبب الضحك لحاقها به.
          وعند الطَّبراني من وجه آخر عن عائشة ♦ أنَّه صلعم قال لفاطمة ♦: ((إنَّ جبريل ◙ أخبرني أنَّه ليس امرأة من نساء المسلمين أعظم ذريَّة منك، فلا تكوني أدنى امرأة منهن صبرًا)).
          وفي الحديث من أعلام النُّبوة أنَّه صلعم أخبر بما سيقع فوقع كما قال، فإنهم اتَّفقوا على أنَّ فاطمة ♦ كانت أوَّل من مات من أهل بيت النَّبي صلعم بعده حتَّى من أزواجه.
          وقد مضى الحديث في علامات النُّبوة [خ¦3623]، ومطابقته للتَّرجمة في قوله: «في شكواه الذي قُبض فيه».


[1] في هامش الأصل: في نسخة: لحاقًا.