نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: دخل عبد الرحمن بن أبي بكر على النبي

          4438- (حَدَّثَنَا مُحَمَّد) قالوا: هو: ابنُ يحيى الذُّهلي، وفي كتاب ((رجال الصَّحيحين)): محمَّد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذؤيب، أبو عبد الله الذُّهلي النَّيسابوري، روى عنه البخاري في غير موضع في قريب من ثلاثين موضعًا، ولم يقل: حدَّثنا محمَّد بن يحيى الذُّهلي مصرحًا، ويقول: حدَّثنا محمَّد، ولا يزيد عليه، ويقول: محمَّد بن عبد الله، فينسبُه إلى جدِّه، وقال: محمَّد بن خالد، ينسبه إلى جدِّ أبيه، والسَّبب في ذلك أن البخاري ☼ لمَّا دخل نيسابور شغبَ عليه محمَّد بن يحيى الذُّهلي في مسألةِ خلق اللَّفظ، وكان قد سمع منه فلم يترك الرِّواية عنه ولم يُصرِّح باسمه، مات بعد البخاريِّ بيسير سنة سبع وخمسين ومائتين.
          وقد سقطَ عند ابن السَّكن فصار الحديث من رواية البخاريِّ عن عفَّان بلا واسطة، وعفَّان من شيوخ البخاري قد أخرجَ عنه بلا واسطة قليلًا من ذلك ما في كتاب الجنائز [خ¦1368].
          (أَخْبَرَنَا عَفَّانُ) بفتح المهملة وتشديد الفاء، هو: ابنُ مسلم الصَّفَّار (عَنْ صَخْرِ) بفتح المهملة وسكون المعجمة (ابْنِ جُوَيْرِيَةَ) مصغَّر جارية النُّميري يُعدُّ في البصريين (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ) القاسم بن محمَّد بن أبي بكر الصِّدِّيق ♥ (عَنْ عَائِشَةَ ♦) أنَّها (قَالَتْ: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ☻ عَلَى النَّبِيِّ صلعم وَأَنَا مُسْنِدَتُهُ / إِلَى صَدْرِي، وَمَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سِوَاكٌ رَطْبٌ) وفي رواية ابن أبي مُليكة [خ¦4451] عن عائشة ♦: «ومرَّ عبدُ الرَّحمن وفي يدهِ جريدة رطبةٌ، فنظرَ إليه [النبي صلعم ] فظننتُ أنَّ له بها حاجة فأخذتها فمضغتُ رأسها، ونفضتُها فدفعتُها إليه».
          (يَسْتَنُّ بِهِ) أي: يستاك به. وقال الخطَّابي: أصله من السَّن _أي: بالفتح_ ومنه المسن الذي يُسنُّ عليه الحديد (فَأَبَدَّهُ) بالموحدة وتشديد الدال المهملة؛ أي: مدَّ نظره إليه، يُقال: أبددتُ فلانًا النَّظر إذ طوَّلته إليه. وفي رواية الكُشميهني: <فأمدَّه> بالميم موضع الباء.
          (رَسُولُ اللَّهِ صلعم بَصَرَهُ، فَأَخَذْتُ السِّوَاكَ فَقَضَمْتُهُ) بفتح القاف وكسر الضاد المعجمة؛ أي: مضغته والقضمُ: الأخذُ بأطراف الأسنان، يُقال: قضِمت الدَّابة شعيرها تقْضَم _بالفتح_ إذا مضغته. وحكى القاضي عياض: أنَّ الأكثر رواه بالصاد المهملة؛ أي: كسرتُه، أو قطعتُه، والقصامة من السِّواك: ما يُكسر منه. وحكى ابن التِّين: رواية بالفاء والصاد المهملة، قال المحبُّ الطَّبري: إن كان بالضاد المعجمة، فيكون قولها فطيَّبته تكرارًا، وإن كان بالمهملة فلا؛ لأنَّه يصيرُ المعنى كسرتُه لطوله، أو لإزالةِ المكان الذي تسوَّك به عبد الرَّحمن ثمَّ ليَّنته ثمَّ طيبته؛ أي: بالماء. ويُحتمل أن يكون قولها «طيبته» تأكيدًا للينته، وسيأتي من رواية ذكوان [خ¦4449] عن عائشة ♦ فقلت: آخذه لك؟ فأومأ برأسهِ أن نعم، فتناولته فأدخلَته في فيه فاشتدَّ عليه، فتناولته، فقلتُ: ألينه لك؟ فأومأ برأسهِ أن نعم. ويُؤخذُ منه العمل بالإشارة عند الحاجة إليها، وقوَّة فطنةِ عائشة ♦.
          (وَنَفَضْتُهُ) بالفاء والضاد المعجمة (وَطَيَّبْتُهُ، ثُمَّ دَفَعْتُهُ إِلَى النَّبِيِّ صلعم فَاسْتَنَّ بِهِ، فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلعم اسْتَنَّ اسْتِنَانًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ، فَمَا عَدَا أَنْ فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم ) أي: من السواك (رَفَعَ يَدَهُ / _أَوْ: إِصْبَعَهُ_) شكٌّ من الراوي (ثُمَّ قَالَ: فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى ثَلاَثًا، ثُمَّ قَضَى، وَكَانَتْ) أي: عائشة ♦ (تَقُولُ: مَاتَ بَيْنَ حَاقِنَتِي وَذَاقِنَتِي) الحاقنة _بالمهملة والقاف_: هي النُّقرة بين التَّرقوة وحبلِ العاتق، وقيل: المطمئن بين الترقوة والحلق، وقيل: ما دون التَّرقوة من الصَّدر، وقيل: هي تحت السُّرة، وقال ابنُ فارس: ما سفلَ من البطن، وقيل: ما أسفل من الذَّقن، والذَّاقنة _بالذال المعجمة وبالقاف_ هي طرفُ الحلقوم، وقيل: ما يناله الذَّقن من الصَّدر. وقال أبو عبيدة: الذَّاقنة: جمع ذقن، وهو مجمعُ أطراف اللِّحيين.
          وفي رواية ذكوان [خ¦4449] عن عائشة ♦: ((تُوفي في بيتي، وفي يومِي، وبين سَحري ونَحْري، وأنَّ الله جمع، ريقي وريقَه عند موته)). وفي رواية ابنِ أبي مليكة عنها [خ¦4451]: ((وجمعَ الله بين ريقِي وريقهِ في آخر يوم من الدنيا)). والسَّحْر _بفتح المهملة وسكون الحاء المهملة_ هو الصَّدر، وهو في الأصل الرئة.
          والنَّحْر _بفتح النون وسكون المهملة_ والمراد به موضعُ النَّحر، وأغربَ الدَّاودي، فقال: هو ما بين الثَّديين. والحاصل أنَّ ما بين الحاقنةِ والذَّاقنة هو ما بين السَّحْر والنَّحر، والمراد أنَّه صلعم مات ورأسه بين حنكهَا وصدرها صلعم و♦.
          فإن قيل: هذا يُعارض حديثها الذي قبل هذا أنَّ رأسه صلعم كان على فخذها؟ فالجواب: أنَّه لا يعارضه لأنَّه محمولٌ على أنَّها رفعتْه من فخذهَا إلى صدرها. فإن قيل: يُعارضه ما أخرجَه الحاكمُ وابنُ سعد من طرق: أنَّ النَّبي صلعم مات ورأسه في حجر عليٍّ ☺. فالجواب: أنَّه لا يُعارضه ولا يُدانيه؛ لأنَّ في كلِّ طريق منها شيعيًا فلا يُلتفتُ إليهم.
          قال الحافظُ العسقلاني: وقد رأيتُ بيان حال الأحاديث التي أشير إليها دفعًا لتوهُّم التعصب.
          قال ابنُ سعد: ذكر من قال تُوفِّي في حجر علي ☺، وساق من حديث جابر ☺ سأل كعب الأحبار عليًا ☺ ما كان آخر ما تكلَّم به النَّبي صلعم / فقال: أسندتُه إلى صدرِي فوضعَ رأسه على منكبي، فقال: ((الصَّلاة الصَّلاة))، فقال كعب: كذلك آخر عهد الأنبياء ‰. وفي سنده الواقدي وحَرَام بن عثمان وهما متروكان.
          وعن الواقدي عن عبد الله بن محمَّد بن عمر بن علي عن أبيه عن جدِّه قال: قال رسول الله صلعم في مرضه: ((ادعوا لي أخي)) فدُعِي له علي ☺ فقال: ((ادنُ مني))، قال: فلم يزل مستندًا إليَّ وإنَّه ليكلِّمني حتَّى نزلَ به، وثقُلَ في حجري، فصحتُ: يا عبَّاس أدركنِي فإنِّي هالكٌ، فجاء العبَّاس ☺ وكان جهدهما جميعًا أن أضجعاهُ. وفيه انقطاعٌ مع الواقدي، وعبد الله فيه لينٌ.
          وبه عن أبيه عن علي بن الحسين: قُبِضَ ورأسه في حجر عليٍّ ☺. وفيه انقطاعٌ أيضًا. وعن الواقدي عن أبي الحُويرث عن أبيه عن الشَّعبي: ماتَ ورأسه في حجر عليٍّ. فيه الواقدي والانقطاع، وأبو الحويرث اسمه: عبد الرَّحمن بن معاوية بن الحارث المدني، قال مالك: ليس بثقة، وأبوه لا يُعرف حاله.
          وعن الواقدي عن سليمان بن داود بن الحصين عن أبيه عن أبي غطفان: سألت ابن عبَّاس ☻ قال: توفِّي بين سحري ونحري، فقال ابن عبَّاس ☻ : لقد تُوفِّي وإنَّه لمستند إلى صدر عليٍّ ☺ وهو الذي غسله وأخي الفضل، وأبى أبي أن يحضر. فيه الواقدي، وسليمان لا يُعرف حاله. وأبو غَطَفان _بفتح المعجمة ثمَّ المهملة_ واسمه: سعد، وهو مشهورٌ بكنيته وثَّقه النَّسائي.
          وأخرج الحاكمُ في «الإكليل» من طريق حبَّة العُرنيّ: عن علي ☺: أسندتُه إلى صدرِي فسالت نفسه. وحبَّة ضعيفٌ، ومن حديث أم سلمة ♦ قالت: علي آخرهم عهدًا برسول الله صلعم ، والحديث عن عائشة ♦ أثبتُ من هذا، ولعلَّها أرادت أنَّه آخر الرِّجال به عهدًا، ويُمكن الجمع بأن يكون علي ☺ آخرهم عهدًا به، وأنَّه لم يفارقه / حتَّى مال فظنَّ أنَّه مات ثمَّ أفاق بعد أن توجَّه فأسندته عائشة ♦ بعده إلى صدرها فقُبضَ. وقد وقعَ عند أحمد من طريق يزيد بن بَابَنُوس _بموحدتين بينهما ألف وبعد الثانية المفتوحة نون مضمومة ثمَّ واو ساكنة ثمَّ سين مهملة_ في أثناء حديث: ((بينما رأسه ذات يوم على مَنكبي إذ مال رأسه نحو رأسِي، فظننتُ أنَّه يُريدُ من رأسِي حاجةً، فخرجتْ من فيه نقطةٌ (1) باردةٌ فوقعت على ثُغْرَة نَحْري فاقشعرَّ لها جلدِي، وظننتُ أنَّه غشيَ عليه فسجيته ثوبًا)).
          ومطابقة الحديث للتَّرجمة في قوله: «ثمَّ قَضَى».


[1] في مسند أحمد (نطفة).