الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: من شاء فليصمه ومن شاء أفطر

          1893- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ): أي: الثَّقفي قال: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ): بفتح الحاء المهملة، واسمه سُويدٌ (أَنَّ عِرَاكَ): بكسر العين وتخفيف الرَّاء وبالكاف (ابْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُ: أَنَّ عُرْوَةَ): أي: ابن الزُّبير (أَخْبَرَهُ، عَنْ عَائِشَةَ) ♦ (أَنَّ قُرَيْشاً): أي: ومَن وافقَهُم (كَانَتْ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم): أي: النَّاسَ (بِصِيَامِهِ): أي: لمَّا قدم المدينة وصامَهُ معهم (حَتَّى فُرِضَ رَمَضَانُ): أي: نسخ وجوبه.
          قال العينيُّ: واختُلِف في السبب المُوجِب لصيام رسول الله صلعم عاشوراءَ، فرُوِي: أنَّه كان يصومه في الجاهليَّة، وفي البخاريِّ عن ابن عبَّاسٍ: ((قدم النبيُّ المدينة فرأى اليهود تصومه، قالوا: يومٌ صالحٌ نجَّى الله فيه بني إسرائيل من عدوِّهم، فصامه موسى، فقال: نحن أحقُّ بموسى منكم))، قال: ويحتمل أنَّ قريشاً لمَّا كانت تصومه صامَهُ رسول الله معهم قبل أن يُبعَث، فلما بُعِث تركه، فلمَّا هاجر أُعلِم أنه من شريعة موسى، فصامه وأمرَ به، فلمَّا فُرِض رمضان قال: ((مَن شاءَ فليصمْهُ، ومَن شاءَ أفطرَ)). كما يأتي قريباً في حديث عائشة، انتهى، أي: وهو قوله: (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم: مَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْهُ): أي: يومَ عاشوراءَ، ولأبي ذرٍّ عن الكشميهنيِّ: <فليصمْ> بحذف ضمير المفعول (وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ): بحذف الضَّمير لغير أبي ذرٍّ عن الحموي والمستملي، وقال في جانب الصَّوم: ((فليصم)) بالأمر دون الإفطار، إشعاراً بأنَّ جانب الصوم أرجحُ، وأنه مندوبٌ.
          قال الكرمانيُّ: اتَّفقوا على أن صوم عاشوراء في زماننا سُنَّةٌ، واختلفوا في زمان رسول الله صلعم أكان واجباً أم سُنَّةً؟
          ولفظ ((أمر)) ظاهره يقتضي كونه واجباً فنُسِخ برمضان، وفيه: مسألةٌ أصوليَّةٌ وهي: أن النَّسْخ يجوز ببدلٍ أثقلَ منه.
          والمطابقة فيه ظاهرةٌ كسابقه، وأخرجه النَّسائيُّ في الحجِّ والتفسير.