الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب اغتسال الصائم

          ░25▒ (باب اغْتِسَالِ الصَّائِمِ): أي: جواز اغتساله، ولا يضرُّ تشرُّب المسام للماء، وقال الزَّين ابن المنيِّر: أطلق الاغتسال؛ ليشمل الأغسال المسنونة والواجبة، وقال في ((الفتح)): وكأنَّه يشير إلى ضعفِ ما رُوي عن عليٍّ ☺ مِن النَّهي عن دخول الصَّائم الحمَّام، أخرجَه عبدُ الرَّزَّاق، وفي إسنادِهِ ضعفٌ، واعتمدَه الحنفيَّة فكرهُوا الاغتسال للصَّائم، انتهى.
          واعترضَه العينيُّ: بأنَّه لا يصحُّ أن يُراد بالإشارة معناها الاصطلاحيَّ، وبأن قوله: واعتمدَهُ الحنفية، غير صحيح على إطلاقه لأنَّ قوله: فكرهوا الاغتسال للصَّائم، روايةٌ عن أبي حنيفةَ، وفي ((الرَّوضة)) و((جوامع الفقه)): لا يكره الاغتسال وبلُّ الثَّوب، وصبُّ الماء على الرَّأس للحَرِّ، روى أبو داودَ بسندٍ صحيحٍ عن بعض أصحابِ النَّبيِّ قال: ((لقد رأيت النَّبي صلعم بالعرج يصبُّ على رأسه الماء وهو صائمٌ مِن الحرِّ أو العطش))... إلخ، انتهى، فتأمَّل.
          (وَبَلَّ): بتشديد اللام؛ أي: بالماء (ابْنُ عُمَرَ): أي: ابن الخطَّاب ☻ (ثَوْباً فَأَلْقَاهُ): كذا للأكثر، وعزاها في ((الفتح)) للكشميهنيِّ، ولابن عساكرَ وأبي ذرٍّ عن الحموي والمستملي: <فألقى>.
          (عَلَيْهِ): بالبناء للمفعول، ويحتملُ إرجاعُها للأوَّل (وَهُوَ صَائِمٌ): جملةٌ حاليَّةٌ، وهذا الأثر المعلَّق وصله المصنِّف في ((التَّاريخ))، وابن أبي شيبةَ عن عبد الله بن أبي عثمان: ((أنَّه رأى ابن عمر يفعل ذلك)).
          ووجهُ دلالتِهِ على التَّرجمة: أنَّه في معنى الاغتسال؛ لأنَّه يرطِّب البدن كالاغتسال، وأمَّا قول ((الفتح)): مناسبته للتَّرجمة من جهة أنَّ بلَّ الثوب إذا طالت إقامتُه على الجسد حتى جفَّ ينزلُ ذلك منزلة الدَّلك بالماء، انتهى، ففيه شيءٌ لِمن تدبَّر، ثم قال فيه أيضاً: أراد البخاريُّ بأثرِ ابن عمر هذا معارضَة ما جاءَ عن إبراهيم النَّخعي بأقوى منه، فإنَّ وكيعاً روى عن إبراهيمَ أنَّه كان يكره للصَّائم بلَّ الثياب، انتهى.
          واعترضَه العينيُّ: بأنَّه كلامٌ صادرٌ من غير تأمُّلٍ، فإنَّه اعترفَ بأن الذي رواه إبراهيم أقوى من الذي ذكره البخاريُّ تعليقاً، فكيف تصحُّ المعارضة حينئذٍ؟! قال: بل الذي يقال: إنَّه أراد به الإشارة إلى ما رُوي عن ابن عمرَ مِن فعله ذلك، فافهم، انتهى.
          وأقولُ: لا يخفى أنَّ هذا الاعتراض غير واردٍ مع ما فيه ممَّا لا يليق أن ينسب لآحادِ الطَّلبة، لو كان وارداً فإنَّه ليس في كلامه اعتراف بأن ما قاله إبراهيم أقوى ممَّا قاله البخاريُّ، بل الأمر بالعكس، وحينئذٍ فتصحُّ المعارضة، ولذا قال في ((الانتقاض)): رمتني بدائها وانسلت. وكذا لا يخفى ما في قوله، بل الَّذي يُقال: إنَّه أراد به الإشارة...إلخ لِمَن تدبَّر.
          ويقال عليه نظير ما قدَّمه قريباً من أنَّه لا يصحُّ أن يُراد بالإشارة معناها الاصطلاحيَّ، فاعرفْه.
          (وَدَخَلَ الشَّعْبِيُّ): بفتح الشِّين، عامر بن شراحيل (الْحَمَّامَ): أي: واغتسل فيه (وَهُوَ صَائِمٌ): فتحصل المطابقة، وصله ابن أبي شيبة عن ابن إسحاق بلفظ: ((رأيت الشَّعبيَّ يدخل الحمَّام وهو صائمٌ))، (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَتَطَعَّمَ): بتشديد العين المهملة؛ أي: يذوق (الْقِدْرَ): بكسر القافِ؛ أي: ما يُطبخ فيها من طعامٍ مِن غير ازدرادٍ.
          (أَوِ الشَّيْءَ): أي: أو يتطعَّم الشَّيء من الطَّعام، سواءٌ كان طعام القدر أو غيره، فهو من عطف العامِّ على الخاصِّ، وهذا الأثرُ وصله ابن أبي شيبةَ عن ابن عبَّاسٍ بلفظ: ((لا بأسَ أن يتطاعمَ القدر))، قال في ((الفتح)): ورويناه في ((الجعديَّات)) بلفظ: ((لا بأس أن يتطاعمَ الصَّائم بالشَّيء)) يعني: المرقة ونحوها.
          ودلالتُه على التَّرجمة بطريق الأولى المعبَّر عنه بطريق الفحوى؛ لأنَّه إذا لم يبطلْ بالصَّوم إدخال الطَّعام في الفم ليذوقَ طعمه من غيرِ أن يدخلَ منه شيءٌ في الجوف، فأولى ألَّا يضرَّ إيصال الماء إلى بشرة جسد الصائم.
          وروى ابنُ أبي شيبةَ عنِ ابن عبَّاس قال: ((لا بأسَ أن يذوق الخلَّ أو الشيء ما لم يدخلْ حلقه وهو صائمٌ)).
          (وَقَالَ الْحَسَنُ): أي: البصريُّ (لَا بَأْسَ بِالْمَضْمَضَةِ): أي: وكذا الاستنشاق (وَالتَّبَرُّدِ لِلصَّائِمِ): قال في ((الفتح)): وصله عبد الرزَّاق بمعناه، ووقع بعضه في حديثٍ مرفوعٍ أخرجه مالكٌ وأبو داود، لكن يستحبُّ الاحترازُ عنه عندنا كالكوفيين والأوزاعي، وقال مالكٌ: أكرهه، ولا يفطر إن لم يدخلْ حلقه، ولا بأسَ بذلك / للحاجة، كمضغ الطَّعام لصبيٍّ، وكذا ذوق نحو العسل لشرائه إذا لم يدخل منه شيءٌ إلى جوفه.
          ووجهُ مناسبته لها: أنَّه يرطِّب الجسد، وقال العينيُّ: من حيث إنَّ المضمضة جزءٌ من الغسل، واعترض على ((الفتح)) مِن حيثُ إنَّه لم يبيِّن الأثر عن الحسن، وقال: بل روى عنه ابن أبي شيبة خلاف ذلك، ولفظه: ((كان يكره أن يمضمض الرَّجل إذا أفطر، وإذا أراد أن يشربَ)) انتهى، فليتأمَّل، فإنَّ الظَّاهر أن الكراهة في هذا عنده لما فيه من إزالة أثر الصَّوم، فافهم.
          وقال شيخُ الإسلام: وجه مطابقة التَّبرُّد للتَّرجمة ظاهرٌ، وأمَّا الأوَّل فمن حيثُ إنَّ إيصال الماء إلى الفم من غير بلعٍ لا يضرُّ، فالأولى إيصاله إلى ظاهر البدن.
          (وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ) ☺ (إِذَا كَانَ صَوْمُ) ولأبي ذرٍّ: <إذا كان يوم صوم> (أَحَدِكُمْ فَلْيُصْبِحْ دَهِيناً): أي: مدهوناً أو داهناً نفسه، ففعيلٌ بمعنى مفعولٍ أو فاعلٍ وإن اقتصر الشُّرَّاح على الأوَّل (مُتَرَجِّلاً): أي: مسرِّحاً لشعره.
          قال شيخ الإسلام: وجه مطابقته أنَّ في كل منهما ترفُّهاً وتجمُّلاً، وقال الزين ابن المنيِّرِ: لأنَّ الادِّهان من اللَّيل يقتضي استصحاب أثره في النَّهار، وهو ممَّا يرطِّب الدِّماغ ويقوِّي النَّفس، فهو أبلغ من الاغتسال لحظةً، وقال في ((الفتح)): لعلَّه لأنَّ المانع من الاغتسال سلك به مسلك التَّقشُّف للصَّائم كما في الحاجِّ، وفي الادِّهان والترجُّل ترفُّهٌ، انتهى بمعناه.
          وهو مأخوذٌ من قول ابن المنيِّر الكبير: أراد البخاري الرَّدَّ على من كره الاغتسال للصَّائم؛ لأنَّه إن كرهه خشية وصول الماء حلقه فالعلَّة باطلةٌ بالمضمضة والسِّواك، ويذوق نحو الطَّعام، وإن كرهه للرِّفاهية فقد استحبَّ السَّلف للصَّائم التَّرفُّه والتَّجمُّل والتَّرجُّل والادِّهان والكحل ونحو ذلك، قال: فلذا ساق المصنِّف هذه الآثار في هذه التَّرجمة، انتهى.
          وهو مؤيد لما في ((الفتح)) وإن كان في بعضه شيءٌ، كدعواه استحباب السَّلفِ الترفُّه للصَّائم، فإنَّ هذا المرويَّ عن ابن مسعودٍ قد يقال: لا دليل فيه لاستحباب فعل ذلك للصَّائم نهاراً؛ لأنَّ هذا استصحابٌ لما وقع في اللَّيلِ، فتأمَّل، نعم، نقل ابن بطَّالٍ استحباب الادِّهان للصَّائم عن طائفة، منهم قتادة، فتأمَّل.
          وأمَّا اعتراضُ العينيِّ على ((الفتح)) من أنَّ التَّرجمةَ في جواز الاغتسال كأثر ابن مسعودٍ لا في منعه فغير واردٍ لمن تدبَّرَ؛ لأنَّ كونها في ذلك لا يمنع من الرَّدِّ بها على من منع ذلك، فافهم، وأمَّا اعتراضه على الزَّين ابن المنيِّر فله اتِّجاهٌ لما قاله من أنَّ الأدهان متفاوتة، فبعضها يقوِّي الحرارة، وهو خلاف المقصود من الاغتسال كالتَّرطيب، إلَّا أن يقال: المراد الادِّهان بما يرطِّب لا مطلقاً، فتأمَّل.
          (وَقَالَ أَنَسٌ): أي: ابن مالكٍ (إِنَّ لِي أَبْزَناً): بتنوين ((أبزن)) منصوباً ومرفوعاً كما في الفرع، والرَّفعُ روايةُ أبي ذرٍّ، وبغير تنوينِهِ في غيره، قاله القسطلانيُّ، وقال الزركشيُّ: يجوز فيه النَّصب على أنَّه اسم ((إنَّ))، والرفع على أنَّ اسمها ضمير الشَّأن، وتكون الجملة بعدها من مبتدأٍ وخبرٍ في موضع رفع خبر ((إنَّ))، انتهى.
          وقال في ((المصابيح)): الثَّاني ضعيفٌ، وقال القاضي عياضٌ: ضبطناه بفتح الألف وكسرها بعدها موحَّدةٌ ساكنةٌ فزايٌ مفتوحة فنون آخره، وهي كلمةٌ فارسيَّةٌ، وهو شبهُ الحوضِ الصَّغير، ومراده: أنَّه شيءٌ يُتبرَّد فيه وهو صائمٌ من الحرِّ والعطش، انتهى.
          واقتصر في ((الفتح)) على فتح الهمزة، وعرَّفه بأنَّه حجرٌ منقورٌ شبه الحوض وهي كلمةٌ فارسيَّةٌ، ولذلك لم يصرفْه، انتهى، وكأنَّه للعلميَّة الجنسيَّة والعجمة، أو لوزن الفعل، فتأمَّل، وقال في ((التَّلويح)): الَّذي قرأته على جماعةٍ من الفضلاء ((أُبزن)) بضمِّ الهمزة، انتهى، ولم يتعرَّض للزَّاي، وكذا في ((القاموسِ)) قال: الأبزن مثلَّثة الأوَّل: حوضٌ يُغتسَل فيه، وقد يُتَّخذ من نحاسٍ، قال: وأهل مكَّة يقولون للأبزن الَّذي يأتي إليه ماءُ العين عند الصفا: بازان، وهو لحنٌ، وذكر أنَّ بعض علماء عصره جرى على هذا اللَّحن وأثبته قال: فنبَّهتُهُ عليه فتنبَّهَ، انتهى.
          وقال الكرمانيُّ: كلمة ((أبزن)) فارسيَّةٌ مركَّبةٌ، مِن ((أب)) وهو الماء و((زن)) وهو المرأة، وهو مثل الحوض لا يستعمله إلَّا النِّساء غالباً، وحيث عُرِّب أُعرِب قال: وفي بعضِها بقصر الهمزة.
          (أَتَقَحَّمُ): مضارع تقحَّمت _بتشديد الحاء المهملة_ أي: ألقي نفسي (فِيهِ): وأدخله للتَّبرُّد، وجملة: (وَأَنَا صَائِمٌ) حاليَّةٌ، وقال في ((الفتح)): وصله قاسمُ بنُ ثابتٍ في ((غريب الحديث)) / من طريق عيسى بن طهمان قال: ((سمعت أنس بن مالكٍ يقول: إنَّ لي أبزن إذا وجدتُ الحرَّ تقحَّمْتُ فيه وأنا صائمٌ)) وكأنَّ الأبزن كان ملآن ماءً، فكان أنسٌ إذا وجد الحرَّ دخل فيه يتبرَّد بذلك.
          (وَيُذْكَرُ) بالبناء للمفعول (عَنِ النَّبِيِّ صلعم أَنَّهُ اسْتَاكَ وَهُوَ صَائِمٌ) وهذا التَّعليقُ ثبت لغير ابنِ عساكرَ، وقد وصله أبو داودَ وغيره من حديث ربيعة، وحسَّنه التِّرمذيُّ، لكن قال النوويُّ في ((الخلاصة)): مدارُه على عاصم بن عبيد الله، وقد ضعَّفَه الجمهور، فلعلَّه اعتضدَ، انتهى.
          قال العينيُّ: وجهُ مطابقتِه للتَّرجمة من حيثُ إنَّه يحصل به تطهيرُ الفم، وأطالَ في الاستدلال بأنَّه يُسنَّ الاستياك مطلقاً، وأنَّ فيه ستَّ مذاهبَ للعلماء، ستأتي في باب السواك الرطب واليابس للصَّائم مفصلة.
          (وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ): أي: ابن الخطَّاب ☻ (يَسْتَاكُ): أي: الصَّائم (أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ) وزاد أبو ذرٍّ: (وَلاَ يَبْلَعُ رِيقَهُ) ونسبه في ((الفتح)) لنسخة الصَّغانيِّ، وسقط لابن عساكر؛ أي: يُسنُّ له ألَّا يبلع ريقه، ولا يفطر لو ابتلعه ما لم يكن مخلوطاً بغيره أو متنجِّساً وما دام في فمِهِ، فلو أخرجه من فمِهِ ثمَّ ابتلعه أفطر، ولا يضرُّ إخراجه على لسانهِ، وعلى هذا التَّفصيل يُحمَل قوله: (وَقَالَ عَطَاءٌ: إِنِ ازْدَرَدَ رِيقَهُ لَا أَقُولُ: يُفْطِرُ) أي: ببلعِ ريقهِ على ما ذكرْنَاه، وقال الحنفيَّة: إذا ابتلعَ شيئاً يسيراً من طعامٍ بين أسنانهِ لا يفسدُ صومُه؛ لأنَّه لا يمكن الاحتراز عنه.
          وفي ((المحيط)): لو دخل حلقه الذُّباب أو الدُّخان أو الغبار لم يفطر، وكذا لو بقي بللُ فمِه بعد المضمضة وابتلعَه مع ريقه لعدم إمكان الاحترازِ عنه، بخلافِ ما لو دخلَ المطر أو الثَّلج حلقَه حيثُ يفطر، انتهى.
          وسقط: <وقال عطاء>...إلخ لابن عساكرَ، ولم أرَ مَن وصل تعليق عطاء هذا، وأمَّا أثرُ ابنِ عمر فقد وصله ابنُ أبي شيبة عنه بمعناه بلفظ: ((كان ابن عمر يستاكُ إذا أراد أن يروح إلى الظُّهر وهو صائمٌ)).
          ومناسبته للتَّرجمة كالذي قبله، قاله في ((الفتح)).
          (وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ) أي: محمَّد (لاَ بَأْسَ): أن يتسوَّك (بِالسِّوَاكِ الرَّطْبِ، قِيلَ: لَهُ طَعْمٌ، قَالَ): أي: ابن سيرين (وَالْمَاءُ لَهُ طَعْمٌ، وَأَنْتَ تُمَضْمِضُ بِهِ) قال: بضمِّ الفوقيَّة وكسر الميم الثَّانية، ولأبي ذرٍّ: <تَمَضمَضَ> بفتح الفوقيَّة والميم.
          قال في ((الفتح)): وصله ابن أبي شيبةَ مِن طريق أبي حمزة المازني قال: أتى ابنَ سيرين رجلٌ فقال: ما ترى في السِّواك للصَّائم؟ قال: لا بأس به، قال: إنَّه جريدٌ وله طعمٌ، قال: فذكر مثله.
          (وَلَمْ يَرَ أَنَسٌ) أي: ابن مالكٍ ممَّا وصله أبو داود بلفظ: ((كان يكتحلُ وهو صائمٌ)) ورواه الترمذيُّ عن أنسٍ مرفوعاً، لكن ضعَّفه.
          (وَالْحَسَنُ): أي: البصري، ممَّا وصله عبد الرزَّاق بإسنادٍ صحيحٍ عنه بلفظ: لا بأس بالكحل للصَّائم (وَإِبْرَاهِيمُ) أي: النَّخعي، ممَّا وصله سعيد بن منصورٍ من طريق القعقاع بن يزيد، عنه قال: سألت إبراهيم: أيكتحلُ الصَّائم؟ قال: نعم، قلت: أجدُ طعم الصَّبر في حلقِي، قال: ليس بشيءٍ. وروى أبو داودَ عن الأعمش أنَّه قال: ما رأيت أحداً من أصحابنا يكره الكحل للصَّائم، وكان إبراهيمُ يرخِّص أن يكتحلَ الصَّائم بالصَّبر، لكن روى ابنُ أبي شيبة عنه أنَّه قال: لا بأس بالكحلِ للصَّائم ما لم يجدْ طعمه.
          وقوله: (بِالْكُحْلِ لِلصَّائِمِ بَأْساً) متعلِّق بقولِهِ: ((لم يرَ)) فلا يضرُّ الاكتحَال ولو تشرَّبته المسام؛ لأنَّه لم يصل إلى منفذٍ مفتوحٍ، كما لا يبطله الانغمَاس في الماء وإن وجدَ أثرَه بباطنه، وهذا مذهبُ الشَّافعيَّة والحنفية، وقال المالكيَّة والحنابلة: إن اكتحلَ بما يتحقَّق معه الوصولُ إلى حلقه من كحلٍ أو صبرٍ أو قطور أو ذرور أو إثمدٍ كثير أو يسير مطبب أفطرَ.