الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب صوم الصبيان

          ░47▒ (بابُ صَوْمِ الصِّبْيَانِ): أي: في رمضان، وثبتَ في بعض الأصول، والصِّبيان جمع صبي من لم يفطم، والجمع: أصبية وأصب وصبوة وصبية وصبيان وصبوان، وتضم هذه الثَّلاثة، قاله في ((القاموس)).
          والمراد هنا من لم يبلغ مطلقاً؛ أي: هل يلزمون بهِ أم لا؟ وهذا التَّقدير أولى من تقديرهم هل يشرع أم لا؟ لأنَّه مشروع في حقِّهم عند الجميع.
          وإن قال في ((الفتح)): أنَّه لا يشرع في حقِّ الصِّبيان على المشهور عند المالكيَّة، لكن الجمهور على أنَّه لا يجب عليهم خلافاً لأحمد في روايةٍ عنه: أنَّه يجب على من بلغَ عشر سنين وأطاقه، فيعصي بفطرهِ، ويلزمه الإمساكُ والقضاء كالبالغ، والصَّحيح من مذهبه عدم وجوبهِ عليه؛ لعدم تكليفهِ.
          وقال في ((الفتح)): وأغربَ ابن الماجشون من المالكيَّة فقال: إذا أطاق الصِّبيان الصِّيام يلزمهم، فإن أفطروا لغير عذرٍ فعليهم القضاء انتهى، وردَّه القاضي عياض.
          ويردُّه قوله عليه السَّلام: ((رفعَ القلمُ عن ثلاثةٍ)) فذكر ((الصَّبي حتى يحتلم))، وفي روايةٍ: ((حتَّى يبلغ)). انتهى.
          ويؤمرون به وجوباً على الوليِّ مع التَّهديد لهم عند الجميع، خلافاً لابن سيرين والزُّهري حيث قالا باستحبابه، ونسبه في ((الفتح)) للشَّافعي وفيه: أنَّ المعروف من مذهبهِ وجوبه على الوليِّ ونحوه إن أطاقه الصَّبي بالمعنى الشَّامل للصِّبية، وحدَّ الجمهور ذلك بالسَّبع والعشر كالصَّلاة، وحدَّه إسحاق باثنتي عشرة سنة، وأحمد في روايةٍ بعشر.
          وقال الأوزاعيُّ: إذا طاق صوم ثلاثة أيَّام تباعاً لا يضعف فيهنَّ حمل على الصِّيام، فيضرب الصَّبي على تركه لعشرٍ، كالصَّلاة عند الجميع خلافاً للمشهور من مذهبِ المالكيَّة من أنَّه لا يضرب على ترك الصِّيام؛ لعدم تكليفهم بهِ عندهُم.
          ولقد / تلطَّف المصنِّف كما في ((الفتح)) في التعقُّب عليهم بإيرادِ أثر عمر مع أنَّهم أكثر ما يعتمدونَ في معارضةِ الأحاديث بفعل أهل المدينةِ على خلافها، ولا أقوى من العملِ منهم في عهد عمر؛ لشدَّة تحرِّيه، ووفور الصَّحابة حينئذٍ.
          فقال: (وَقَالَ عُمَرَ): أي: ابن الخطَّاب ☺، فيما وصله سعيد بن منصور، والبغوي في ((الجعديَّات)) (لِنَشْوَانٍ): بلام الجر وفتح النون وسكون الشين المعجمة، وجمعه: نشاوى كسكارى؛ أي: لرجلٍ سكران، وثبت: ((لسكران)) بدله في بعضِ الأصول.
          قال الزَّركشيُّ: بالصَّرف وتركه انتهى.
          ووجَّههما في ((المصابيح)): بأنَّ الزَّمخشري حكى في مؤنثه نشوانة، وابن سيده: حكى نشوة، قال: فمن اعتبر في منعِ الصَّرف انتفاء فعلانه صرفه، ومن اعتبر وجودَ فعلى منعه؛ أي: للوصفيَّة وزيادة الألف والنون.
          تنبيه: نشوان كسكران وزناً ومعنى، قال ابنُ خالويه: نشى الرَّجل وانتشى وثمل ونزف بمعنى.
          وقال في ((المحكم)): نشَى وانتشى وتنشَّى بمعنى سكر. وقال ابنُ التين: النَّشوان السَّكران سكراً خفيفاً، وقيل: كأنَّه من كلام المولدين.
          وقال الجوهريُّ: رجلٌ نشيانٌ للأخبار بيِّن النِّشوة بالكسر، وإنَّما قالوه بالياء للفرق بينه وبين نشوان؛ أي: سكران بيِّن النَّشوة بالفتح.
          وقال في ((القاموس)): ورجلٌ نشوانٌ ونشيانٌ: سكران بيِّنُ النَّشوة _بالفتح_ ونشيانٌ بالأخبار، بيِّن النِّشوة _بالكسر_ أي: يتخبَّر الأخبارَ أول ورودِها. انتهى.
          وقوله: (فِي رَمَضَانَ): متعلِّق بـ((نشوان)) (وَيْلَكَ): مفعول مطلق لفعل لازم الحذف، وجملة: (وَصِبْيَانُنَا صِيَامٌ): بكسر الصاد وبالتحتية حال، ولغير أبي ذرٍّ وابن عساكر: <صُوَّام> بضم الصاد وتشديد الواو، ومراد عمر بذلكَ توبيخ هذا الرَّجل؛ أي: ويحكَ شربت الخمر وأفطرت، والحال أنَّ صبيان أهلِ المدينة أو أهل الإسلامِ صائمون (فَضَرَبَهُ): أي: فضرب عمر الرَّجل حدَّ السكر ثمانين جلدة؛ لما في رواية البغويِّ في ((الجعديَّات)) بسندهِ إلى عمر: ((أنَّه أتي برجلٍ شربَ الخمر في رمضان، فلمَّا رفع إليه عثر، فقال عمر: على وجهك ويحك وصبياننَا صيام، ثمَّ أمر بهِ فضرب ثمانينَ سوطاً، ثمَّ سيَّره إلى الشَّام))، وفي روايةٍ له: ((فضربَه الحدَّ، وكان إذا غضبَ على إنسانٍ سيَّره إلى الشَّام)).
          ومطابقة الأثر للتَّرجمة ظاهرة.