الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب من مات وعليه صوم

          ░42▒ (باب مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ): ((مَن)) موصولةٌ، فـ((باب)) مضافٌ إليها على حذف مضافٍ؛ أي: حكم مَن مات، ويحتملُ أنَّها شرطيَّةٌ، وجوابها محذوفٌ لدلالة المقامِ عليه، فـ((بابٌ)) منوَّنٌ، وجملة ((وعليه صوم)) حاليَّةٌ، ولم يعيِّنِ الحكمَ لاختلاف العلماء فيه كما سيأتي (وَقَالَ الْحَسَنُ): أي: البصريُّ (إِنْ صَامَ عَنْهُ): أي: عمَّن ماتَ وعليه صومُ شهر رمضان مثلاً (ثَلاَثُونَ رَجُلاً يَوْماً وَاحِداً): ((ثلاثون)) فاعل ((صام)) و((رجلاً)) تمييزٌ له و((يوماً)) ظرفٌ لـ((صام)) و((واحداً)) نعته.
          وقوله: (جَازَ): أي: كفى عنه، جوابُ ((إن))، ولأبي ذرٍّ: <في يومٍ واحدٍ>، وأثرُ الحسنِ وصله الدَّارقطنيُّ في كتاب المذبح عنه بلفظ: ((مَن ماتَ وعليه صومُ ثلاثين يوماً، فجمعَ له ثلاثين رجلاً، فصاموا عنه يوماً واحداً أجزأَ عنه)).
          قال النوويُّ في ((شرح المهذَّب)): وهذه المسألةُ لم أرَ فيها نقلاً في المذهب، وقياسُ المذهب الإجزاءُ، انتهى، قال في ((الفتح)): لكنَّ الجواز مقيَّدٌ بصومٍ لم يجب فيه التَّتابع لفقد التَّتابع في الصُّورة المذكورةِ، انتهى، وتبعَه شيخُ الإسلام هنا فقال: وظاهرٌ أنَّ هذا في صومٍ لا يجب فيه تتابعٌ، انتهى.
          ومقتضاه أنَّ مَن وجب عليه التَّتابع ككفَّارةِ ظهارٍ مثلاً أنَّه لا يجزئُ فيه صومها في يومٍ واحدٍ، وفيه أنَّ ظاهرَ أثرِ الحسنِ وكلامِ كثيرٍ مِن أئمَّتنا العمومُ.
          قال ابنُ الملقِّن في ((التوضيحِ)): أثرُ الحسن غريبٌ، وهو فرعٌ ليس في مذهبِنا، وهو الظاهرُ، كما لو استأجر عنه بعدَ موتِهِ من يحجُّ عنه عن فرضِ استطاعتِهِ، وآخر يحجُّ عنه عن قضائهِ، وآخر عن نذره في سنةٍ واحدةٍ، فإنَّه يجوز، انتهى، بل صرَّح به بعضُ فقهائِنا، فقد قال الشَّمسُ الرَّمليُّ في ((شرح المنهاج)) بعد إيرادِ أثر الحسنِ وكلام / ((المجموع)) ما نصُّهُ: وسواء في جواز فعل الصَّومِ أكانَ قد وجب فيه التَّتابع أم لا، لأنَّ التَّتابعَ إنَّما وجب في حقِّ الميِّت لمعنًى لا يوجد في حقِّ القريب، ولأنَّه التزم صفةً زائدةً على أصلِ الصَّوم، فسقطَتْ بموته، انتهى، فافهم.