الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب تأخير السحور

          ░18▒ (بَابُ تَأْخِيْرِ السَّحُورِ): أي: استحبابُ تأخيره إلى قرب طلوع الفجر الصَّادق إذا لم يقع في شكٍّ لخبر: ((لا تزالُ أمَّتي بخيرٍ ما عجَّلوا الفطرَ، وأخَّروا السحورَ)) وهذه رواية الأكثرِ كما رأيناهُ في الأصول، وإن ادَّعى في ((الفتح)) أنَّه لم يرها في شيءٍ من نُسخ البخاريِّ، ولثبوتها في ((اليونينيَّة))، ولأبي ذرٍّ: <باب تعجيل السحور>.
          وعليها شرح ابن بطَّالٍ فقال: فاته المسنون، وهو الذي يدلُّ عليه حديثُ الباب.
          وأُجيب: بأن البخاريَّ أشار إلى أن السَّحور كان يقع قربَ طلوع الفجر، وروى مالكٌ عن عبد الله بن أبي بكرٍ عن أبيه قال: ((كنَّا ننصرف _أي: من صلاة الليل_ فنستعجلُ بالطَّعام مخافةَ الفجرِ)).
          وقال ابن المنيِّر: التَّعجيلُ من الأمور النِّسبيَّة، فإن نسب إلى أوَّل الوقت، كان معناهُ التَّقديم، وإن نُسِب إلى آخره، كان معناه التَّأخير، وإنَّما سمَّاهُ البخاريُّ تعجيلاً إشارةً منه إلى أن الصَّحابيَّ كان يسابقُ بسحورِهِ الفجر عند خوفِ طلوعِهِ، وخوفَ فواتِ الصَّلاة بمقدار وصوله إلى المسجد، قال الزركشيُّ: فعلى هذا يُقرأ: سُحور _بضمِّ السِّين_ أي: لأنَّ المراد تعجيلُ الأكل.
          وأقولُ: يجوزُ الفتح كما ذكرْنا أنَّه على حذف مضافٍ، فتدبَّر.