الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: صام النبي عاشوراء وأمر بصيامه

          1892- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ): أي: ابن مسرهدٍ قال: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ): أي: ابن عُليَّة (عَنْ أَيُّوبَ): أي: السَّختياني (عَنْ نَافِعٍ، / عَنِ ابْنِ عُمَرَ): أي: ابن الخطَّاب ☻ (قَالَ: صَامَ النَّبِيُّ صلعم عَاشُوْرَاءَ): بالمدِّ والهمزة للتأنيث، معدولٌ عن عاشرةٍ للمبالغة والتعظيم، وهو العاشر من المحرَّم على الصَّحيح، وقيل: تاسعه، ونسبه لابن عبَّاس أخذاً من أظمأ الإبلُ، فإنَّ العرب تُسمِّي اليوم الخامس من أيَّام الورد ربعاً، وكذا باقيها على هذه النِّسبة، فيكون التاسع عاشراً.
          (وَأَمَرَ): بفتحاتٍ؛ أي: أو أمر النبيُّ صلعم (النَّاسَ بِصِيَامِهِ): باجتهادٍ أو وحيٍ، ويحتمل: بناؤه للمفعول؛ أي: أو أمره الله بصيامه، فيكون بياناً لصيامه بأنَّهُ بأمْرِ الله تعالى (فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تُرِكَ): يحتمل بناء ((ترك)) للفاعل وللمفعول؛ أي: ترك صوم يوم عاشوراء على سبيل الوجوب بعد أن أمرَ الله به.
          وظاهر الحديث: أنَّ الأمر به على سبيل الوجوبِ، وبه استدلَّ الحنفيَّة، وتقدَّم: أنَّ حديث معاوية: ((لم يكتبِ اللهُ عليكم صيامَهُ)) يدلُّ لعدمِ وجوبِهِ.
          (وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ): أي: ابن عُمر راوي الحديث (لَا يَصُومُهُ): أي: يوم عاشوراء؛ لئلَّا يُظَنَّ وجوبه، أو يُعظَّمَ في الإسلام كالجاهليَّة، وإلَّا فهو سنَّةٌ كما مرَّ ويأتي (إِلاَّ أَنْ يُوَافِقَ): أي: الصوم الذي يعتاده ابن عُمر (صَوْمَهُ): أي: صوم عاشوراء، ويجوز: رفع ((صومه))، فمفعول ((يوافق)) محذوفٌ؛ أي: فكان يصومه لعادته لا لتنفُّله بعاشوراء لخصُوصه، وأشارَ المصنِّف بهذا الحديث كحديث عائشة: إلى أنَّ الأمْرَ فيهما محمولٌ على النَّدبِ، قاله في ((الفتح)).