الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب المجامع في رمضان هل يطعم أهله من الكفارة إذا كانوا محاويج؟

          ░31▒ (بَابُ الْمُجَامِعِ فِي رَمَضَانَ): أي: بيانُ حكمِ الشخص إذا جامع في نهارِ رمضان (هَلْ يُطْعِمُ): بضمِّ أوَّله (أَهْلَهُ): أي: مَن تجب نفقتهم عليه (مِنَ الْكَفَّارَةِ): أي: مِن كفَّارته إذا أعطاه غيره شيئاً؛ ليكفِّر به عن نفسه (إِذَا كَانُوا): أي: أهله (مَحَاوِيجَ): قال العينيُّ: يحتمل أن يكون جمعَ محواج، وهو كثير الحاجة، صِيغ على وزن اسمِ الآلة للمبالغةِ، انتهى.
          وظاهر كلام ((المغرب)) أنَّه جمع محتاجٍ، فإنَّه قال: المحاويج هم المحتاجونَ عامِّي، انتهى، فليُتأمَّل، وقال في ((المصباح)): حَاجَ الرَّجل يَحُوجُ، إذا احتاجَ، وأَحْوَجُ وِزان أَكْرَمَ، من الحاجةِ، فهو محوجٌ، وقياسُ جمعه بالواو والنون؛ لأنَّه صفة عاقلٍ، والنَّاس يقولون: مَحَاوِيج مثلُ مَفَاطِيرَ ومَفَالِيسَ، وبعضُهم يُنكِره ويقول: هو غيرُ مسمُوعٍ، ويستعملُ الرُّباعي أيضاً متعدِّياً، فنقول: أحوجَه اللهُ إلى كذا، انتهى فتدبَّر.
          وجوابُ الاستفهام بهل ومعادلها محذوفٌ؛ لدلالة الحديث عليه، فافهمْ.
          قال في ((الفتح)): ولا منافاةَ بين هذه التَّرجمة والَّتي قبلها؛ لأنَّ الأولى آذنت بأنَّ الإعسار بالكفَّارة لا يُسقِطُها؛ لقوله فيها: فتصدق عليه فليكفِّر، والثَّانية: تردَّدت هل المأذون له بالتَّصرُّف فيه نفس الكفَّارة أم لا؟ قال: وعلى هذا يتنزَّل لفظ التَّرجمة، انتهى.
          وفي قولِه: والثانية تردَّدت... إلخ شيءٌ؛ لأنَّ التَّردُّد بين كونه هل يُطعم أهله المحاويج منها أم لا؟ فتأمَّل.
          وقال ابن المنيِّر: ومن لطيف فقه البخاريِّ أنَّه ترجم على الحديث بترجمتَين، وظاهرها التَّناقض، ولا تناقضَ في ذلك؛ لأنَّه إنَّما أراد أن ينبِّه على أنَّه إنَّما أطعمَه أهله على أنَّه كذلك، وقدرهم كالأجانب المحتاجين، قال: وكأنَّه عليه السلام جمعَ له بين المصلحتين أدَّى عنه الكفَّارة، وسدَّ خلَّة أهله، قال: ولا يَرِدُ هذا على مالكٍ فإنَّه يمنع أن يعطي الرَّجلُ زكاتَه لمَن تلزمُه نفقته، والجواب: أنَّ هذا شخصٌ تجب عليه الزَّكاة؛ لأنه يؤدِّيها ويوفِّرها عن نفسه، والمكفِّر هنا فقيرٌ لا تجب عليه نفقةٌ ولا كفَّارةٌ.
          قال: نعم لو فرضْنا أنَّه عزل زكاته، ثمَّ افتقر وهي باقيةٌ عنده، جاز أن يعطيَها زوجتَه الفقيرة ونحوها، ويحتمل أنَّه يأكل منها، / ... / انتهى ملخَّصاً.