الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصدقة

          ░64▒ (بَابُ صَلاَةِ الإِمَامِ): أي: دعاء السُّلطانِ أو نائبه لمؤدِّي الزكاة ندباً، وقيل: وجوباً، فعطف (وَدُعَائِهِ لِصَاحِبِ الصَّدَقَةِ): أي: الزكاة أو مطلقاً من العطفِ التَّفسيري، وفائدتهُ: ليبيِّن أنَّ لفظَ الصَّلاةِ المأمور بها في: (({وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة:103])) ليس بلازمٍ، بل يكفِي الدُّعاء بأيِّ لفظٍ كان.
          ويؤيِّدُ ذلك ما رواهُ النَّسائيُّ عن وائل بن حجر أنَّهُ عليه السلام قال في رجلٍ بعث بناقةٍ حسناء في الزكاة: ((اللَّهم بارِكْ فيه وفي إبلهِ)) أي: فيدعى للمتصدِّق بذلك، وبنحو: آجركَ الله تعالى فيما أعطيتَ، وجعله لك طهوراً وباركَ لك فيما أبقيت.
          ويندب لكلِّ من أخذ الزكاة هذا الدعاء لمعطيها ترغيباً له في الخيرِ وتطييباً لقلبه، ويسنُّ لدافعها بل لكلِّ فاعل خيرٍ من كفَّارةٍ أو نذرٍ أو إقراء درسٍ أو تصنيفٍ أن يقول: ربَّنا تقبَّل منا إنك أنت السَّميعُ العليم، قاله النَّووي وغيره.
          قال ابن المنير: عبَّر المصنِّف في الترجمة بالإمامِ ليبطل شُبهَةَ أهل الرِّدَّة في قولهم للصدِّيق: إنما قال الله لرسوله: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة:103]، وهذا خاصٌّ بالرَّسول، فأراد المصنِّف أنْ يبيِّنَ أنَّ كلَّ إمامٍ داخلٌ في الخطاب.
          (وَقَوْلِهِ): بالجرِّ عطفاً على ((صلاة)) وفي بعضِ الأصولِ الصَّحيحة برفعه عطفاً على ((باب)) أو مبتدأ وخبره محذوف نحو: مما يدلُّ لذلكَ قوله تعالى: ({خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [التوبة:103]): أي: بعضها، وهو مقدارُ الزكاة من الزَّكوى، والأمرُ للنَّدب، وقيل: للوجوبِ كما تقدَّم، وحكاهُ الحناطي وجهاً لبعض الشافعيَّةِ، والصَّحيحُ الأولُ؛ لأنَّها لو كانت واجبةً لأمرَ به عليه السَّلام السَّعاة / ، أو إنَّ الوجوبَ من خصَائصه.
           وقال الكرمانيُّ وغيره: ولأنَّ سائر ما يأخذُه الإمامُ من الكفَّار والدُّيون وغيرهما لا يجبُ عليه فيها الدُّعاء فكذلك الزَّكاة.
          ({صَدَقَةً}): أي: زكاةً ({تُطَهِّرُهُمْ}): أي: بها من الذُّنوب، أو من حبِّ المال المؤدِّي إلى التَّأخُّر عن الجهاد، و(({تُطَهِّرُهُمْ})) بالرفع، والجملة صفة لـ(({صَدَقَةً})) أو مستأنفة استئنافاً بيانياً، وقرئ بالجزم على أنَّه جواب الأمر، وقرئ أيضاً: ▬تطهرهم↨ من أطهرهُ بمعنى: طهره، ذكرهما البيضَاوي.
          ({وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}): أي: وتنمِّي بها حسناتهم وترفعهُمْ إلى منازلِ المخلصِين ({وَصَلِّ عَلَيْهِمْ}): أي: ادعُ لهم واستغفرْ الله لهم ببذلهم الزَّكاة، فقد روى ابن أبي حاتمٍ وغيره بسندٍ صَحيحٍ عن السَّدي في قولهِ تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} قال: ادعُ لهم.
          ({إِنَّ صَلَوَاتَكَ}): بالجمع لغير حمزة والكسَائي وحفص، وقرأَ هؤلاء بالإفراد وهو ما في بعض الأصُولِ وجمعها لتعددها بتعدُّدِ المدعوِّ لهم ({سَكَنٌ لَهُمْ}): أي: تسكنُ إليها نفوسُهُم وتطمئنُّ بها قلوبهم، ولأبي ذرٍّ: <{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} إلى قوله: {سَكَنٌ لَهُمْ}>.
          وقال ابن بطَّال: المعنى: وصلِّ عليهم إذا ماتوا صلاةَ الجنازةِ، فإنَّ هذا مقتضَى إطلاق الصَّلاةِ في الشريعة.