الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: هل يشتري صدقته؟

          ░59▒ (بَابٌ: هَلْ يَشْتَرِي الرَّجُلُ): أي: الشَّخصُ (صَدَقَتَهُ): أي: سواءٌ كانت فرضاً أو نفلاً؛ أي: يُكرَهُ أن يشتريَها تنزيهاً، وكذا إذا عادتْ إليه باختيارهِ مِن المتصدق عليه.
          قال الزين ابنُ المنير: أوردَ الترجمة بالاستفهامِ؛ لأنَّ تنزيلَ حديثِ الباب على سببه يضعفُ معه تعميمَ المنع، لاحتمالِ تخصيصِهِ بالشِّراءِ بدون القيمةِ لقوله: وظننتُ أنه بائعه برخص، فكأنَّهُ رجع بعضها إليه بغير عوضٍ.
          وقال: وقصدَ أيضاً بهذه التَّرجمة: التَّنبيه على أنَّ ما تضمَّنتهُ التَّرجمةُ قبلها من جوازِ بيع الثمرة قبل إخراج الزكاة، ليس من جنسِ شراءِ الرجل صدقتهُ، والفرقُ بينهما دقيقٌ. انتهى.
          وأقول: لينظرْ وجهَ قوله: دقيق، مع أنَّ المغايرةَ بينهما ظاهرةٌ، فإنَّ أحدهما بيعٌ والآخر شراء.
          (وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ): أي: الشَّخص (صَدَقَةَ غَيْرُهُ): بنصب: <صدقةَ> وجر: <غيرهِ> لأبي ذرٍّ، ورواه غيره: <صدقته غيرُه> برفع ((غيرُه)) على أنَّه فاعل ((يشتري)) فلا ضمير في ((يشتري)) و((صدقته)) بالضمير المضاف إليه مفعول مقدم على فاعله.
          (لأَنَّ النَّبِيَّ صلعم إِنَّمَا نَهَى الْمُتَصَدِّقَ): بكسر الدال (خَاصَّةً): بنصبه على الحال من ((المتصدق)) أو صفة لمصدرٍ محذوفٍ لـ((نهى)) والتاء فيه ككافه (عَنِ الشِّرَاءِ): متعلق بـ((نهى)) (وَلَمْ يَنْهَ غَيْرَهُ): أي: غير المتصدِّقِ، ويؤيِّدهُ قوله في حديثِ بريرة: ((هو لها صدقَةٌ ولنا هديَّةٌ)) لأنَّهُ إذا جاز بلا عِوضٍ، فمعَ العِوَض أولى.