الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب العشر فيما يسقى من ماء السماء وبالماء الجاري

          ░55▒ (بَابُ الْعُشْرِ): بضم العين المهملة وسكون الشين المعجمة؛ أي: أخذهُ (فِيمَا يُسْقَى): بالبناء للمفعول (مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ): أي: المطر (وَبِالْمَاءِ): عطف على: ((مِن ماءِ السَّماء)) (الْجَارِي): ولأبي ذرٍّ: <والماء الجاري> بحذف الموحدة، عدل إلى ((الجاري)) مع أنَّ المذكورَ في حديث الباب العيون؛ لعمومهِ لها، وللأنهارِ والغُدْران فيجري مجرَى التَّفسير للعُيون، وأنَّ المقصُود: الماءُ الذي يجري بنفسِهِ من غير نضْحٍ.
          قال في ((الفتح)): وكأنَّهُ أشارَ إلى ما في بعضِ طُرُقهِ، ففي أبي داود: ((فيما سقَتْ السَّماء والأنهارُ والعيون)) الحديث.
          (وَلَمْ يَرَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ): ☺ (فِي الْعَسَلِ شَيْئاً): أي: من الزكاة، وصله مالك عن ((الموطأ)) عن عبدِ الله بن أبي بكرٍ بن حزم، قال: جاءَ كتابٌ من عُمر بن عبد العزيز إلى أبي وهو بمنى: أنْ لا تأخُذْ من الخيلِ ولا من العسلِ صَدَقة، وما جاءَ عنه مما يخالفُهُ فهو ضعيفٌ كما في ((الفتح)).
          وقال فيه أيضاً: كأنَّ البخاريَّ أشارَ / إلى تضعيف ما رويَ أنَّ في العسل العُشْر، كما أخرجه عبد الرزاق بسندهِ عن أبي هريرة قال: كتب رسولُ الله صلعم إلى أهلِ اليمن: ((أن يُؤخَذَ من العَسَل العُشْر)) في إسنادهِ عبد الله بن محرد _بمهملات_ قال المصنِّف في كتابه: عبدُ الله متروكٌ، ولا يصحُّ في زكاةِ العسل شيءٌ، وقال التِّرمذيُّ: لا يصحُّ في هذا الباب شيءٌ، وقولُ الشَّافعي في القديم: في العسلِ العُشْر ضعيفٌ.
          وقال ابنُ المنذر: ليسَ في العسل حديثٌ يثبت ولا إجماع فلا زكاةَ فيه، وهو قولُ الجمهور، وعن أبي حَنيفةَ وأحمدَ وإسحاقَ: يجبُ العشر فيما أُخِذ من غير أرضِ الخراج، لكن عند أبي حَنيفةَ: يجبُ في قليله وكثيره العُشْر.
          قال ابنُ المنير: مناسبةُ أثر عمر في العسل للترجمة: من جهةِ أنَّ الحديث يدلُّ على أن لا عُشْرَ فيه؛ لأنه خصَّ العشر أو نصفه بما سُقيَ من السماء، فأفْهَمَ أنَّ ما لا يُسقى لا يعشر، قال: ووجهُ إدخاله العسل أيضاً: التَّنبيه على الخلافِ فيه، وأنه لا يرى فيه زكاةً، وإنْ كانت النحل تغتذي بما يُسقَى من السماء، لكن المتولد بالمباشرةِ كالزرع ليس كالمتولِّدِ بواسطة حيوانٍ كاللبن؛ فإنَّه متولِّدٌ من الرعي، ولا زكاةَ فيه. انتهى.