الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب من بلغت عنده صدقة بنت مخاض وليست عنده

          ░37▒ (بَابُ مَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةٌ): فاعل ((بلغت)) (بِنْتَ مَخَاضٍ): مفعوله، كما لأبي ذر، ولغيره برفع <صدقةُ> بلا تنوين لإضافته إلى <بنتِ>.
          قال الكرماني: ويجريان في كل ما هو مثله في هذا الباب.
          قال في ((الفتح)): أورد فيه طرفاً من حديث أنس المذكور، وليس فيه ما ترجم له، وقد أورد الحكم الذي ترجم به في باب العرض في الزكاةِ وحذفه هنا، فقال ابن بطَّال: هذه غفلةٌ منه، وتعقَّبه ابن رشيد وقال: بل هي غفلةٌ ممن ظنَّ به الغفلة، وإنما مقصدُه / أن يستدلَّ على أن من بلغتْ صدقته بنت مخاض (وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ): هي ولا ابن لبون، لكن عنده مثلاً حُقة وهي أرفعُ من بنت مخاض؛ لأن بينهما بنت اللبون، وقد تقرَّر أن بين بنت اللبون وبنت المخاض عشرين درهماً أو شاتين، وكذلك سائر ما وقعَ في الحديث من سن يزيد أو ينقص إنما ذكر فيه ما يليها لا ما يقعُ بينهما بتفاوت درجةٍ، فأشار البخاريُّ إلى أنه يستنبط من الزائدِ أو الناقصِ المفصل ما يكون مفصلاً بحساب ذلك، فعلى هذا من بلغت صدقته بنت مخاض وليست عنده إلا حقة فيدفعها ويرد عليه المصدق أربعين درهماً أو أربع شياه جبراناً أو بالعكس، فلو ذكر اللفظ الذي ترجم له لما أفهم هذا الغرض. انتهى.
          وقال الزين ابنُ المنير: من أمعنَ النظر في تراجم هذا الكتاب وما أودعَه فيها من أسرار المقاصد استبعد أن يغفل أو يهمل أو يضع لفظاً لغير معنى، أو يرسم في الباب خبراً يكون غيره به أقعد وأولى، وإنما قصدَ بذكر ما لم يترجم به أن يقرر أن المفقودَ إذا وجد أكمل منه أو أنقصَ شرعَ الجبران كما يشرع ذلك فيما تضمَّنه هذا الخبر من ذكر الأسنان؛ فإنه لا فرق بين فقد بنت المخاض ووجود أكمل منها.
          قال: ولو جعل العمدة في هذا الباب الخبر المشتمل على ذكر فقد بنت المخاض لكان نصاً في الترجمة ظاهراً، فلما تركه واستدلَّ بنظيره أفهم ما ذكرناه من الإلحاق بنفي الفارقِ وتسويته بين فقد ابنة المخاض ووجود أكمل منها، وبين فقد الحقة ووجود أكمل منها. انتهى.
          وقال العينيُّ عقبه: وهذا تطويل، والأوجه أن يقال: هو جارٍ على عادته في أن يذكرَ في الباب حديثاً ويكون أصل ذلك الحديث فيه ما يحتاجُ إليه في الباب، ولم يذكر ليكِلَ الناظرَ إلى البحث والنظر. انتهى.