الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: ليس على المسلم في فرسه صدقة

          ░45▒ (بَابٌ: لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ): الفَرَس _بفتحتين_ مشتقٌّ من الفَرْس _بسكون الراء_ وهو الكسر.
          وقال الجوهري: الفَرَسُ يقع على الذكر والأنثى، ولا يقالُ للأنثى فرسةٌ، وتصغيرُ الفرس: فريس، وإنْ أردت الأنثى خاصَّةً فلا تقُلْ إلا فريسه _بالهاء_ عن أبي بكرِ بن السرَّاجِ، والجمع: أفراس، انتهى بحروفه.
          فقولُ العيني: وجمعهُ الخيل من غير لفظه، انتهى، / إن أراد أنَّهُ مِن كلام ((الصِّحاح)) كما هو ظاهرُ كلامهِ فقد علمت ما فيه، وإن أراد أنَّهُ من كلام غيره، وأنَّهُ لا يجمع من لفظه، فقد علمت جوازهُ من كلام ((الصحاح)).
          وقال في ((القاموس)): الفَرَسُ: للذَّكَرِ والأُنثى، وهي فَرَسَةٌ، والجمع: أفْراسٌ وفُروسٌ، انتهى.
          والمرادُ بالفرس: الجنس، إذْ لا خلافَ أنَّ الواحدةَ إذا لم تكُنْ للتِّجارةِ لا زكاة فيها، قال في ((الفتح)) وغيره: وخالفَ في ذلك أبو حَنيفةَ فيما إذا كانت الخيلُ ذكوراً وإناثاً نظراً إلى النسل، فإن انفردَ أحدهما فعنه روايتان، والمشهورُ: عدم الوجوب كما في ((المبسوط)) ثمَّ عنده أنَّ المالك مُخيَّرٌ بين أن يُخرِج عن كلِّ فرسٍ ديناراً أو يقومها، ويخرج من كلِّ مائتي درهمٍ خمسةَ دراهم.
          ونقل العينيُّ أنه أيضاً مذهبُ زيد بن ثابت والنخعي وحمَّاد بن أبي سليمان وزُفر، وأطالَ في الاستدلالِ لذلك.
          ومنه: ما رواه مسلمٌ مطولاً عن أبي هريرة أنَّهُ قال: قال رسولُ الله صلعم: ((ما مِن صَاحِبِ كَنْزٍ لا يُؤَدِّي زَكَاتَهُ، إلا أُحْمِيَ علَيهِ في نَارِ جَهَنَّم)) الحديث، وفيه: ((الخَيْلُ ثلاثَةٌ: فهي لرَجُلٍ أجْرٌ، ولرَجُلٍ سِتْرٌ، ولرَجُلٍ وِزْرٌ)) الحديث، ثم قال: ((وأَمَّا الذي هيَ لهُ سِتْرٌ فالرَّجُلُ يَتَّخِذُها تكَرُّماً وتَجَمُّلاً، ولا يَنْسَى حقَّ ظُهُورِها وبُطُونِها في عُسْرِها ويُسْرِها))... الحديث.
          والجمهورُ على عدمِ إيجابِ الزكاةِ فيها مطلقاً ما لم تكُن للتِّجارة، واستدلوا بحديثِ الباب وغيرِه وذكرها العيني، ثمَّ قال: استدلَّ بالأحاديثِ المذكورة سعيد بن المسيِّب وعمر بن عبد العزيز ومكحول وعطاء والشَّعبي والحسن والحكم وابن سيرين والثَّوري والزُّهري ومالك والشَّافعي وأحمد وإسحاق وأهلُ الظَّاهرِ، وممَّن قال بقولهم: أبو يوسُف ومحمَّد من أصحابنا، وقال التِّرمذيُّ: والعملُ عليه _أي: على حديثِ أبي هريرة المذكور في الباب_ عند أهلِ العلم. انتهى.
          وقال ابن بطَّال: اتَّفقَ جمهورُ العلماء على أنَّهُ لا زكاةَ في الخَيلِ، رويَ ذلك عن عليٍّ وابنِ عُمرَ وهو قولُ الشَّعبي والنَّخعي وسعيد بن المسيِّب وعطاء والحسن البصري والحكم والثَّوري ومالك والأوزاعِي واللَّيث وأبي يوسُف ومحمد والشَّافعي وأحمد وأبي ثور، وخالفَ الجماعةُ أبو حنيفةَ وزفر فقالا: في كلِّ فرسٍ دينارٌ إذا كانت سائمَةً، وإن شاءَ قوَّمها وأعطى عن كلِّ مائتي درهمٍ خمسةَ دراهم، وذكرَ أدلَّةَ الفريقين.
          ثمَّ قال: وحديثُ أبي هريرةَ أنَّهُ عليه السلام قال: ((ليسَ على المسلِمِ في عَبدِهِ ولا فَرسِهِ صدَقَةٌ)) الحجَّةُ القاطعةُ في ذلك، فهذا وجهه من طريقِ الأثر، وأما وجههُ من طريق النَّظر فإنا رأينا الذين يوجبونَ الزكاة فيها لا يوجبونها حتى تكون ذكوراً وإناثاً، ويلتمسُ صاحبُها نسلَها، ولا تجبُ الزكاة في ذكورها خاصَّةً ولا في إناثها خاصة، وكانت الزَّكاةُ المتفق عليها في المواشي تجبُ في الإبل والبقر والغنم ذكوراً كانت كلها أو إناثاً كلها أو ذكوراً وإناثاً، فلما استوى حكمُ الذكور خاصَّةً في ذلك وحكم الإناث خاصَّةً، وحكمُ الذكور والإناث كانت الخيلُ كذلك. انتهى.