الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب من أعطاه الله شيئًا من غير مسألة ولا إشراف نفس

          ░51▒ (بَابٌ: مَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ شَيْئاً مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَلاَ إِشْرَافِ نَفْسٍ): بتنوين ((باب)) وعدمه و((مَن)) موصولةٌ أو شرطية على الأول، وموصولةٌ فقط على الثاني، وعلى الشرطية فجوابها محذوف؛ أي: فليقبلْهُ أو فليأخذْه؛ أي: الشَّيء، وحذفه للعلمِ به من الحديث، وإنْ شئتَ قلت: اكتفاءً بما في حديثِ الباب، وإنْ اعترضَ العينيُّ الأول من التقديرين.
          والمسألةُ: مصدرٌ ميميٌّ بمعنى السُّؤال، والإِشْراف _بكسر الهمزة وسكون الشين المعجمة_ مصدر أشرف: تعرَّض للشَّيء وحرصَ عليه، من قولهم: أشرَفَ على كذا: تطاوَلَ له، ويقالُ للمكان المرتفع شرف لذلك.
          ({وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ للسَّائِلِ والمَحْرُومِ} [الذاريات:19]): سقطت الآية للأكثر، وثبتت للمستملي مقدمة على: <من أعطاه...إلخ>، فيكون <بابُ> مضافاً إليها مراداً بها لفظها على حذف مضاف؛ أي: باب ذكر {وَفِيْ أَمْوَالِهِمْ} الآية، ويحتمل تنوين <بابٌ> على رواية المستملي، وهو الذي نقلهُ القسطلاني عنه عن هامش ((اليونينية)) وفرعها والذي في أصلها: حذف الآية.
          وقال شيخُ الإسلام: وفي بعضِ النسخ: <باب في قوله تعالى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}>، والضمير في (({أَمْوَالِهِمْ})) راجعٌ للمتَّقين المتقدم ذكرهُمْ في: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [الذاريات:15] في سورة {وَالذَّارِيَاتِ}.
          قال البيضاوي: {وَفِيْ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ} نصيب يستوجبونَهُ على أنفسهم تقرُّباً إلى الله وإشفاقاً على النَّاس {لِلْسَّائِلِ} المستجدي والمتعفِّف الذي يظنُّ غنياً فيحرَمُ الصدقة. انتهى.
          وقال غيرهُ: السائلُ: الذي يسألُ الناسَ ويستجدي، والمحرومُ: الذي يُحسَب غنياً فيحرم الصَّدقة لتعفُّفِه، وقيل: المحروم الذي ليس له في الإسلام سهمٌ؛ أي: الذي مُنِع الخيرَ والعطاء، ويعبَّرُ عنه بالمخارَف _بفتح الراء_ مع زيادة، ولا ينمو له مالٌ، وهو خلافُ المبارك، وقيل: هو المصابُ ثمره أو زرعهُ أو نسل ماشيتهِ بجائحة.
          واستدلَّ بهذه الآية جماعةٌ من التَّابعينَ ومن الصَّحابة، منهم: أبو ذرٍّ / على أنَّ في المال حقًّا سوى الزكاة، وقال الجمهورُ: المرادُ من الحقِّ: هو الزكاة لأدلَّةٍ أخرى كحديث ((الصحيحين)): هل عليَّ غيرها؟ قال: ((لا، إلا أنْ تطوَّع)).
          ومطابقةُ الآية لحديثِ الباب من جهةِ دلالتها على مدحِ مَن يعطي السَّائل وغيره، وإذا كان المعطي ممدوحاً فعطيَّتُهُ مقبولَةٌ، وآخِذُها غير ملومٍ قاله في ((الفتح)).
          ثمَّ قال: وأوردها بلفظ العموم وإنْ كان الخبر وردَ في الإعطاءِ من بيت المال؛ لأنَّ الصَّدقةَ للفقيرِ في معنى العطاء للغنيِّ إذا انتفى الشَّرطان. انتهى فتأمَّله.