نجاح القاري لصحيح البخاري

معلق ابن نمير: ذهب فرس له فأخذه

          3067- (قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ) بضم النون وفتح الميم، مصغَّر نِمر، هو: عبدُ الله بن نُمَير الهمداني الكوفي (حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ) هو: ابنُ عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطَّاب، القرشي العَدَوي المدني (عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ☻ ) وهذا تعليقٌ من البخاري؛ لأنَّه لم يسمعْ من ابن نمير؛ فإنَّه مات سنة تسع وتسعين ومئة. ووصله أبو داود وقال: حدثنا محمَّد بن سليمان الأنباري والحسن بن علي، المَعْنى، قالا: حدَّثنا ابن نمير، عن عُبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر ☻ قال: ذهب فرس له، إلى آخره نحوه، وأخرجَه ابن ماجه أيضاً.
          (قَالَ: ذَهَبَ فَرَسٌ لَهُ) وفي رواية الكُشْمِيهني: <ذهبت> لأنَّ الفرس يذكَّر ويؤنَّث، وكذلك في روايته فأخذها (فَأَخَذَهُ الْعَدُوُّ) أي: الكافر (فَظَهَرَ) أي: غلب (عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَرُدَّ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلعم وَأَبَقَ عَبْدٌ لَهُ فَلَحِقَ بِالرُّومِ، فَظَهَرَ عَلَيْهِمُ الْمُسْلِمُونَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بَعْدَ النَّبِيِّ صلعم ).
          كذا وقع في رواية ابن نُمير أنَّ قصَّة الفرس في زمن النَّبي صلعم ، وقصَّة العبد بعده صلعم ، وخالفه يحيى القطَّان، عن عُبيد الله العمري، كما هي الرِّواية الثَّانية في الباب فجعلهما معاً بعد النَّبي صلعم ، وكذلك وقع في وراية موسى بن عقبة، عن نافع / وهي الرِّواية الثَّالثة في الباب. وصرَّح بأنَّ قصَّة الفرس كانت في زمن أبي بكر ☺.
          وقال العينيُّ: في وقوع ذلك في زمن أبي بكر ☺، والصَّحابةُ متوافرون من غيرِ إنكار منهم، كفاية للاحتجاج به، واحتجَّ بهذا الحديث الشَّافعي وجماعة أنَّ أهل الحرب لا يملكون بالغلبةِ شيئاً من مال المسلمين، ولصاحبه أخذَه قبل القسمة وبعدها.
          وعن علي والزُّهري والحسن وعَمرو بن دينار: لا يردُّ إلى صاحبه قبل القسمة ولا بعدها وهي للجيش. وقال أبو حنيفة والثَّوري والأوزاعي ومالك: أنَّ صاحبه إن علمَ به قبل القسمة أخذَه بغير شيءٍ، وإن أصابَه بعد القسمةِ يأخذُه بقيمتهِ، وهو قولُ عمر وزيد بن ثابت وابن المسيَّب وعطاء والقاسم وعروة، واحتجُّوا في ذلك بما رواه أبو داود من حديث الحسن بن عُمار، عن عبد الملك بن ميسرة، عن طاوس، عن ابن عبَّاس ☻ : أنَّ رجلاً وجد بعيراً له كان المشركون أصابوه، فقال له النَّبي صلعم : ((إن أصبتَه قبل أن يقسمَ فهو لك، وإن أصبتَه بعدما قسمَ أخذته بالقيمة)).
          فإن قيل: قال أحمدُ فيه: متروك، وقال ابنُ معين: ليس بشيءٍ، وقال الجوزجانيُّ: ساقط. فالجواب: أنَّه قال أحمد: وقد روى مسعر عن عبد الملك، وقال يحيى بنُ سعيد: سألت مسعراً عنه فقال: هو من حديث عبد الملك، ولكن لا أحفظ.
          وقال علي بنُ المديني: روي عن يحيى بن سعيد أنَّه سأل مسعراً عنه، فقال: هو من رواية عبد الملك، عن طاوس، عن ابن عبَّاس ☻ ، فدلَّ على أنَّه قد رواه غير الحسن بن عُمارة فاستغنى عن روايته لشهرته عن عبد الملك.
          على أنَّا نقول قال الطَّحاوي: حدَّثنا أحمدُ بن عبد المؤمن المروزي، قال: سمعتُ علي بن يونس المرزوي يقول: سمعت جرير بن عبد الحميد يقول: ما ظننت / أنِّي أعيش إلى دَهْرٍ يُحَدَّثُ فيه عن محمَّد بن إسحاق ويُسْكَتُ فيه عن الحسن بن عُمارة.
          وقال الطَّحاوي: وقد روي عن جماعة من المتقدِّمين نحو ما ذهب إليه أبو حنيفة ومن معه، فمما روي عنهم في ذلك ما حدَّثنا محمَّد بن خزيمة قال: حدَّثنا يوسف بن عدي قال: حدَّثنا ابن المبارك، عن سعيد بن أبي عَروبة، عن قتادة، عن رجاء بن حيوة، عن قبيصةَ بن ذؤيب: أنَّ عمر بن الخطَّاب ☺ قال فيما أحرزَ المشركون وأصابه المسلمون فعرفه صاحبَه قال: ((إن أدركه قبل أن يُقْسَمَ فهو له، وإن جرت فيه السِّهام فلا شيءَ له)). فإن قيل: قبيصةُ بن ذؤيب لم يدرك عمر ☺؟
          فالجواب: أنَّه يكون مرسلاً فيُعْمَلُ به، على أنَّ رجاء بنَ حيوة روى أنَّ أبا عبيدة كتب إلى عمر بن الخطَّاب ☺ في هذا فقال: ((من وجد ماله بعينهِ فهو أحقُّ به بالثَّمن الذي حسب على من أخذه، وكذلك إن بيعَ ثمَّ قسم منه فهو أحق بالثَّمن))، والله تعالى أعلم.
          ومطابقة الحديث للتَّرجمة من حيث إنَّه جواب لها.