نجاح القاري لصحيح البخاري

باب قول النبي: نصرت بالرعب مسيرة شهر

          ░122▒ (بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلعم : نُصِرْتُ) على البناء للمفعول (بِالرُّعْبِ) أي: بالخوف (مَسِيرَةَ شَهْرٍ) أي: مسافة شهرٍ، ووقع في رواية الطبرانيِّ من حديث أبي أمامة: ((شهراً أو شهرين)). وله من حديث السائب بن يزيد: ((شهراً أمامي وشهراً خلفي)).
          والَّذي يظهر: أنَّ الحكمة في الاقتصار على الشَّهر أنَّه لم يكن بينه وبين الممالك الكبار التي حوله أكثر من ذلك كالشام والعراق واليمن ومصر، ليس بين المدينة النَّبويَّة، والواحدة منها إلا شهر فما دونه، ودلَّ حديث السَّائب على أن التردُّد في الشَّهر والشهرين إمَّا أن يكون الراوي سَمِعَه كما في حديث السَّائب، وإمَّا أنه لا أثر لتردُّده، وحديث السَّائب لا ينافي حديث جابرٍ، قاله الحافظ العسقلانيُّ.
          فإن قيل: كثيرٌ من النَّاس يخافون الملوك من مسافة شهرٍ؟
          فالجواب: أنَّه ليس المراد بالخصوصية مجرَّد حصول الرعب، بل هو وما ينشأ منه من النُّصرة والظَّفر بالعدوِّ.
          وبذلك يجاب أيضاً فيقال: إنَّ سليمان ╕، وإنْ حصل له في الريح غدوُّها شهر، ورواحها شهر، لكن ذلك كان بالوصول، وأمَّا نبيُّنا صلعم فقد خصَّه الله تعالى بالنُّصرة بالرعب، وفضله به، ولم يؤته أحداً غيره، فكان من الخصائص التي لم يشركه فيها غيره، والله تعالى أعلم.
          (وَقَوْلِهِ ╡) وفي رواية: <وقول الله تعالى>، وهو بالجرِّ عطفٌ على ما قبله / ({سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ}) بسبب إشراكهم به. وتمام الآية: {مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً} [آل عمران:151] أي: آلهةً ليس على إشراكها حجَّة، ولم ينزل به عليهم سلطاناً.
          وهو كقوله:
لا يُفْزِعُ الأَرْنَبَ أَهْوَالُهَا                     وَلَا تَرَى الضَبَّ بِهَا ينْجَحِرْ
          أي: ليس بها هولٌ فيفزع الأرنبُ، يصف مفازة خاليةً عن الحيوان يقول: لا يخاف الأرنبُ أهوالَ هذه المفازة، إذ ليس فيها أرنب، ولا ترى الضبَّ ينحجر بها، إذ ليس فيها ضبٌّ يقال: انْجَحَرَ؛ أي: دخل الجِحْر، فنفى الضبَّ والانجحار جميعاً.
          فمن معجزاته صلعم الرعب الذي ألقاه الله تعالى في قلوب الكفَّار بسبب ما أشركوا بالله، ولهذا جعل الله له الفيء يضعه حيث يشاء؛ لأنَّه وصل إليه من قبل الرعب الذي في قلوبهم منه، والفيءُ كلُّ مالٍ لم يُوجف عليه بخيلٌ ولا ركاب، وهو ما خلا عنه، وتركوه من أجل الرُّعب، وكذا ما صالحوا عليه من جزيةٍ، أو خراجٍ من وجوه الأموال.
          (قَالَهُ) أي: قال حديث: ((نُصِرْتُ بالرعب)) (جَابِرٌ) أي: ابن عبد الله (☺، عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أشار به إلى ما أخرجه موصولاً في أول كتاب التَّيمم [خ¦335] من حديث جابر بن عبد الله ☻ : أنَّ النَّبي صلعم قال: ((أعطيت خمساً لم يعطهنَّ أحدٌ قبلي: نصرت بالرُّعب مسيرة شهرٍ)) الحديث.