-
المقدمة
-
كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
-
كتاب الإيمان
-
كتاب العلم
-
كتاب الوضوء
-
كتاب الغسل
-
كتاب الحيض
-
كتاب التيمم
-
كتاب الصلاة
-
أبواب سترة المصلي
-
كتاب مواقيت الصلاة
-
كتاب الأذان
-
أبواب الجماعة والإمامة
-
كتاب الجمعة
-
أبواب صلاة الخوف
-
كتاب العيدين
-
كتاب الوتر
-
كتاب الاستسقاء
-
كتاب الكسوف
-
أبواب سجود القرآن
-
أبواب تقصير الصلاة
-
أبواب التهجد
-
كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة
-
أبواب العمل في الصلاة
-
أبواب السهو
-
كتاب الجنائز
-
كتاب الزكاة
-
أبواب صدقة الفطر
-
كتاب الحج
-
أبواب العمرة
-
أبواب المحصر
-
كتاب جزاء الصيد
-
أبواب فضائل المدينة
-
كتاب الصوم
-
كتاب صلاة التراويح
-
أبواب الاعتكاف
-
كتاب البيوع
-
كتاب السلم
-
كتاب الشفعة
-
كتاب الإجارة
-
كتاب الحوالة
-
كتاب الكفالة
-
كتاب الوكالة
-
كتاب المزارعة
-
كتاب المساقاة
-
كتاب الاستقراض
-
كتاب الخصومات
-
كتاب في اللقطة
-
كتاب المظالم
-
كتاب الشركة
-
كتاب الرهن
-
كتاب العتق
-
كتاب المكاتب
-
كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها
-
كتاب الشهادات
-
كتاب الصلح
-
كتاب الشروط
-
كتاب الوصايا
-
كتاب الجهاد والسير
-
باب فضل الجهاد والسير
-
باب: أفضل الناس مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله
-
باب الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء
-
باب درجات المجاهدين في سبيل الله
-
باب الغدوة والروحة في سبيل الله وقاب قوس أحدكم من الجنة
-
باب الحور العين وصفتهن
-
باب تمني الشهادة
-
باب فضل من يصرع في سبيل الله فمات فهو منهم
-
باب من ينكب في سبيل الله
-
باب من يجرح في سبيل الله عز وجل
-
باب قول الله تعالى: {هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين}
-
باب قول الله تعالى: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله}
-
باب: عمل صالح قبل القتال
-
باب من أتاه سهم غرب فقتله
-
باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا
-
باب من اغبرت قدماه في سبيل الله
-
باب مسح الغبار عن الناس في السبيل
-
باب الغسل بعد الحرب والغبار
-
باب فضل قول الله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله}
-
باب ظل الملائكة على الشهيد
-
باب تمني المجاهد أن يرجع إلى الدنيا
-
باب: الجنة تحت بارقة السيوف
-
باب من طلب الولد للجهاد
-
باب الشجاعة في الحرب والجبن
-
باب ما يتعوذ من الجبن
-
باب من حدث بمشاهده في الحرب
-
باب وجوب النفير وما يجب من الجهاد والنية
-
باب الكافر يقتل المسلم ثم يسلم فيسدد بعد ويقتل
-
باب من اختار الغزو على الصوم
-
باب: الشهادة سبع سوى القتل
-
باب قول الله تعالى {لا يستوي القاعدون من المؤمنين}
-
باب الصبر عند القتال
-
باب التحريض على القتال
-
باب حفر الخندق
-
باب من حبسه العذر عن الغزو
-
باب فضل الصوم في سبيل الله
-
باب فضل النفقة في سبيل الله
-
باب فضل من جهز غازيًا أو خلفه بخير
-
باب التحنط عند القتال
-
باب فضل الطليعة
-
باب: هل يبعث الطليعة وحده؟
-
باب سفر الاثنين
-
باب: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة
-
باب: الجهاد ماض مع البر والفاجر
-
باب من احتبس فرسًا لقوله تعالى {ومن رباط الخيل}
-
باب اسم الفرس والحمار
-
باب ما يذكر من شؤم الفرس
-
باب: الخيل لثلاثة
-
باب من ضرب دابة غيره في الغزو
-
باب الركوب على الدابة الصعبة والفحولة من الخيل
-
باب سهام الفرس
-
باب من قاد دابة غيره في الحرب
-
باب الركاب والغرز للدابة
-
باب ركوب الفرس العري
-
باب الفرس القطوف
-
باب السبق بين الخيل
-
باب إضمار الخيل للسبق
-
باب غاية السبق للخيل المضمرة
-
باب ناقة النبي صلى الله عليه وسلم
-
باب الغزو على الحمير
-
باب بغلة النبي صلى الله عليه وسلم البيضاء
-
باب جهاد النساء
-
باب غزو المرأة في البحر
-
باب حمل الرجل امرأته في الغزو دون بعض نسائه
-
باب غزو النساء وقتالهن مع الرجال
-
باب حمل النساء القرب إلى الناس في الغزو
-
باب مداواة النساء الجرحى في الغزو
-
باب رد النساء الجرحى والقتلى
-
باب نزع السهم من البدن
-
باب الحراسة في الغزو في سبيل الله
-
باب فضل الخدمة في الغزو
-
باب فضل من حمل متاع صاحبه في السفر
-
باب فضل رباط يوم في سبيل الله
-
باب من غزا بصبي للخدمة
-
باب ركوب البحر
-
باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب
-
باب: لا يقول فلان شهيد
-
باب التحريض على الرمي
-
باب اللهو بالحراب ونحوها
-
باب المجن ومن يتترس بترس صاحبه
-
باب الدرق
-
باب الحمائل وتعليق السيف بالعنق
-
باب حلية السيوف
-
باب من علق سيفه بالشجر في السفر عند القائلة
-
باب لبس البيضة
-
باب من لم ير كسر السلاح عند الموت
-
باب تفرق الناس عن الإمام عند القائلة والاستظلال بالشجر
-
باب ما قيل في الرماح
-
باب ما قيل في درع النبي والقميص في الحرب
-
باب الجبة في السفر والحرب
-
باب الحرير في الحرب
-
باب ما يذكر في السكين
-
باب ما قيل في قتال الروم
-
باب قتال اليهود
-
باب قتال الترك
-
باب قتال الذين ينتعلون الشعر
-
باب من صف أصحابه عند الهزيمة ونزل عن دابته واستنصر
-
باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة
-
باب: هل يرشد المسلم أهل الكتاب أو يعلمهم الكتاب؟
-
باب الدعاء للمشركين بالهدى ليتألفهم
-
باب دعوة اليهودي والنصراني وعلى ما يقاتلون عليه
-
باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم
-
باب من أراد غزوة فورَّى بغيرها ومن أحب الخروج يوم الخميس
-
باب الخروج بعد الظهر
-
باب الخروج آخر الشهر
-
باب الخروج في رمضان
-
باب التوديع
-
باب السمع والطاعة للإمام
-
باب: يقاتل من وراء الإمام ويتقى به
-
باب البيعة في الحرب أن لا يفروا
-
باب عزم الإمام على الناس فيما يطيقون
-
باب: كان النبي إذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال
-
باب استئذان الرجل الإمام لقوله: {إنما المؤمنون الذين آمنوا}
-
باب من غزا وهو حديث عهد بعرسه
-
باب من اختار الغزو بعد البناء
-
باب مبادرة الإمام عند الفزع
-
باب السرعة والركض في الفزع
-
باب الخروج في الفزع وحده
-
باب الجعائل والحملان في السبيل
-
باب ما قيل في لواء النبي صلى الله عليه وسلم
-
باب الأجير
-
باب قول النبي: نصرت بالرعب مسيرة شهر
-
باب حمل الزاد في الغزو
-
باب حمل الزاد على الرقاب
-
باب إرداف المرأة خلف أخيها
-
باب الارتداف في الغزو والحج
-
باب الردف على الحمار
-
باب من أخذ بالركاب ونحوه
-
باب السفر بالمصاحف إلى أرض العدو
-
باب التكبير عند الحرب
-
باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير
-
باب التسبيح إذا هبط واديًا
-
باب التكبير إذا علا شرفًا
-
باب: يكتب للمسافر مثل ما كان يعمل في الإقامة
-
باب السير وحده
-
باب السرعة في السير
-
باب: إذا حمل على فرس فرآها تباع
-
باب الجهاد بإذن الأبوين
-
باب ما قيل في الجرس ونحوه في أعناق الإبل
-
باب مَن اكتتب في جيش فخرجت امرأته حاجةً وكان له عذر هل يؤذن له؟
-
باب الجاسوس
-
باب الكسوة للأسارى
-
باب فضل من أسلم على يديه رجل
-
باب الأسارى في السلاسل
-
باب فضل من أسلم من أهل الكتابين
-
باب أهل الدار يبيتون فيصاب الولدان والذراري
-
باب قتل الصبيان في الحرب
-
باب قتل النساء في الحرب
-
باب: لا يعذب بعذاب الله
-
باب: {فإما منًا بعد وإما فداءً}
-
باب: هل للأسير أن يقتل ويخدع الذين أسروه حتى ينجو من الكفرة؟
-
باب: إذا حرق المشرك المسلم هل يحرق؟
-
باب
-
باب حرق الدور والنخيل
-
باب قتل النائم المشرك
-
باب: لا تمنوا لقاء العدو
-
باب: الحرب خدعة
-
باب الكذب في الحرب
-
باب الفتك بأهل الحرب
-
باب ما يجوز من الاحتيال والحذر مع من تخشى معرته
-
باب الرجز في الحرب ورفع الصوت في حفر الخندق
-
باب من لا يثبت على الخيل
-
باب دواء الجرح بإحراق الحصير
-
باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب وعقوبة من عصى إمامه
-
باب: إذا فزعوا بالليل
-
باب من رأى العدو فنادى بأعلى صوته يا صباحاه حتى يسمع الناس
-
باب من قال: خذها وأنا ابن فلان
-
باب: إذا نزل العدو على حكم رجل
-
باب قتل الأسير وقتل الصبر
-
باب: هل يستأسر الرجل؟ومن لم يستأسر ومن ركع ركعتين عند القتل
-
باب فكاك الأسير
-
باب فداء المشركين
-
باب الحربي إذا دخل دار الإسلام بغير أمان
-
باب: يقاتل عن أهل الذمة ولا يسترقون
-
باب جوائز الوفد
-
باب: هل يستشفع إلى أهل الذمة ومعاملتهم؟
-
باب التجمل للوفود
-
باب: كيف يعرض الإسلام على الصبي؟
-
باب قول النبي لليهود: أسلموا تسلموا
-
باب: إذا أسلم قوم في دار الحرب ولهم مال وأرضون فهى لهم
-
باب كتابة الإمام الناس
-
باب: إن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر
-
باب من تأمر في الحرب من غير إمرة إذا خاف العدو
-
باب العون بالمدد
-
باب من غلب العدو فأقام على عرصتهم ثلاثًا
-
باب من قسم الغنيمة في غزوه وسفره
-
باب: إذا غنم المشركون مال المسلم ثم وجده المسلم
-
باب من تكلم بالفارسية والرطانة
-
باب الغلول
-
باب القليل من الغلول
-
باب ما يكره من ذبح الإبل والغنم في المغانم
-
باب البشارة في الفتوح
-
باب ما يعطى البشير
-
باب: لا هجرة بعد الفتح
-
باب: إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمة
-
باب استقبال الغزاة
-
باب ما يقول إذا رجع من الغزو
-
باب الصلاة إذا قدم من سفر.
-
باب الطعام عند القدوم
-
باب فضل الجهاد والسير
-
كتاب فرض الخمس
-
كتاب الجزية والموادعة
-
كتاب بدء الخلق
-
كتاب أحاديث الأنبياء
-
كتاب المناقب
-
كتاب فضائل الصحابة
-
كتاب مناقب الأنصار
-
كتاب المغازي
-
كتاب التفسير
-
كتاب فضائل القرآن
-
كتاب النكاح
-
كتاب الطلاق
-
كتاب النفقات
-
كتاب الأطعمة
-
كتاب العقيقة
-
كتاب الذبائح والصيد
-
كتاب الأضاحي
-
كتاب الأشربة
-
كتاب المرضى
-
كتاب الطب
-
كتاب اللباس
-
كتاب الأدب
-
كتاب الاستئذان
-
كتاب الدعوات
-
كتاب الرقاق
-
كتاب القدر
-
كتاب الأيمان والنذور
-
باب كفارات الأيمان
-
كتاب الفرائض
-
كتاب الحدود
-
كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة
-
كتاب الديات
-
كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم
-
كتاب الإكراه
-
كتاب الحيل
-
كتاب التعبير
-
كتاب الفتن
-
كتاب الأحكام
-
كتاب التمني
-
كتاب أخبار الآحاد
-
كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة
-
كتاب التوحيد
░27▒ (بابُ وُجُوبِ النَّفِيرِ) بفتح النون وكسر الفاء؛ أي: الخروج إلى قتال الكفَّار، وأصل النَّفير: مفارقة مكانٍ إلى مكان لأمر حرَّك ذلك (وَما يَجِبُ مِنَ الجِهادِ) أي: وبيان القدر الواجب من الجهاد (والنِّيَّةِ) أي: ومشروعية النِّية في ذلك، وللنَّاس في الجهاد حالان: إحداهما: في زمن النَّبي صلعم ، والأخرى: بعده، فأمَّا الأولى فأوَّل ما شرع الجهاد بعد الهجرة النَّبوية إلى المدينة اتِّفاقاً، ثمَّ بعد أنْ شُرِعَ هل كان فرضَ عينٍ أو كفاية؛ قولان مشهوران للعلماء.
وقال الماورديُّ من الشَّافعية: كان عيناً على المهاجرين دون غيرهم، ويؤيِّده وجوب الهجرة قبل الفتح في حقِّ كلِّ امرئ مسلمٍ إلى المدينة لنصر الإسلام. وقال السُّهَيلي: كان عيناً على الأنصار دون غيرهم، ويؤيِّده مبايعتهم النَّبي صلعم ليلة العقبة على أن يؤوا رسولَ الله صلعم وينصروه فيخرج من قوليهما أنَّه كان عيناً على الطَّائفتين، كفايةً في حقِّ غيرهم.
وقيل: كان عيناً في الغزوة التي يخرج فيها النَّبي صلعم دون غيرها، والتَّحقيق أنَّه كان عيناً على من عيَّنه النَّبي صلعم في حقِّه ولو لم يخرج.
الحال الثَّاني بعده / صلعم هو فرضُ كفاية على الشُّهود إلَّا أن تدعوا الحاجة إليه كأن يَدْهَم العدوُّ، فيتعيَّن على من عيَّنه الإمام، ويتأدَّى فرض الكفاية بفعله في السَّنة مرةً عند الجمهور، ومن حجَّتهم أنَّ الجزية تجب بدلاً عنه، ولا تجب في السَّنة أكثر من مرةٍ اتِّفاقاً، فليكن بدلها كذلك، وقيل: يجب كلَّ ما أمكن، وهو قويٌّ.
والذي يظهر أنَّه استمرَّ على ما كان عليه في زمن النَّبي صلعم إلى أن تكاملت فتوح معظم البلاد وانتشر الإسلام في أقطار الأرض، ثمَّ صار إلى ما تقدَّم ذكره.
والتَّحقيق أيضاً أنَّ جنسَ جهاد الكفار متعيَّن على كلِّ مسلمٍ إمَّا بيده وإمَّا بلسانه وإمَّا بقلبه، والله تعالى أعلم.
(وَقَوْلِهِ ╡) بالجر عطفاً على قوله: وجوب النَّفير، وفي بعض النُّسخ: <وقول الله تعالى>، ويروى: بالرفع عطفاً على باب ({انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} إِلَى: {إِنَّهُم لَكَاذِبُون} [التوبة:41-42]) هذه الآية من سورة براءة، وهي متأخِّرةٌ عن التي بعدها والأمر فيها مقيَّد بما قبلها؛ لأنَّه تعالى عاتب المؤمنين الذين يتأخرون بعد الأمر بالنَّفير ثمَّ عقب ذلك بأن قال: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً}. وكأنَّ المصنِّف قدَّم آية الأمر على آية العقاب لعمومها، وقد روى الطَّبراني من رواية أبي الضُّحى مسلم بن صبيح قال: أوَّل ما نزل من براءة: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً}.
وقد فهم بعض الصَّحابة من هذا الأمر العمومَ، فلم يكونوا يتخلَّفون عن الغزو حتَّى ماتوا، منهم أبو أيوب الأنصاري والمقداد بن الأسود وغيرهم ♥ . وقال أبو مالك الغفاري وابن الضَّحاك: هذه أوَّل آيةٍ نزلت من براءة، ثمَّ نزل أولها وآخرها.
وفي «التيسير»: قال جماعةٌ من الصَّحابة ♥ : لمَّا نزلت آية الجهاد منَّا الثَّقيل وذو الحاجة والضَّيْعة والشُّغل فنزلت: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} ويقال: كان المقداد عظيماً سميناً، جاء إلى النَّبي صلعم وشكا إليه، وسأل أن يأذنَ له، فنزلت: / {انْفِرُوا} الآية.
أمر الله تعالى بالنَّفير العام مع رسول الله صلعم عام غزوة تبوك لقتال أعداء الله من كفرة الرُّوم، وحَتَّم على المؤمنين في الخروج معه على كلِّ حالٍ فقال: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} [التوبة:41] أي: خفافاً في النُّفور لنشاطكم له أو ثقالاً عنه لمشقَّته عليكم.
وعن أبي طلحة: كهولاً وشباناً، وهكذا روي عن ابن عبَّاس وعكرمة والحسن البصري والشَّعبي ومقاتل بن حيَّان وزيد بن أسلم. وقال مجاهد: شباناً وشيوخاً، وهو في معنى التَّفسير السَّابق. وقال مجاهد أيضاً: وأغنياء ومساكين، وقال الحكم بن عُتيبة: مشاغيل وغيره، وعن الحسن البصري: في العسر واليسر وقيل: أصحَّاء ومرضى، وقيل: مقلِّين من السِّلاح ومكثرين، وقيل: رجالاً وركباناً، وقيل: عُزْباناً ومتأهِّلين.
وعن ابن أمِّ مكتوم أنَّه قال لرسول الله صلعم : أَعَليَّ أن أنفر؟ قال: نعم. حتَّى نزل قوله: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} [النور:61].
وعن ابن عبَّاس ☻ : نسخت بقوله: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة:91].
قال السدي: لمَّا نزلت هذه الآية اشتدَّ على النَّاس شأنها، فنسخها الله تعالى فقال: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ} الآية، وعن صفوان بن عَمرو: وكنت والياً على حمص فلقيتُ شيخاً كبيراً قد سقطَ حاجبه من أهل دمشق، على راحلته، يريد الغزو، فقلت: يا عمِّي، لقد أعذرَ الله إليك، فرفع حاجبيه، وقال: يا ابن أخي، استنفرنا الله خفافاً وثقالاً، إلَّا أنَّه من يحبُّه الله يَبْتَله.
وعن الزُّهري: خرج سعيد بن المسيَّب إلى الغزو، وقد ذهبت إحدى عينيه، فقيل: إنَّك عليل صاحبُ ضرر، فقال: استنفر الله الخفيف والثَّقيل، فإن لم يمكني الحرب كثَّرت السَّواد وحفظتُ المتاع.
ثمَّ قوله: {خِفَافَاً} جمع: خفيف، وثقالاً جمع: ثقيل، وانتصابهما على الحاليَّة من الضَّمير الذي في انفروا، {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيْلِ اللهِ} [التوبة:41] إيجابٌ للجهاد بهما إن أمكنَ أو بأحدهما على حسب الحال والحاجة.
{ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ} في الدُّنيا والآخرة؛ لأنَّكم تَغْرمُون في النَّفقة قليلاً فَيُغْنِمَكُم الله / أموالَ عدوِّكم في الدُّنيا على ما يدَّخر لكم من الكراماتِ في الآخرة، والمفضَّل عليه محذوفٌ؛ أي: من تركه {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [التوبة:41] الخير، علمتُم أنَّه خير، إذ إخبارُ الله به صدقٌ، فبادروا إليه، أو إن كنتم تعلمون أنَّ الله يريد الخير {لَوْ كَانَ عَرَضَاً قَرِيْبَاً} العرض: ما عرض لك من منافع الدُّنيا، يقال: الدُّنيا عَرَض حاضر يأكل منه البرُّ والفاجر؛ أي: لو كان ما دعوا إليه نَفْعاً دنيوياً قريباً سهل المنال {وَسَفَرَاً قَاصِداً} وسطاً مقارباً {لاتَّبَعُوكَ} أي: لوافقوكَ طمعاً في المال {وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ} أي: المسافة التي تقطع بمشقة، وقرئ: بكسر العين والشين، وهي لغة قيسٍ {وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ} أي: يحلفون بالله لكم إذا رجعتُم إليهم من تبوك معتذرين؛ يعنى: المتخلِّفين، ويحتمل أن يكون بالله من جملة كلامهم، والقول مرادٌ في الوجهين؛ أي: يقولون:
{لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ} [التوبة:41] أي: لو قدرنا، وكان لنا سعةٌ من المال لخرجنا معكم، وذلك كذب منهم ونفاقٌ؛ لأنَّهم كانوا مياسير ذوي أموال، وقرئ: ((لوُ استطعنا)) بضم الواو، تشبيهاً لها بواو الضمير في قوله: {اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ} [البقرة:16]. وقوله: {لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ} سادٌّ مسدَّ جوابي القسم والشَّرط {يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ} [التوبة:42] إمَّا أن يكون بدلاً من: {سَيَحْلِفُونَ} أو حالاً من فاعله، والمعنى: أنَّهم يوقعون أنفسهم في الهلاك بحلفهم الكاذب، فإنَّ الحلف الكاذب إيقاع النَّفس في الهلاك.
ويحتمل أن يكون حالاً من قوله: {لَخَرَجْنَا} أي: لخرجنا معكم، وإن أهلكنا أنفسنا وألقيناها في التَّهلكة بما تحملها من المسير في تلك المشقَّة، وجيء به على لفظ الغائب؛ لأنَّه مخبرٌ عنهم ألا ترى أنَّه لو قيل: سيحلفون بالله لو استطاعوا لخرجوا، لكان سديداً، يقال: حلف بالله ليفعلنَّ ولأفعلنَّ، فالغيبة على حكم الإخبار، والتَّكلم على الحكاية.
{وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [التوبة:42] في ذلك لأنَّهم كانوا مستطيعين الخروج بدناً ومالاً، ثمَّ الإخبار بما سوف يكون بعد القفول من حلفهم واعتذارهم، وقد كان من جملة المعجزات. /
(وَقَوْلِهِ تَعَاَلى) بالجرِّ أو بالرفع على منوال الأول، هذه آية العتاب على من تخلَّف عن رسول الله صلعم في غزوة تبوك في سنة عشر، بعد رجوعهم من الطَّائف استنفروا في وقت عسرة وقحطٍ وقيظٍ مع بعد الشقة وكثرة العدوِّ، وقد طابت الثِّمار في المدينة، وتمت الظِّلال، فشقَّ عليهم ذلك فتباطَؤا وتكاسلوا. وقيل: ما خرج رسول الله صلعم في غزوةٍ إلَّا ورَّى عنها بغيرها إلَّا في غزوة تبوك ليستعدَّ النَّاس تمام العدَّة فتكاسل المتخلفون، فعاتبهم الله تعالى بقوله:
({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ} [التوبة:38]) أصله: ▬تثاقلتم↨، وقد قرأ الأعمش به؛ أي: تباطأتم وتقاعستم وتكاسلتم.
({إِلَى الأَرْضِ}) متعلق به، كأنَّه ضمَّن معنى الإخلاد والميل فعدِّي بإلى، والمعنى: ملتم إلى الدُّنيا وشهواتها، وكرهتُم مشاقَّ السَّفر ومتاعبه، ونحوه: {أَخْلَدَ إلى الأَرْضَ واتَّبعَ هَوَاه} [الأعراف:176]، وقيل: مِلْتم إلى الإقامة بأرضكم ودياركم في الدَّعة والخفض (1) وطيب الثِّمار والظِّلال.
وقرئ: ((أَثاقلتم)) على الاستفهام الذي معناه: الإنكار والتَّوبيخ. فإن قيل: فما العامل في {إِذَا} وحرف الاستفهام مانعة أن يعمل فيه؟
فالجواب: أنَّ العامل فيه ما دلَّ عليه؛ أي: اثاقلتم أو {مَا} في {مَا لَكُمْ} من معنى الفعل كأنَّه قيل: ما تصنعون إذا قيل لكم، كما تُعْمِله في الحال إذا قلت: مالك قائماً ({أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا}) وغرورها ({مِنَ الآخِرَةِ}) أي: بدل الآخرة ونعيمها، كقوله تعالى: {لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً} [الزخرف:60] ثمَّ زهَّد الله تعالى من الدُّنيا ورغَّب في الآخرة، فقال: ({فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [التوبة:38]) أي: فما التَّمتع بها وبشهواتها ولذَّاتها ({فِي الْآَخِرَةِ}) في جنب الآخرة ونعيمها ({إِلَّا قَلِيلٌ} [التوبة:38]) مستحقر؛ لانقطاع ذلك ودوام هذا.
ثمَّ توعَّد على ترك الخروج فقال: ({إِلَّا تَنْفِرُوا} [التوبة:39]) أي: إلَّا تخرجوا مع نبيكم إلى الجهاد الذي استنفرتم إليه ({يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً}) بالإهلاك بسبب فظيعٍ كقحط وظهور عدوٍّ / ({وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ}) أي: ويستبدل بكم آخرين مُطيعين كأهل اليمن وأبناء فارس لنصرة نبيِّه وإقامةِ دينه.
({وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئاً}) لا يقدح تَثَاقلكم وتوليتكم عن الجهاد في نصرِ دينه شيئاً، فإنَّه الغني عن كلِّ شيءٍ وفي كلِّ أمرٍ، وقيل: الضَّمير للرَّسول؛ أي: ولا تضرُّوه فإنَّ الله وَعَدَهُ بالعصمة والنُّصرة، وَوَعْدُه حقٌّ كائنٍ لا محالة.
وقال الزُّمخشري: هذا سخطٌ عظيمٌ على المتثاقلين حيث أوعدهم بعذابٍ أليمٍ مطلق، يتناول عذاب الدَّارين، وأنَّه يهلكهم ويستبدل بهم قوماً آخرين خيراً منهم وأطوع، وأنَّه غنيٌّ عنهم في نصرة دينه لا يقدح تثاقلُهم فيها شيئاً.
({والله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التوبة:39]) فيقدر على التَّبديل وتغيير الأسباب والنُّصرة بلا مددٍ، هكذا سيقت الآية بتمامها في بعض الأصول، وفي أكثرها وقع هكذا: <وقوله تعالى: {يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيْلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ} إلى: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التوبة:38-39]>.
خاتمة: قال الطَّبري: يجوز أن يكون قوله تعالى: {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً} خاصًّا، والمراد به: من استنفره رسول الله صلعم فامتنع. وأخرج عن الحسن البصري وعكرمة أنَّها منسوخة بقوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} [التوبة:122].
والذي يظهر أنَّها مخصوصةٌ، وليست بمنسوخةٍ، والله تعالى أعلم، وطريق عكرمة أخرجها أبو داود من وجهٍ آخر حسن عنه عن ابن عبَّاس ☻ .
(وَيُذْكَرُ) على البناء للمفعول (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ☻ ) في تفسير قوله تعالى: ({انْفِرُوا ثُبَاتٍ} [النساء:71]) قوله: (سَرَايَا مُتَفَرِّقِينَ) تفسيراً لقوله: ثبات، وهذا التَّعليق وصله الطَّبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه بهذا، ومعناه: اخرجوا ثبات؛ يعني: سريَّة بعد سرية، أو انفروا جميعاً؛ أي: مجتمعين فقوله: ثُبات، بضم المثلثة وتخفيف الموحدة، جمع: ثبة، بمعنى: الجماعة، وجاء جمعُها أيضاً ثُبون، وأصل ثبة: ثبى، على وزن / فُعَل: بضم الفاء وفتح العين.
وفي «التوضيح»: وعند أهل اللغة: الثَّبات: الجماعات في تفرقةٍ؛ أي: حلقة حلقة، كلُّ جماعةٍ ثبة، والثبة: مشتقةٌ من قولهم: ثبيت الرَّجل، إذا أثنيت عليه في حياته كأنَّك قد جمعت محاسنه.
وقال أبو عمرو: التَّثبية: الثَّناء على الرَّجل في حياته، ووقع في رواية أبي ذرٍّ والقابسي: <ثباتاً> بالألف وهو غلطٌ لا وجه له؛ لأنَّه جمع ثبة كما سترى، والسَّرايا جمع: سرية، وهي: العسكرُ، أعلاها أربعمائة. وزعم بعضهم: أنَّ هذه الآية ناسخةٌ لقوله تعالى: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} [التوبة:41]، والتَّحقيق أن لا نَسْخَ، بل المرجع في الآيتين إلى تعيين الإمام، وإلى الحاجة في ذلك، والله تعالى أعلم.
(وَيُقَالُ: أَحَدُ الثُّبَاتِ: ثُبَةٌ) وهو قول أبي عبيدة في «المجاز»، وزاد: ومعناها جماعاتٌ في تفرقة، ويؤيِّده قوله تعالى بعده: {أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً} [النساء:71].
وقال النَّحاس: ليس هذا ثبة الحوض وهو وسطه، سمِّي بذلك؛ لأنَّ الماء يثوب إليه؛ أي: يرجع إليه ويجتمع فيه؛ لأنَّها من ثاب يثوب، وتصغيرها ثويبة، أصلها ثوب، فلمَّا حذفت الواو عوض عنها التاء، وأمَّا ثُبَة الجماعة، فهي من ثبا يَثْبو، وتصغيرها ثُيَيبة، والله تعالى أعلم.
وقد جرى البخاريُّ ☼ في ذكر هذا التَّعليق على عادته في ذكر ما يناسب ما ذكره، فافهم.
[1] كذا في العمدة، وفي تفسير ابن كثير 4/210 (وفي الحفظ)، وفي تفسير المنار 11/29 (وفي الحَظِّ).