-
المقدمة
-
كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
-
كتاب الإيمان
-
كتاب العلم
-
كتاب الوضوء
-
كتاب الغسل
-
كتاب الحيض
-
كتاب التيمم
-
كتاب الصلاة
-
أبواب سترة المصلي
-
كتاب مواقيت الصلاة
-
كتاب الأذان
-
أبواب الجماعة والإمامة
-
كتاب الجمعة
-
أبواب صلاة الخوف
-
كتاب العيدين
-
كتاب الوتر
-
كتاب الاستسقاء
-
كتاب الكسوف
-
أبواب سجود القرآن
-
أبواب تقصير الصلاة
-
أبواب التهجد
-
كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة
-
أبواب العمل في الصلاة
-
أبواب السهو
-
كتاب الجنائز
-
كتاب الزكاة
-
أبواب صدقة الفطر
-
كتاب الحج
-
أبواب العمرة
-
أبواب المحصر
-
كتاب جزاء الصيد
-
أبواب فضائل المدينة
-
كتاب الصوم
-
كتاب صلاة التراويح
-
أبواب الاعتكاف
-
كتاب البيوع
-
كتاب السلم
-
كتاب الشفعة
-
كتاب الإجارة
-
كتاب الحوالة
-
كتاب الكفالة
-
كتاب الوكالة
-
كتاب المزارعة
-
كتاب المساقاة
-
كتاب الاستقراض
-
كتاب الخصومات
-
كتاب في اللقطة
-
كتاب المظالم
-
كتاب الشركة
-
كتاب الرهن
-
كتاب العتق
-
كتاب المكاتب
-
كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها
-
كتاب الشهادات
-
كتاب الصلح
-
كتاب الشروط
-
كتاب الوصايا
-
كتاب الجهاد والسير
-
باب فضل الجهاد والسير
-
باب: أفضل الناس مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله
-
باب الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء
-
باب درجات المجاهدين في سبيل الله
-
باب الغدوة والروحة في سبيل الله وقاب قوس أحدكم من الجنة
-
باب الحور العين وصفتهن
-
باب تمني الشهادة
-
باب فضل من يصرع في سبيل الله فمات فهو منهم
-
باب من ينكب في سبيل الله
-
باب من يجرح في سبيل الله عز وجل
-
باب قول الله تعالى: {هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين}
-
باب قول الله تعالى: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله}
-
باب: عمل صالح قبل القتال
-
باب من أتاه سهم غرب فقتله
-
باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا
-
باب من اغبرت قدماه في سبيل الله
-
باب مسح الغبار عن الناس في السبيل
-
باب الغسل بعد الحرب والغبار
-
باب فضل قول الله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله}
-
باب ظل الملائكة على الشهيد
-
باب تمني المجاهد أن يرجع إلى الدنيا
-
باب: الجنة تحت بارقة السيوف
-
باب من طلب الولد للجهاد
-
باب الشجاعة في الحرب والجبن
-
باب ما يتعوذ من الجبن
-
باب من حدث بمشاهده في الحرب
-
باب وجوب النفير وما يجب من الجهاد والنية
-
باب الكافر يقتل المسلم ثم يسلم فيسدد بعد ويقتل
-
باب من اختار الغزو على الصوم
-
باب: الشهادة سبع سوى القتل
-
باب قول الله تعالى {لا يستوي القاعدون من المؤمنين}
-
باب الصبر عند القتال
-
باب التحريض على القتال
-
باب حفر الخندق
-
باب من حبسه العذر عن الغزو
-
باب فضل الصوم في سبيل الله
-
باب فضل النفقة في سبيل الله
-
باب فضل من جهز غازيًا أو خلفه بخير
-
باب التحنط عند القتال
-
باب فضل الطليعة
-
باب: هل يبعث الطليعة وحده؟
-
باب سفر الاثنين
-
باب: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة
-
باب: الجهاد ماض مع البر والفاجر
-
باب من احتبس فرسًا لقوله تعالى {ومن رباط الخيل}
-
باب اسم الفرس والحمار
-
باب ما يذكر من شؤم الفرس
-
باب: الخيل لثلاثة
-
باب من ضرب دابة غيره في الغزو
-
باب الركوب على الدابة الصعبة والفحولة من الخيل
-
باب سهام الفرس
-
باب من قاد دابة غيره في الحرب
-
باب الركاب والغرز للدابة
-
باب ركوب الفرس العري
-
باب الفرس القطوف
-
باب السبق بين الخيل
-
باب إضمار الخيل للسبق
-
باب غاية السبق للخيل المضمرة
-
باب ناقة النبي صلى الله عليه وسلم
-
باب الغزو على الحمير
-
باب بغلة النبي صلى الله عليه وسلم البيضاء
-
باب جهاد النساء
-
باب غزو المرأة في البحر
-
باب حمل الرجل امرأته في الغزو دون بعض نسائه
-
باب غزو النساء وقتالهن مع الرجال
-
باب حمل النساء القرب إلى الناس في الغزو
-
باب مداواة النساء الجرحى في الغزو
-
باب رد النساء الجرحى والقتلى
-
باب نزع السهم من البدن
-
باب الحراسة في الغزو في سبيل الله
-
باب فضل الخدمة في الغزو
-
باب فضل من حمل متاع صاحبه في السفر
-
باب فضل رباط يوم في سبيل الله
-
باب من غزا بصبي للخدمة
-
باب ركوب البحر
-
باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب
-
باب: لا يقول فلان شهيد
-
باب التحريض على الرمي
-
باب اللهو بالحراب ونحوها
-
باب المجن ومن يتترس بترس صاحبه
-
باب الدرق
-
باب الحمائل وتعليق السيف بالعنق
-
باب حلية السيوف
-
باب من علق سيفه بالشجر في السفر عند القائلة
-
باب لبس البيضة
-
باب من لم ير كسر السلاح عند الموت
-
باب تفرق الناس عن الإمام عند القائلة والاستظلال بالشجر
-
باب ما قيل في الرماح
-
باب ما قيل في درع النبي والقميص في الحرب
-
باب الجبة في السفر والحرب
-
باب الحرير في الحرب
-
باب ما يذكر في السكين
-
باب ما قيل في قتال الروم
-
باب قتال اليهود
-
باب قتال الترك
-
باب قتال الذين ينتعلون الشعر
-
باب من صف أصحابه عند الهزيمة ونزل عن دابته واستنصر
-
باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة
-
باب: هل يرشد المسلم أهل الكتاب أو يعلمهم الكتاب؟
-
باب الدعاء للمشركين بالهدى ليتألفهم
-
باب دعوة اليهودي والنصراني وعلى ما يقاتلون عليه
-
باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم
-
باب من أراد غزوة فورَّى بغيرها ومن أحب الخروج يوم الخميس
-
باب الخروج بعد الظهر
-
باب الخروج آخر الشهر
-
باب الخروج في رمضان
-
باب التوديع
-
باب السمع والطاعة للإمام
-
باب: يقاتل من وراء الإمام ويتقى به
-
باب البيعة في الحرب أن لا يفروا
-
باب عزم الإمام على الناس فيما يطيقون
-
باب: كان النبي إذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال
-
باب استئذان الرجل الإمام لقوله: {إنما المؤمنون الذين آمنوا}
-
باب من غزا وهو حديث عهد بعرسه
-
باب من اختار الغزو بعد البناء
-
باب مبادرة الإمام عند الفزع
-
باب السرعة والركض في الفزع
-
باب الخروج في الفزع وحده
-
باب الجعائل والحملان في السبيل
-
باب ما قيل في لواء النبي صلى الله عليه وسلم
-
باب الأجير
-
باب قول النبي: نصرت بالرعب مسيرة شهر
-
باب حمل الزاد في الغزو
-
باب حمل الزاد على الرقاب
-
باب إرداف المرأة خلف أخيها
-
باب الارتداف في الغزو والحج
-
باب الردف على الحمار
-
باب من أخذ بالركاب ونحوه
-
باب السفر بالمصاحف إلى أرض العدو
-
باب التكبير عند الحرب
-
باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير
-
باب التسبيح إذا هبط واديًا
-
باب التكبير إذا علا شرفًا
-
باب: يكتب للمسافر مثل ما كان يعمل في الإقامة
-
باب السير وحده
-
باب السرعة في السير
-
باب: إذا حمل على فرس فرآها تباع
-
باب الجهاد بإذن الأبوين
-
باب ما قيل في الجرس ونحوه في أعناق الإبل
-
باب مَن اكتتب في جيش فخرجت امرأته حاجةً وكان له عذر هل يؤذن له؟
-
باب الجاسوس
-
باب الكسوة للأسارى
-
باب فضل من أسلم على يديه رجل
-
باب الأسارى في السلاسل
-
باب فضل من أسلم من أهل الكتابين
-
باب أهل الدار يبيتون فيصاب الولدان والذراري
-
باب قتل الصبيان في الحرب
-
باب قتل النساء في الحرب
-
باب: لا يعذب بعذاب الله
-
باب: {فإما منًا بعد وإما فداءً}
-
باب: هل للأسير أن يقتل ويخدع الذين أسروه حتى ينجو من الكفرة؟
-
باب: إذا حرق المشرك المسلم هل يحرق؟
-
باب
-
باب حرق الدور والنخيل
-
باب قتل النائم المشرك
-
باب: لا تمنوا لقاء العدو
-
باب: الحرب خدعة
-
باب الكذب في الحرب
-
باب الفتك بأهل الحرب
-
باب ما يجوز من الاحتيال والحذر مع من تخشى معرته
-
باب الرجز في الحرب ورفع الصوت في حفر الخندق
-
باب من لا يثبت على الخيل
-
باب دواء الجرح بإحراق الحصير
-
باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب وعقوبة من عصى إمامه
-
باب: إذا فزعوا بالليل
-
باب من رأى العدو فنادى بأعلى صوته يا صباحاه حتى يسمع الناس
-
باب من قال: خذها وأنا ابن فلان
-
باب: إذا نزل العدو على حكم رجل
-
باب قتل الأسير وقتل الصبر
-
باب: هل يستأسر الرجل؟ومن لم يستأسر ومن ركع ركعتين عند القتل
-
باب فكاك الأسير
-
باب فداء المشركين
-
باب الحربي إذا دخل دار الإسلام بغير أمان
-
باب: يقاتل عن أهل الذمة ولا يسترقون
-
باب جوائز الوفد
-
باب: هل يستشفع إلى أهل الذمة ومعاملتهم؟
-
باب التجمل للوفود
-
باب: كيف يعرض الإسلام على الصبي؟
-
باب قول النبي لليهود: أسلموا تسلموا
-
باب: إذا أسلم قوم في دار الحرب ولهم مال وأرضون فهى لهم
-
باب كتابة الإمام الناس
-
باب: إن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر
-
باب من تأمر في الحرب من غير إمرة إذا خاف العدو
-
باب العون بالمدد
-
باب من غلب العدو فأقام على عرصتهم ثلاثًا
-
باب من قسم الغنيمة في غزوه وسفره
-
باب: إذا غنم المشركون مال المسلم ثم وجده المسلم
-
باب من تكلم بالفارسية والرطانة
-
باب الغلول
-
باب القليل من الغلول
-
باب ما يكره من ذبح الإبل والغنم في المغانم
-
باب البشارة في الفتوح
-
باب ما يعطى البشير
-
باب: لا هجرة بعد الفتح
-
باب: إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمة
-
باب استقبال الغزاة
-
باب ما يقول إذا رجع من الغزو
-
باب الصلاة إذا قدم من سفر.
-
باب الطعام عند القدوم
-
باب فضل الجهاد والسير
-
كتاب فرض الخمس
-
كتاب الجزية والموادعة
-
كتاب بدء الخلق
-
كتاب أحاديث الأنبياء
-
كتاب المناقب
-
كتاب فضائل الصحابة
-
كتاب مناقب الأنصار
-
كتاب المغازي
-
كتاب التفسير
-
كتاب فضائل القرآن
-
كتاب النكاح
-
كتاب الطلاق
-
كتاب النفقات
-
كتاب الأطعمة
-
كتاب العقيقة
-
كتاب الذبائح والصيد
-
كتاب الأضاحي
-
كتاب الأشربة
-
كتاب المرضى
-
كتاب الطب
-
كتاب اللباس
-
كتاب الأدب
-
كتاب الاستئذان
-
كتاب الدعوات
-
كتاب الرقاق
-
كتاب القدر
-
كتاب الأيمان والنذور
-
باب كفارات الأيمان
-
كتاب الفرائض
-
كتاب الحدود
-
كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة
-
كتاب الديات
-
كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم
-
كتاب الإكراه
-
كتاب الحيل
-
كتاب التعبير
-
كتاب الفتن
-
كتاب الأحكام
-
كتاب التمني
-
كتاب أخبار الآحاد
-
كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة
-
كتاب التوحيد
░16▒ (باب مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) واغبرارُ القدمين عبارةٌ عن الاقتحام / في المعارك لقتال الكفَّار، ولا شكَّ أنَّ الغبار يثور في المعركة حال مصادمة الرجال ويعمُّ سائر الأعضاء، ولكنَّ تخصيص القدمين بالذَّكر لكونهما عمدةً في سائر الحركات.
(وَقَوْلِ اللَّهِ ╡) بالجرِّ عطفاً على قوله: من اغبرَّت، ويجوز الرفع على أنَّه عطف على باب ({مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ} إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [التوبة:120]) كذا في الأصول، والآية في آخر سورة التَّوبة قال الله تعالى: {مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ} وهم سكَّان البوادي: مُزَيْنة وجُهَيْنة وأشجع وأَسْلم وغفار {أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ الله} إذا غزا أو عن حكمه، وهذا نَهْيٌ عبَّر عنه بصيغة النَّفي للتأكيد.
وفي «تفسير ابن كثير»: عاتبَ الله تعالى المتخلِّفين عن رسول الله صلعم في غزوة تبوك من أهل المدينة ومن حولها من أحياء العرب ورغبتهم بأنفسهم عن مواساته فيما حصل من المشقَّة، وقد نقصُوا أنفسهم من الأجر على ما يأتي من قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ} [التوبة:120] الآية.
{وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ} الباء في قوله: {بِأَنْفُسِهِمْ} للتَّعدية؛ أي: ولا يجعلوا أنفسهم راغبةً؛ أي: معرضة عن نفس رسول الله صلعم ؛ أي: عمَّا ألقى فيه نفسه العزيزة عند الله من شدائد الغزو وأهوالها، وخلاصة ما ذكره القاضي حيث قال: لا يصونوا أنفسهم عما لم يَصُنْ نفسه عنه، ويكابدوا معه ما يكابده من الأهوال.
روي أنَّ أبا خيثمة بلغ بستانَه، وكانت له امرأةٌ حسناء فرشَّت له في الظلِّ، وبسطت له الحصير، وقرَّبت إليه الرطب والماء البارد، فنظر فقال: ظلٌ ظليلٌ، ورطب يانعٌ وماءٌ بارد، وامرأةٌ حسناء، ورسول الله صلعم في الضِّحِّ بالكسر؛ أي: في ضوء الشَّمس والحرِّ الشَّديد، والريح، ما هذا بخير، فقام فرحَّل ناقته وأخذ سيفه ورمحه ومرَّ كالريح فمدَّ رسول الله صلعم طَرْفه إلى الطريق فإذا براكبٍ يزهاه السَّراب (1) فقال: كن أبا خيثمة فكانه؛ أي: فكان الراكب أبا خيثمة، والأصل فكان إيَّاه؛ فوضع المتصل موضع المنفصل ففرح به رسول الله صلعم واستغفر له، ثمَّ في {وَلَا يَرْغَبُوا} يجوز النصب عطفاً على {أَنْ يَتَخَلَّفُوا} بزيادة لا / لتأكيد النَّفي بتقدير: ولا أن يرغبوا، والجزم على أن يكون لا للنَّهي، فافهم.
{ذَلِكَ} إشارةٌ إلى ما دلَّ عليه قوله: ما كان من النَّهي عن التخلُّف أو وجوب المتابعة {بِأَنَّهُمْ} أي: بسبب أنَّهم {لَا يُصِيْبُهُمْ ظَمَأٌ} وهو العطش {وَلَا نَصَبٌ} وهو التَّعب {وَلَا مَخْمَصَةٌ} وهي المجاعة {فِي سَبِيلِ الله}.
قال ابن بطَّال: والمراد في سبيل الله جميع طاعاته. انتهى. وهو كما قال إلَّا أنَّ المتبادر عند الإطلاق من لفظ: سبيل الله، الجهاد، وقد أورده المصنِّف في فضل المشي إلى الجمعة [خ¦907] استعمالاً لِلَّفظ في عمومه {وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئاً} أي: لا يدوسون مكاناً {يَغِيْظُ الكُفَّارَ} يغضبهم وطؤه.
وفي «تفسير ابن كثير»: أي: ولا ينزلون منزلاً يرهب عدوَّهم {وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً} كالقتل والأسر والنَّهب؛ يعني: ولا ينالون من عدوِّهم ظفراً وغلبةً عليهم {إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ}؛ أي: إلَّا استوجبوا به الثَّواب، وذلك ممَّا يوجب المشايعة والمتابعة، وهو في محل النصب على أنَّه حال من ظمأ، وما عطف عليه؛ أي: لا يصيبهم ظمأ ولا كذا إلَّا مكتوباً لهم بذلك عملٌ صالحٌ وثوابٌ جزيل، وفيه إشارةٌ إلى أنَّ كُلاًّ من الأمور المذكورة عملٌ صالحٌ في ذاته وإن لم تكن في نظرهم كذلك، والله تعالى أعلم.
{إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [التوبة:120] على إحسانهم، وهو تعليلٌ لكتب وتنبيه على أنَّ الجهاد إحسان.
أمَّا في حقِّ الكفَّار فلأنَّه سعى في تكميلهم بأقصى ما يمكن، كضرب المداوي للمجنون، وأمَّا في حقِّ المؤمنين؛ فلأنَّه صيانةٌ لهم عن سطوة الكفَّار واستيلائهم.
وقال ابن عبَّاس ☻ : كتب لهم بكلِّ روعةٍ تنالهم في سبيل الله سبعون ألف حسنة. وبعد هذه الآية: {وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً} [التوبة:121] ولو عِلاقة، بل ولو تمرة {وَلَا كَبِيرَةً} مثل ما أنفق عثمان ☺ في جيش العُسْرة {وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِياً} في مسيرهم، وهو كلُّ منفرجٍ ينفذ فيه السَّيل: اسم فاعل من ودي إذا سال فشاع بمعنى الأرض.
{إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ} أي: أثبت لهم ذلك المذكور، فإفراد ضمير {كُتِبَ} مع كونه عبارة عن الإنفاق وقطع الوادي المدلول عليهما بقوله: {وَلَا يُنْفِقُونَ} {وَلَا يَقْطَعُونَ} إجراء له مجرى اسم الإشارة {لِيَجْزِيَهُمِ اللهُ} بذلك {أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [التوبة:121] جزاء أحسن أعمالهم أو أحسن جزاء أعمالهم، فما في قوله تعالى: {وَمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} / مصدرية، ونفس العمل لا يكون جزاء، فلا بدَّ من تقدير الجزاء، ثمَّ الأحسن يجوز أن يكون من صفة عملهم، وأن يكون من صفة ما يكون جزاء له.
فعلى الأوَّل: لا بدَّ من تقدير المضاف؛ أي: يجزيهم جزاء أحسن أعمالهم، وذلك لأنَّ أعمال المجاهدين إمَّا واجبٌ أو مندوبٌ أو مباحٌ، فالله تعالى يجزيهم على الأحسن، وهو الواجب والمندوب دون المباح، وعلى الثَّاني: لا بدَّ من تقدير المضاف إليه؛ أي: يجزيهم أحسنَ جزاء أعمالهم.
ثم هذا الحكم، هل هو خاصٌّ بالنَّبي صلعم أو هو عامٌّ للأمَّة. قال قتادة: هذا خاصٌّ بالنَّبي صلعم إذا غزا بنفسه، فليس لأحدٍ أن يتخلَّف عنه إلَّا بعذرٍ، فأمَّا غيره من الأئمَّة والولاة فمن شاء أن يتخلَّف تخلَّف.
وقال الوليد بن مسلم: سمعتُ الأوزاعي وابن المبارك والفزاري وابن جابر وسعيد بن عبد العزيز يقولون في هذه الآية: إنَّها لأوَّل هذه الأمة وآخرها.
وقال ابن زيد: كان هذا أوائل الإسلام إذ أَهْلُ الإسلام قليلٌ، فلمَّا كثروا نسخ الله ╡ هذا الحكم وأباح التخلُّف لمن شاء فقال: {وَمَا كَانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنْفُرُوا كَافَّةً} [التوبة:122] أي: وما استقام لهم أن ينفروا جميعاً لنحو غزو وطلب علمٍ، كما لا يستقيم لهم أن يثبطوا جميعاً فإنَّه يخلُّ بأمر المعاش والنَّفِير، بفتح النون وكسر الفاء، الخروج إلى قتال الكفار، وأصل النفير: مفارقة مكانٍ إلى مكانٍ لأمر حرَّك ذلك.
{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} فهلَّا نفر من كلِّ جماعةٍ كثيرة كقبيلةٍ وأهل بلدةٍ جماعة قليلة {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} ليتكلَّفوا الفقاهة فيه، ويتجشَّموا مشاقَّ تحصيلها {وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} وليجعلوا غاية سعيهم ومعظم غرضهم من الفقاهة إرشادَ القوم وإنذارهم، وتخصيصُه بالذكر لأنَّه أهمُّ.
وفيه دليل على أنَّ التَّفقُّه والتَّذكير من فروض الكفاية، وأنَّه ينبغي أن يكون غرضُ المتعلِّم فيه أن يستقيمَ ويقيم لا الترفُّع على النَّاس والتبسُّط في البلاد.
{لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} إرادة أن يحذروا عمَّا ينذرون منه، واستدلَّ به على أنَّ أخبار الآحاد حجة؛ لأنَّ عموم كلِّ فرقةٍ يقتضي / أن ينفر من كلِّ ثلاثةٍ تفرَّدوا بقرية طائفةٌ إلى التفقُّه لتنذر فرقتها كي يتذكَّروا ويحذروا، فلو لم تعتبر الأخبار ما لم تتواتر لم يُفِد ذلك.
وتوضيحه: أنَّ كلَّ ثلاثة فرقة، وقد أوجب تعالى أن يخرج من كلِّ فرقةٍ، والخارج من الثلاثة يكون اثنين أو واحداً، فوجب أن تكون الطائفة إمَّا اثنين أو واحداً، ثمَّ إنَّه تعالى أوجب العمل بخبرهم لقوله: {لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ} فإنَّه عبارةٌ عن إخبارهم، وقوله: {لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:122] إيجابٌ على قومهم أن يعملوا بإخبارهم، وذلك يقتضِي أن يكون خبر الواحد والاثنين حجَّةٌ في الشَّرع، والله تعالى أعلم.
وقد قال صاحب «الكشاف»: للآية معنى آخر، وهو أنَّه لمَّا نزل، في المتخلِّفين ما نزل سبق المؤمنون إلى النَّفير، وانقطعوا عن التفقُّه، فأمروا أن ينفر من كلِّ فرقةٍ طائفةٌ إلى الجهاد، وتبقى أعقابهم يتفقَّهون حتَّى لا ينقطعَ التفقُّه الَّذي هو الجهاد الأكبر؛ لأنَّ الجهاد بالحجَّة هو الأصل، والمقصود من البعثة، فيكون الضمير في ليتفقَّهوا ولينذروا والبواقي الفرق بعد الطَّوائف النَّافرة للغزو وفي رجعوا للطَّوائف؛ أي: ولينذر البواقي قومهم النَّافرين إذا رجعوا إليهم بما حصَّلوا أيَّام غيبتهم من العلوم.
هذا وقال الإمام القاشاني: {فَلَولَا نَفَرَ} [التوبة:122] ؛ أي: يجب على كلِّ مستعدٍّ سلوك طريق طلبِ العلم؛ إذ لا يمكن لجميعهم، أمَّا ظاهراً فلفوات المصالح، وأمَّا باطناً فلعدم الاستعداد، والتفقُّه في الدين هو من علوم القلب لا من علوم الكسب، إذ ليس كلُّ من يكتسب العلم يتفقَّه، كما قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ} [الأنعام:25]. والأكنَّة هي الغشاوات الطبيعيَّة والحجب النفسانيَّة، فمن أراد التفقُّه فليصبر في سبيل الله وليسلك طريق التزكية والتَّصفية، حتَّى يظهر العلمُ من قلبه على لسانه، كما نزل على بعض أنبياء بني إسرائيل: لا تقولوا العلم في السَّماء من يعرج به، ولا في تخوم الأرض من يصل به، ولا من وراء البحر من يعبر ويأتي به، / العلم مجعولٌ في قلوبكم تأدَّبوا بين يدي بآداب الرُّوحانيين، وتخلَّقوا بأخلاق الصِّديقين، أُظهِر العلم من قلوبكم حتَّى يغمركم ويغطِّيكم.
فالمراد من التفقُّه علمٌ راسخٌ في القلب، ظاهر أثرُه على الجوارح، بحيث لا يمكن لصاحبه ارتكاب ما يخالف ذلك العلم، وإلَّا لم يكن عِلْماً، ألا ترى كيف سلب الله العلم عمَّن لم يكن رهبة الله عليه أغلب من رهبة النَّاس بقوله: {لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} [الحشر:13] لكون رهبة الله لازمةً للعلم، كما قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلْمَاءُ} [فاطر:28].
وإذا تفقَّهوا وظهر علمُهم على جوارحهم أثَّر في غيرهم فتأثروا منه لارتوائهم به وترشحه منه إليهم، كما كان حالُ رسول الله صلعم ، وكما قال علي ☺: يرشح عليك ما يطفح مني فَلَزِمَ الإنذار الذي هو غايته.
ومن لوازم التفقُّه الجهاد الأكبر ثمَّ الأصغر، فلذلك قال بعده: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّار} [التوبة:123] قوى نفوسكم التي هي أعدى عدوِّكم. انتهى.
جعلنا الله تعالى من المتفقِّهين الذين ظهر علمهم على جوارحهم، رجعنا إلى ما نحن فيه، وقال النَّحَّاس: ذهب غيره؛ أي: غير ابن زيد: أنَّه ليس هنا ناسخٌ ولا منسوخٌ، وأنَّ الآية الأولى تُوْجِبُ إذا نفر النَّبي صلعم واستنفروا لم يسع أحداً التخلُّفُ، وإذا بعث النَّبي صلعم سرية خَلَفَتْ طائفة.
وقال ابن بطَّال: مناسبة الآية للترجمة أنَّه سبحانه وتعالى قال في الآية: {وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئاً يُغِيْظُ الكُفَّار}، وفي الآية: {إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} [التوبة:120] قال: ففسَّر صلعم العمل الصالح بأن النَّار لا تمسُّ من عمل بذلك، والمراد بسبيل الله: جميع طاعاته.
وقال ابن المنيِّر: مطابقة الآية من جهة أنَّ الله تعالى أثابهم بخطواتهم وإن لم يباشروا قتالاً، وكذلك دلَّ الحديث على أنَّ من اغبرَّت قدماهُ في سبيل الله حرَّمه الله على النَّار سواءٌ باشر قتالاً أم لا. انتهى. ومن تمام المناسبة أن الوطء يتضمَّن المشيَ لتغبير القدم، والله تعالى أعلم.
[1] في هامش الأصل: قوله: يزهاه السراب؛ أي: يرفعه، قال الجوهري: زها السراب الشيء يزهاه، إذا رفعه، وقال التفتازاني: هو كنايةٌ عن السُّرعة. منه.