نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: الجنة تحت بارقة السيوف

          ░22▒ (باب) بالتنوين (الْجَنَّةُ تَحْتَ بَارِقَةِ السُّيُوفِ) هذا من إضافة الصِّفة إلى الموصوف يقال: برق السَّيف بروقاً، إذا تلألأ، وقد تُطْلَقُ البارقةُ ويُرادُ بها نفس السَّيف؛ فتكون الإضافة بيانية.
          وفي الحديث بلفظ: ((تحت ظلال السُّيوف)) فكأنَّه أشار بالتَّرجمة إلى حديث عمَّار بن ياسر أنَّه قال يوم صفين: ((الجنَّة تحت الأبارقة)). قال الحافظ العسقلاني: كذا وقع فيه، والصَّواب: البارقة وهي: السُّيوف اللَّامعة، وكذا وقع على الصَّواب في ترجمة عمار من «طبقات ابن سعد».
          وقال الخطَّابي: الأبارقة جمع: إبريق، وسمي السَّيف إبريقاً، وهو إفعيل، من البريق، يقال: أبرق الرَّجل بسيفه، إذا لمع به، والبارقة اللَّمعان، وكذلك فسَّر ابن الأثير كلام عمَّار: الجنَّة تحت الأبارقة؛ أي: تحت السُّيوف، فلا وجه حينئذٍ لدعوى الصَّواب.
          قال ابن المنيِّر: كأنَّ البخاري أراد أنَّ السُّيوف لما كانت لها بارقة كان لها أيضاً ظل تحتها، وقال القرطبيُّ: وهو من الكلام النَّفيس الجامع الموجز، المشتمل على ضروبٍ من البلاغةِ مع الوجازة وعذوبةِ اللفظ، فإنَّه أفاد الحضَّ على الجهاد والإخبار بالثَّواب عليه والحض على مقارنة العدو واستعمال السُّيوف والاجتماع حين الزَّحف حتَّى تصير السُّيوف تظل المقاتلين.
          وقال ابنُ الجوزي: المراد منه أنَّ الجنَّة تحصل بالجهاد.
          والظِّلال جمع: ظل، وإذا تدانى الخصمان صار كلٌّ منهما تحت ظلِّ سيف صاحبه؛ لحرصه على رفعه عليه، ولا يكون ذلك إلَّا عند التحام القتال.
          (وَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: أَخْبَرَنَا نَبِيُّنَا صلعم عَنْ رِسَالَةِ رَبِّنَا) قوله: عن رسالة ربِّنا، ثَبَتَ في رواية الكُشْمِيهني وحدَه، وسقط في رواية الباقين (مَنْ قُتِلَ مِنَّا صَارَ إِلَى الْجَنَّةِ) وهو طرفٌ / من حديث طويلٍ، وصلَه البخاري بتمامه في الجزية [خ¦3159]، وفيه قوله: ((عن رسالة ربِّنا))، ويحتمل أن يكون حذف هنا اختصاراً، ووجه دخوله في الباب من حيث إنَّ كون المقتول منهم في الجنَّة داخل تحت قوله: ((الجنَّة تحت بارقة السُّيوف)).
          (وَقَالَ عُمَرُ) أي: ابن الخطَّاب ☺ (لِلنَّبِيِّ صلعم : أَلَيْسَ قَتْلاَنَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلاَهُمْ فِي النَّارِ؟ قَالَ) صلعم : (بَلَى) هو طرفٌ من حديث سهل بن حنيف في قصَّة عمرة الحديبية، وسيأتي بتمامه موصولاً في المغازي [خ¦4189]، وقد تقدَّمت الإشارة إليه في الشُّروط [خ¦2731]، ووجه دخوله في الباب مثل وجه دخول الأول فيه.