-
المقدمة
-
كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
-
كتاب الإيمان
-
كتاب العلم
-
كتاب الوضوء
-
كتاب الغسل
-
كتاب الحيض
-
كتاب التيمم
-
كتاب الصلاة
-
أبواب سترة المصلي
-
كتاب مواقيت الصلاة
-
كتاب الأذان
-
أبواب الجماعة والإمامة
-
كتاب الجمعة
-
أبواب صلاة الخوف
-
كتاب العيدين
-
كتاب الوتر
-
كتاب الاستسقاء
-
كتاب الكسوف
-
أبواب سجود القرآن
-
أبواب تقصير الصلاة
-
أبواب التهجد
-
كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة
-
أبواب العمل في الصلاة
-
أبواب السهو
-
كتاب الجنائز
-
كتاب الزكاة
-
أبواب صدقة الفطر
-
كتاب الحج
-
أبواب العمرة
-
أبواب المحصر
-
كتاب جزاء الصيد
-
أبواب فضائل المدينة
-
كتاب الصوم
-
كتاب صلاة التراويح
-
أبواب الاعتكاف
-
كتاب البيوع
-
كتاب السلم
-
كتاب الشفعة
-
كتاب الإجارة
-
كتاب الحوالة
-
كتاب الكفالة
-
كتاب الوكالة
-
كتاب المزارعة
-
كتاب المساقاة
-
كتاب الاستقراض
-
كتاب الخصومات
-
كتاب في اللقطة
-
كتاب المظالم
-
كتاب الشركة
-
كتاب الرهن
-
كتاب العتق
-
كتاب المكاتب
-
كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها
-
كتاب الشهادات
-
كتاب الصلح
-
كتاب الشروط
-
كتاب الوصايا
-
كتاب الجهاد والسير
-
باب فضل الجهاد والسير
-
باب: أفضل الناس مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله
-
باب الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء
-
باب درجات المجاهدين في سبيل الله
-
باب الغدوة والروحة في سبيل الله وقاب قوس أحدكم من الجنة
-
باب الحور العين وصفتهن
-
باب تمني الشهادة
-
باب فضل من يصرع في سبيل الله فمات فهو منهم
-
باب من ينكب في سبيل الله
-
باب من يجرح في سبيل الله عز وجل
-
باب قول الله تعالى: {هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين}
-
باب قول الله تعالى: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله}
-
باب: عمل صالح قبل القتال
-
باب من أتاه سهم غرب فقتله
-
باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا
-
باب من اغبرت قدماه في سبيل الله
-
باب مسح الغبار عن الناس في السبيل
-
باب الغسل بعد الحرب والغبار
-
باب فضل قول الله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله}
-
باب ظل الملائكة على الشهيد
-
باب تمني المجاهد أن يرجع إلى الدنيا
-
باب: الجنة تحت بارقة السيوف
-
باب من طلب الولد للجهاد
-
باب الشجاعة في الحرب والجبن
-
باب ما يتعوذ من الجبن
-
باب من حدث بمشاهده في الحرب
-
باب وجوب النفير وما يجب من الجهاد والنية
-
باب الكافر يقتل المسلم ثم يسلم فيسدد بعد ويقتل
-
باب من اختار الغزو على الصوم
-
باب: الشهادة سبع سوى القتل
-
باب قول الله تعالى {لا يستوي القاعدون من المؤمنين}
-
باب الصبر عند القتال
-
باب التحريض على القتال
-
باب حفر الخندق
-
باب من حبسه العذر عن الغزو
-
باب فضل الصوم في سبيل الله
-
باب فضل النفقة في سبيل الله
-
باب فضل من جهز غازيًا أو خلفه بخير
-
باب التحنط عند القتال
-
باب فضل الطليعة
-
باب: هل يبعث الطليعة وحده؟
-
باب سفر الاثنين
-
باب: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة
-
باب: الجهاد ماض مع البر والفاجر
-
باب من احتبس فرسًا لقوله تعالى {ومن رباط الخيل}
-
باب اسم الفرس والحمار
-
باب ما يذكر من شؤم الفرس
-
باب: الخيل لثلاثة
-
باب من ضرب دابة غيره في الغزو
-
باب الركوب على الدابة الصعبة والفحولة من الخيل
-
باب سهام الفرس
-
باب من قاد دابة غيره في الحرب
-
باب الركاب والغرز للدابة
-
باب ركوب الفرس العري
-
باب الفرس القطوف
-
باب السبق بين الخيل
-
باب إضمار الخيل للسبق
-
باب غاية السبق للخيل المضمرة
-
باب ناقة النبي صلى الله عليه وسلم
-
باب الغزو على الحمير
-
باب بغلة النبي صلى الله عليه وسلم البيضاء
-
باب جهاد النساء
-
باب غزو المرأة في البحر
-
باب حمل الرجل امرأته في الغزو دون بعض نسائه
-
باب غزو النساء وقتالهن مع الرجال
-
باب حمل النساء القرب إلى الناس في الغزو
-
باب مداواة النساء الجرحى في الغزو
-
باب رد النساء الجرحى والقتلى
-
باب نزع السهم من البدن
-
باب الحراسة في الغزو في سبيل الله
-
باب فضل الخدمة في الغزو
-
باب فضل من حمل متاع صاحبه في السفر
-
باب فضل رباط يوم في سبيل الله
-
باب من غزا بصبي للخدمة
-
باب ركوب البحر
-
باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب
-
باب: لا يقول فلان شهيد
-
باب التحريض على الرمي
-
باب اللهو بالحراب ونحوها
-
باب المجن ومن يتترس بترس صاحبه
-
باب الدرق
-
باب الحمائل وتعليق السيف بالعنق
-
باب حلية السيوف
-
باب من علق سيفه بالشجر في السفر عند القائلة
-
باب لبس البيضة
-
باب من لم ير كسر السلاح عند الموت
-
باب تفرق الناس عن الإمام عند القائلة والاستظلال بالشجر
-
باب ما قيل في الرماح
-
باب ما قيل في درع النبي والقميص في الحرب
-
باب الجبة في السفر والحرب
-
باب الحرير في الحرب
-
باب ما يذكر في السكين
-
باب ما قيل في قتال الروم
-
باب قتال اليهود
-
باب قتال الترك
-
باب قتال الذين ينتعلون الشعر
-
باب من صف أصحابه عند الهزيمة ونزل عن دابته واستنصر
-
باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة
-
باب: هل يرشد المسلم أهل الكتاب أو يعلمهم الكتاب؟
-
باب الدعاء للمشركين بالهدى ليتألفهم
-
باب دعوة اليهودي والنصراني وعلى ما يقاتلون عليه
-
باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم
-
باب من أراد غزوة فورَّى بغيرها ومن أحب الخروج يوم الخميس
-
باب الخروج بعد الظهر
-
باب الخروج آخر الشهر
-
باب الخروج في رمضان
-
باب التوديع
-
باب السمع والطاعة للإمام
-
باب: يقاتل من وراء الإمام ويتقى به
-
باب البيعة في الحرب أن لا يفروا
-
باب عزم الإمام على الناس فيما يطيقون
-
باب: كان النبي إذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال
-
باب استئذان الرجل الإمام لقوله: {إنما المؤمنون الذين آمنوا}
-
باب من غزا وهو حديث عهد بعرسه
-
باب من اختار الغزو بعد البناء
-
باب مبادرة الإمام عند الفزع
-
باب السرعة والركض في الفزع
-
باب الخروج في الفزع وحده
-
باب الجعائل والحملان في السبيل
-
باب ما قيل في لواء النبي صلى الله عليه وسلم
-
باب الأجير
-
باب قول النبي: نصرت بالرعب مسيرة شهر
-
باب حمل الزاد في الغزو
-
باب حمل الزاد على الرقاب
-
باب إرداف المرأة خلف أخيها
-
باب الارتداف في الغزو والحج
-
باب الردف على الحمار
-
باب من أخذ بالركاب ونحوه
-
باب السفر بالمصاحف إلى أرض العدو
-
باب التكبير عند الحرب
-
باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير
-
باب التسبيح إذا هبط واديًا
-
باب التكبير إذا علا شرفًا
-
باب: يكتب للمسافر مثل ما كان يعمل في الإقامة
-
باب السير وحده
-
باب السرعة في السير
-
باب: إذا حمل على فرس فرآها تباع
-
باب الجهاد بإذن الأبوين
-
باب ما قيل في الجرس ونحوه في أعناق الإبل
-
باب مَن اكتتب في جيش فخرجت امرأته حاجةً وكان له عذر هل يؤذن له؟
-
باب الجاسوس
-
باب الكسوة للأسارى
-
باب فضل من أسلم على يديه رجل
-
باب الأسارى في السلاسل
-
باب فضل من أسلم من أهل الكتابين
-
باب أهل الدار يبيتون فيصاب الولدان والذراري
-
باب قتل الصبيان في الحرب
-
باب قتل النساء في الحرب
-
باب: لا يعذب بعذاب الله
-
باب: {فإما منًا بعد وإما فداءً}
-
باب: هل للأسير أن يقتل ويخدع الذين أسروه حتى ينجو من الكفرة؟
-
باب: إذا حرق المشرك المسلم هل يحرق؟
-
باب
-
باب حرق الدور والنخيل
-
باب قتل النائم المشرك
-
باب: لا تمنوا لقاء العدو
-
باب: الحرب خدعة
-
باب الكذب في الحرب
-
باب الفتك بأهل الحرب
-
باب ما يجوز من الاحتيال والحذر مع من تخشى معرته
-
باب الرجز في الحرب ورفع الصوت في حفر الخندق
-
باب من لا يثبت على الخيل
-
باب دواء الجرح بإحراق الحصير
-
باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب وعقوبة من عصى إمامه
-
باب: إذا فزعوا بالليل
-
باب من رأى العدو فنادى بأعلى صوته يا صباحاه حتى يسمع الناس
-
باب من قال: خذها وأنا ابن فلان
-
باب: إذا نزل العدو على حكم رجل
-
باب قتل الأسير وقتل الصبر
-
باب: هل يستأسر الرجل؟ومن لم يستأسر ومن ركع ركعتين عند القتل
-
باب فكاك الأسير
-
باب فداء المشركين
-
باب الحربي إذا دخل دار الإسلام بغير أمان
-
باب: يقاتل عن أهل الذمة ولا يسترقون
-
باب جوائز الوفد
-
باب: هل يستشفع إلى أهل الذمة ومعاملتهم؟
-
باب التجمل للوفود
-
باب: كيف يعرض الإسلام على الصبي؟
-
باب قول النبي لليهود: أسلموا تسلموا
-
باب: إذا أسلم قوم في دار الحرب ولهم مال وأرضون فهى لهم
-
باب كتابة الإمام الناس
-
باب: إن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر
-
باب من تأمر في الحرب من غير إمرة إذا خاف العدو
-
باب العون بالمدد
-
باب من غلب العدو فأقام على عرصتهم ثلاثًا
-
باب من قسم الغنيمة في غزوه وسفره
-
باب: إذا غنم المشركون مال المسلم ثم وجده المسلم
-
باب من تكلم بالفارسية والرطانة
-
باب الغلول
-
باب القليل من الغلول
-
باب ما يكره من ذبح الإبل والغنم في المغانم
-
باب البشارة في الفتوح
-
باب ما يعطى البشير
-
باب: لا هجرة بعد الفتح
-
باب: إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمة
-
باب استقبال الغزاة
-
باب ما يقول إذا رجع من الغزو
-
باب الصلاة إذا قدم من سفر.
-
باب الطعام عند القدوم
-
باب فضل الجهاد والسير
-
كتاب فرض الخمس
-
كتاب الجزية والموادعة
-
كتاب بدء الخلق
-
كتاب أحاديث الأنبياء
-
كتاب المناقب
-
كتاب فضائل الصحابة
-
كتاب مناقب الأنصار
-
كتاب المغازي
-
كتاب التفسير
-
كتاب فضائل القرآن
-
كتاب النكاح
-
كتاب الطلاق
-
كتاب النفقات
-
كتاب الأطعمة
-
كتاب العقيقة
-
كتاب الذبائح والصيد
-
كتاب الأضاحي
-
كتاب الأشربة
-
كتاب المرضى
-
كتاب الطب
-
كتاب اللباس
-
كتاب الأدب
-
كتاب الاستئذان
-
كتاب الدعوات
-
كتاب الرقاق
-
كتاب القدر
-
كتاب الأيمان والنذور
-
باب كفارات الأيمان
-
كتاب الفرائض
-
كتاب الحدود
-
كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة
-
كتاب الديات
-
كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم
-
كتاب الإكراه
-
كتاب الحيل
-
كتاب التعبير
-
كتاب الفتن
-
كتاب الأحكام
-
كتاب التمني
-
كتاب أخبار الآحاد
-
كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة
-
كتاب التوحيد
░150▒ (باب: {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً}) أي: باب التَّخيير بين المنِّ والفداء في الأسرى؛ لقوله تعالى: {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد:4] وأوَّل هذا النَّظم قوله تعالى في سورة القتال: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} في المحاربة {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} أصله: فاضربوا الرِّقاب ضرباً، فحذف الفعل وقدم المصدر، فأنيب منابه مضافاً إلى المفعول؛ للاختصار مع إعطاء معنى التَّأكيد (1)، والتَّعبير به عن القتل إشعار بأنَّه ينبغي أن يكون بضرب الرَّقبة حيث أمكنَ دون غيرها من الأعضاء.
وفيه: تصوير للقتل بأشنع صورة، إذ في هذه العبارة من الغلظة والشدَّة ما ليس في لفظ: ((فاقتلوهم))، فإنَّ جزَّ الرَّقبة وإطارة العضو الذي هو رأس البدن وعلوه وأوجه أعضائه أشنعُ وأقبح. ثمَّ في هذا التَّعبير تشجيع المؤمنين أيضاً، وأنَّهم متمكِّنون من الكفَّار إذا أُمِرُوا بضَرْب رقابهم.
{حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ} أكثرتم قتلهُم وأغلظتُموه من الشَّيء الثَّخين، وهو الغليظُ، ففيه حذف المضاف. وقيل: أثقلتموهم بالقتل والجراح حتَّى أذهبتُم عنهم النُّهوض. وقيل: قهرتموهم وغلبتُموهم {فَشُدُّوا الْوَثَاقَ} أي: فأسروهم واحفظوهم، والوَثاق، بفتح الواو وبالكسر: ما يوثق به.
{فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} نصب بتقدير فإمَّا تمنون منًّا، وإمَّا تفدون فداء، والمعنى: التَّخيير بعد الأسر بين أن يمنوا عليهم ويُطْلِقوهم، وبين أن يفادوهم؛ أي: يأخذوا فداءهم ويطلقوهم، وهذا الحكم ثابت عند الشَّافعي / ومالك وأحمد وأبي ثور، فإنَّ الذكر الحر المكلَّف إذا أسر يُخَيَّرُ الإمامُ بين القتل والمنِّ، والفداء والاسترقاق.
فأمَّا عند أبي حنيفة ☼ فهو منسوخ بقوله تعالى: {اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة:5]، أو مخصوص بحرب بدر، فإنَّه قال: يتعيَّن القتل، أو الاسترقاق، وسيأتي في ذلك تفصيل إن شاء الله تعالى.
{حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد:4] آلاتها وأثقالها التي لا تقوم إلَّا بها كالسِّلاح والكراع؛ أي: تنقضي الحرب ولم يبق إلَّا مسلم أو مسالم. وقيل: آثامها، والمعنى: حتَّى يضع أهل الحرب شركهم ومعاصيهم، وهو غاية للضَّرب، أو للشدِّ، أو للمنِّ والفداء، أو للمجموع بمعنى أنَّ هذه الأحكام جارية عليهم حتَّى لا يكون حرب مع المشركين بزوال شوكتهم. وقيل: بنزول عيسى ╕ {ذَلِكَ} [محمد:4] أي: الأمر كذلك، أو افعلوا بهم ذلك.
(فِيهِ) أي: في هذا الباب (حَدِيثُ ثُمَامَةَ) بضم المثلثة، هو: ابن أُثال، بضم الهمزة وبالمثلثة المخففة، وقد مرَّ حديثه في كتاب الصَّلاة، في باب دخول المشرك المسجد [خ¦469]. وفي مواضع أخر أيضاً [خ¦462] [خ¦2422] [خ¦2423]، وسيأتي أيضاً مطوَّلاً في أواخر كتاب المغازي، في باب: وفد بني حنيفة [خ¦4372].
وحاصله: أنَّه صلعم بعث خيلاً قبل نجدٍ فجاءت برجلٍ من بني حنيفة يقال له: ثمامة بن أُثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فقال لرسول الله صلعم : ((إن تَقْتل تَقْتل ذا دم، وإن تُنْعِم تُنْعِم على شاكرٍ، وإن كنتَ تريدُ المال فسلْ منه ما شئت)).
فالنَّبي صلعم أقرَّه على ذلك، ولم ينكر عليه التَّقسيم، ثمَّ منَّ عليه وأطلقه فأسلم، ففي ذلك تقوية لقول الجمهور: إنَّ الأمر في أسرى الكفرة من الرِّجال إلى الإمام يفعلُ ما هو الأحظ للإسلام والمسلمين، فليُتأمَّل.
(وَقَوْلُهُ ╡) ويروى: <وقوله تعالى> بالجرِّ عطفاً على مدخول الباب ({مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} يَعنِي: يَغْلِبَ فِي الْأَرْضِ {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} [الأنفال:67] الآيَةَ) أي: اقرأ الآية، والآية في أواخر سورة / الأنفال.
قال الحافظ أبو بكر ابن مردويه، والحاكم في «مستدركه» من حديث عبيد الله بن موسى: حدَّثنا إسرائيل، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن ابن عمر ☻ أنَّه قال: لمَّا أُسِرَ الأُسارى يوم بدر، أُسِرَ العبَّاسُ فيمن أُسِرَ؛ أَسَرَه رجلٌ من الأنصار قال: وقد أوعدته الأنصار أن يقتلوه، فبلع ذلك النَّبي صلعم فقال رسول الله صلعم : ((إنِّي لم أنم اللَّيلة من أجل عمِّي العبَّاس، وقد زعمت الأنصار أنَّهم قاتلوه)) فقال عمر ☺: فأتهم، قال: ((نعم))، فأتى عمرُ الأنصار فقال لهم: أرسلوا العبَّاس فقالوا: لا والله لا نُرْسِلُه، فقال عمر ☺: فإن كان لرسول الله صلعم رضا فخذوه، فأخذه عمر ☺، فلمَّا صار في يده قال له: يا عبَّاس أسلم فوالله لأن تسلم أحبُّ إليَّ من أن يسلم الخطاب، وما ذاك إلَّا لما رأيت رسول الله صلعم يعجبه إسلامك.
قال: فاستشار رسول الله صلعم أبا بكر ☺، فقال أبو بكر ☺: عشيرتك فأرسلهم، فاستشار عمر ☺ فقال: اقتلهم، ففاداهم رسول الله صلعم ، فأنزل الله ╡: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} [الأنفال:67] الآية. وقال الحاكم: صحيحُ الإسناد ولم يخرِّجاه. وسيأتي تمام قصَّة العبَّاس ☺.
وروي: أنَّه صلعم أُتِيَ يومَ بدر بسبعين أسيراً فيهم العبَّاس وعقيل بن أبي طالب فاستشار فيهم، فقال أبو بكر ☺: قومك وأهلك استبقهم لعلَّ الله يتوب عليهم، وخذ منهم فدية تقوِّي بها أصحابك، وقال عمر ☺: اضرب أعناقهم، فإنَّهم أئمَّة الكفر، وإنَّ الله أغناك عن الفداء؛ مكنِّي من فلان لنسيب له، ومكِّن عليًّا وحمزة من أخويهما، فلنضرب أعناقهم فلم يَهْو ذلك رسول الله صلعم وقال: ((إنَّ الله تعالى ليلين قلوب رجال حتَّى تكون ألين من اللِّين، / وإنَّ الله تعالى يشدد قلوب رجال حتَّى تكون أشد من الحجارة، وإن مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم ◙ قال: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم:36] ومثلك يا عمر مثل نوح قال: {لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً} [نوح:26])).
فخيَّر أصحابه فأخذوا الفداء فنزلت: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ} وقرئ: (▬للنَّبي↨) على العهد {أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} وقرأ البصريان: بالتاء {حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} يكثر القتل، ويبالغ فيه حتَّى يذلَّ الكفر، ويقلَّ حزبه، ويعزَّ الإسلام، ويستولي أهله، من أثخنه المرض، إذا أثقله، وأصله: الثَّخانة، وقرئ: (▬يُثَخَّن↨) بالتشديد للمبالغة {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} حطامها بأخذكم الفداء {وَاللهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ} يريد لكم ثواب الآخرة، أو سبب نيل الآخرة من إعزاز دينه، وقمع أعدائه. وقرئ: بجر ▬الآخرةِ↨ على إضمار المضاف كقوله:
أَكُلَّ امرِئٍ تَحْسبِينَ امْرأً وَنارٍ تَوقَّدُ باللَّيلِ نَارا
{وَاللهُ عَزِيْزٌ} يغلب أولياءه على أعدائه {حَكِيمٌ} [الأنفال:67] يعلم ما يليق بكلِّ حال، ويخصُّه بها، كما أمر بالإثخان ومنع عن الافتداء حين كانت الشَّوكة للمشركين، وخيَّر بينه وبين المنِّ لمَّا تحولت الحال، وصارت الغلبة للمؤمنين، كما هو رأي الأكثر.
وقد روي: أنَّه دخل عمر ☺ على رسول الله صلعم فإذا هو وأبو بكر يبكيان فقال: يا رسول الله، أخبرني فإن أجد بكاء بكيت، وإلَّا تباكيت، فقال: ((ابكي على أصحابك في أخذهم الفداء، ولقد عرض عليَّ عذابهم أدنى من هذه الشَّجرة)) لشجرة قريبة، والآية دليل على أنَّ الأنبياء يجتهدون، وأنَّه قد يكون خطأ، ولكن لا يقرُّون عليه.
قال صاحب «الكشَّاف»: وكان هذا خطأ في الاجتهاد؛ لأنَّهم نظروا في أنَّ استبقاءهم ربَّما كان سبباً في إسلامهم وتوبتهم، وأنَّ فداءهم يُتَقوَّى به على الجهاد في سبيل الله، وخفي عليهم أنَّ قتلهم أعزُّ للإسلام، وأهيب لمن ورائهم، وأقلَّ لشوكتهم. انتهى. /
{لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ} [الأنفال:68] لولا حكم من الله سبق إثباته في اللَّوح، وهو أن لا يعاقب المخطئ في اجتهاده، أو أن لا يعذِّب أهل بدر، أو قوماً بما لم يصرِّح لهم بالنَّهي عنه، وأنَّ الفدية التي أخذوها ستحلُّ لهم.
{لَمَسَّكُمْ} لنالكم {فِيمَا أَخَذْتُمْ} من الفداء {عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال:68] روي أنَّه صلعم قال: ((لو نزل العذاب لما نجا منه غير عمر وسعد بن معاذ)) وذلك لأنَّه أيضاً أشار بالإثخان {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ} [الأنفال:69] من الفدية فإنَّها من جملة الغنائم. وقيل: أمسكوا عن الغنائم فنزلت، والفاء للتسبُّب، والسَّبب محذوف تقديره: أبحتُ لكم الغنائم فكلوا، وبنحوه تشبثَّ من قال: إنَّ الأمر الوارد بعد الحظر للإباحة.
{حَلَالاً} حال من المغنوم، أو صفة للمصدر؛ أي: أكلاً حلالاً، وفائدته إزاحة ما وقع في نفوسهم منه بسبب تلك المعاتبة، أو حرمتها على الأوَّلين، ولذلك وصفه بقوله: {طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ} في مخالفته {إِنَّ اللهَ غَفُورٌ} غفر لكم ذنبكم {رَحِيمٌ} [الأنفال:69] أباح لكم ما أخذتم.
{يَا أَيُّها النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأَسْرَى} [الأنفال:70] وقرأ أبو عمرو: ({مِنَ الأَسْرَى}) {إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرَاً} إيماناً أو إخلاصاً؛ أي: إن كان في قلوبكم خير، وليس المراد الشَّك في علم الله تعالى حاشا فحاشا {يُؤْتِكُمْ خَيْرَاً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ} من الفِداء.
روي: أنَّها نزلت في العبَّاس ☺ كلَّفه رسول الله صلعم أن يفدي وابني أخويه عقيل (2) بن أبي طالب ونوفل بن الحارث فقال: يا محمَّد تركتني أتكفَّف قريشاً ما بقيت، فقال صلعم : ((فأين الذَّهب الذي دفعته إلى أمِّ الفضل وقت خروجك، وقلت لها: إنِّي لا أدري ما يصيبني في وجهي، فإن حدث بي حادث فهو لك ولعبد الله وعبيد الله والفضل وقثم)) فقال: وما يدريك؟ قال: ((أخبرني به ربِّي)). قال: أشهد أنَّك صادق وأن لا إله إلَّا الله، وإنَّك لرسوله / لم يطلَّع عليه أحد إلَّا الله، ولقد دفعته إليها في سواد اللَّيل، قال العبَّاس ☺: فأبدلني الله خيراً من ذلك: لي الآن عشرون عبداً إنَّ أدناهم ليضرب في عشرين ألفاً، وأعطاني زمزم ما أحبُّ أنَّ لي بها جميع أموال أهل مكَّة، وأنا أنتظر المغفرة من ربِّكم الموعودة بقوله: {وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنفال:70] [خ¦70].
قال أصحاب السِّير: فادى نفسه وعقيلاً ابن أخيه ونوفلاً ابن أخيه أيضاً، وأسلم سرًّا، وكتم إيمانه إلى قبيل فتح مكَّة، فخرج إلى المصطفى صلعم فلقيه بالأبواء، وبه ختمت الهجرة، وكان عيناً للنَّبي صلعم بمكَّة يكاتبه بالأخبار، وكان المسلمون يتقوُّون به، وأراد القدوم على النَّبي صلعم فكتب إليه: بقاؤك بمكَّة خير، ولما قال الأنصار: نترك لك الفداء إلى المصطفى صلعم وشهد حنيناً، وثبت معه حين انهزموا، وكان عمر ☺ يستسقي به إذا وقع قحط فيسقى بالمدينة، مات بالمدينة عن بضع وثمانين سنة، ودفن بالبقيع، وكان أصغر أعمامه صلعم .
ثمَّ إنَّ العلماء قد اختلفوا في هذا الباب منهم من قال: لا يحلُّ قتل أسير صبراً، وإنَّما يمنُّ عليه، أو يفدى. قال الضَّحاك: قوله تعالى: {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد:4] ناسخ لقوله تعالى: {اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة:5] ويروى مثله عن ابن عمر ☻ قال: أليس الله بهذا أمرنا؟ قال: {حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد:4]، وهو قول عطاء والشَّعبي والحسن البصري كرهوا قتل الأسير، وقالوا: يمنُّ عليه أو يفدي.
وبمثل هذا استدلَّ الطحَّاوي فقال: ظاهر الآية يقتضي المنَّ أو الفداء ويمنع القتل. ومنهم من قال: لا يجوز في الأسرى من المشركين إلَّا القتل، وجعلوا قوله ╡: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة:5] ناسخاً لقوله تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً}، وهو قول مجاهد وطائفة منهم الزُّهري. وقال غيرهم: إنَّ الآيتين جميعاً محكمتان، وهو قول ابن زيد.
قال العيني: وهو قول صحيح؛ لأنَّ إحداهما لا تنفي / الأخرى؛ ينظر الإمامُ في ذلك بما يراه مصلحة؛ إمَّا القتل وإمَّا الفداء أو المنِّ، وكذا قال أبو عبيد بن سلام، وهو مذهب الشَّافعي ومالك وأحمد وأبي ثور. قال: وقد فعل هذا كله سيدنا رسول الله صلعم يوم بدر؛ فقتل بعض الكفَّار، كعقبة بن أبي معيط، والنَّضر بن الحارث، وفدى بعضاً ومنَّ على بعض، ثمَّ حكَّم يوم بني قريظة سعد بن معاذ ☺؛ فقتل المقاتلة وسبى الذريَّة، فنفذه رسول الله صلعم وأمضاه، ثمَّ كانت غزوة بني المصطلق رهط جويرية بنت الحارث فاستحياهم جميعاً وأعتقهم ومنَّ عليهم.
ثمَّ كان فتح مكَّة فأمر بقتل ابن خطل وغيره بمكَّة ومنَّ عليهم، وقتل أبا غرَّة الجمحي يوم أحد، وقد كان منَّ عليه يوم بدر. ومنَّ على ثمامة بن أثال، فهذه كانت أحكامه صلعم بالمنِّ والفداء والقتل فليس شيء منها منسوخاً.
ومحصِّل الأمر أنَّ الأمر فيهم إلى الإمام، وهو مخيَّر بعد الأسر بين ضرب الجزية لمن شرع أخذها منه، أو القتل، أو الاسترقاق والمنُّ بلا عوض أو بعوض هذا في الرِّجال، وأمَّا النِّساء والصِّبيان فيرقون بنفس الأسر، ويجوز المفاداة بالأسيرة الكافرة بأسير مسلم، أو مسلم عند الكفَّار، ولو أسلم الأسير زال القتل بالاتِّفاق، وهل يصير رقيقاً، أو تبقى بقيَّة الخصال؛ قولان للعلماء.
وقالت الحنفيَّة: لا يجوز مفاداة أسرى المشركين، قال الله تعالى: {اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة:5] وقال تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ} [التوبة:29] {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (3) } [التوبة:29].
وما ورد في أسرى بدر كلُّه منسوخ، ولم يختلف أهل التَّفسير ونقلة الآثار أنَّ سورة براءة بعد سورة محمَّد صلعم ، فوجب أن يكون الحكم المذكور فيها ناسخاً للفداء المذكور في غيرها.
وقال الطحَّاوي: اختلف قول أبي حنيفة في هذا، فروي عنه أنَّ الأسرى لا يفادون ولا يُرَدُّون حَرْباً؛ لأنَّ في ذلك قوَّة / لأهل الحرب، وإنَّما يفادون بالمال، وبما سواه ممَّن لا قوَّة لهم فيه.
وروي عنه أنَّه لا بأس أن يفادوا بالمشركين أسارى المسلمين، وهو قول أبي يوسف ومحمَّد، ورأى أبو حنيفة: أنَّ المنَّ منسوخ. وقيل: كان خاصًّا بسيِّدنا رسول الله صلعم .
[1] في هامش الأصل: ومعنى التأكيد مستفاد من المصدر، فإن أصله اضربوا الرقاب ضرباً. منه.
[2] في هامش الأصل: عقيل كأمير ابن أبي طالب. قاموس.
[3] هاتان الآيتان كذا جاءتا في المخطوط وتمام الآية: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}.