نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: هل للأسير أن يقتل ويخدع الذين أسروه حتى ينجو من الكفرة؟

          ░151▒ (بابٌ) بالتنوين (هَلْ لِلأَسِيرِ أَنْ يَقْتُلَ) على البناء للفاعل، وكذا قوله: (وَيَخْدَعَ الَّذِينَ أَسَرُوهُ حَتَّى يَنْجُوَ مِنَ الْكَفَرَةِ) وإنَّما لم يذكر الجواب لمكان الاختلاف فيه. فقال الجمهور: إن ائتمنوه يفي لهم بالعهد حتَّى قال مالك: لا يجوز أن يهرب منهم، وخالفه أشهب فقال: لو خرج به الكافر ليفاديَ به فله أن يقتله.
          وقال أبو حنيفة: إعطاؤه العهد على ذلك باطل، ويجوز له أن لا يفي لهم به، وبه قال الطَّبري. وقالت الشَّافعية: يجوز أن يهرب من أيديهم، ولا يجوز أن يأخذَ من أموالهم قالوا: وإن لم يكن بينهم عهد جاز له أن يتخلَّص منهم بكلِّ طريق ولو بالقتلِ وأخذ المال وتحريق الدَّار وغير ذلك.
          قال ابن المواز: إذا ألجئوه أن يحلف أن لا يهرب بطلاق أو عتاق أنَّه لا يلزمه ذلك؛ لأنَّه مُكْرَهٌ، ورواه أبو زيد عن ابن القاسم. وقال غيره: لا معنى لمن فرَّق بين يمينه ووعده؛ لأنَّ حاله حال المُكْرَه حَلَفَ لهم، أو وعَدَهم، أو عاهدهم سواء أمنوه، أو خافوه؛ لأنَّ الله تعالى فرض على المؤمن أن لا يبقى تحت أحكام الكفَّار، وأوجب عليه الهجرة من دارهم، فخروجُه على أيِّ وجه جائز، والحجَّة في ذلك: خروج أبي بصير، وتصويب النَّبي صلعم فعله ورضاه.
          (فِيهِ) أي: في هذا الباب (الْمِسْوَرُ) أي: حديث المسور بن مخرمة (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) وقد مرَّ في كتاب الشُّروط، في باب الشُّروط في الجهاد في صلح الحديبية [خ¦2731]، وفيه قصَّة أبي بصير، ومن أمره يؤخذ وجه المطابقة للتَّرجمة.
          وقال الحافظ العسقلاني: وليس في قصَّة أبي بصير تصريح بأنَّه كان بينه وبين من تسلمه ليردَّه إلى المشركين عهد، ولهذا تعرَّض للقتل فقتل أحد الرَّجلين وانفلت الآخر، ولم ينكر عليه النَّبي صلعم كما تقدَّم مستوفى.
          فإن قيل: لِمَ اكتفى بالإشارة ولم يذكر الحديث، ولا يقال: إنَّه سلك هذا الأسلوب؛ لأنَّ الحديث ليس بشرطه، إذ هو بشرطه، ولهذا ذكره فيما سبق.
          فالجواب: أنَّه أرادا الاختصار. فإن قيل: لم كرَّر / كثيراً من الأحاديث ولم يختصر.
          فالجواب: أنَّ التِّكرار في كلِّ موضع لا يخلو إمَّا من فائدة في اللَّفظ، أو تغيير فيه، أو نكتة في الإسناد، أو غير ذلك، والله تعالى أعلم.