نجاح القاري لصحيح البخاري

باب من اختار الغزو بعد البناء

          ░115▒ (بابُ مَنِ اخْتَارَ الْغَزْوَ بَعْدَ الْبِنَاءِ) بزوجته؛ أي: بعد دخوله عليها كيف يكون حكمه هل يمنع أو لا؟ (فِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ ☺) أي: في هذا الباب حديث أبي هريرة ☺ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) وهو الَّذي أورده في الخمس من طريق همَّام عنه [خ¦3124] قال: ((غزا نبيٌّ من الأنبياء ‰ فقال: لا يتبعني رجلٌ ملك بضع امرأة ولمَّا يَبْن بها)). وسيأتي شرحه هناك إن شاء الله تعالى، وترجم عليه في النِّكاح: من أحبَّ البناء بعد الغزوِ [خ¦5157].
          والغرضُ هنا من ذلك: أن يتفرَّغ قلبه للجهاد، ويقبل عليه بنشاط؛ لأنَّ الذي يعقد عقده على امرأة يبقى متعلِّق الخاطر بها، بخلاف ما إذا دخلَ بها فإنَّه يصير الأمرُ في حقِّه أخفَّ غالباً، ونظيره الاشتغالُ بالأكلِ قبل الصَّلاة.
          وقد اعترض الداوديُّ على هذه الترجمة فقال: لو قال: باب من اختار البناءَ قبل الغزو كان أبين، فإنَّما الحديث فيه، وكأنَّه وقع عنده باب من اختار الغزو قبلَ البناء، فاعترضَه بأنَّ الحديث فيه أنَّه اختار البناء قبل الغزو، وليس كذلك.
          وعلى تقدير صحَّة ما وقع عنده لا اعتراضَ عليه؛ لأنَّه أورد الترجمة مورد الاستفهام، فكأنَّه قال: ما حكم من اختارَ الغزو قبل البناء هل يمنع، كما دلَّ عليه الحديث، أو يسوَّغ ويحمل الحديث على الأولويَّة؟
          هذا، وقال الكِرمانيُّ: كأنَّه اكتفى بالإشارة إلى هذا الحديث؛ لأنَّه لم يكن على شرطه.
          قال الحافظ العسقلانيُّ: لم يستحضر الكِرمانيُّ أنَّه أورده موصولاً في مكانٍ آخر على ما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى، والصَّحيح: أنَّه جرى فيه على عادته الغالبة في أنَّه لا يعيد الحديث الواحد إذا اتَّحد مخرجه، والله تعالى أعلم.