-
المقدمة
-
كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
-
كتاب الإيمان
-
كتاب العلم
-
كتاب الوضوء
-
كتاب الغسل
-
كتاب الحيض
-
كتاب التيمم
-
كتاب الصلاة
-
أبواب سترة المصلي
-
كتاب مواقيت الصلاة
-
كتاب الأذان
-
أبواب الجماعة والإمامة
-
كتاب الجمعة
-
أبواب صلاة الخوف
-
كتاب العيدين
-
كتاب الوتر
-
كتاب الاستسقاء
-
كتاب الكسوف
-
أبواب سجود القرآن
-
أبواب تقصير الصلاة
-
أبواب التهجد
-
كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة
-
أبواب العمل في الصلاة
-
أبواب السهو
-
كتاب الجنائز
-
كتاب الزكاة
-
أبواب صدقة الفطر
-
كتاب الحج
-
أبواب العمرة
-
أبواب المحصر
-
كتاب جزاء الصيد
-
أبواب فضائل المدينة
-
كتاب الصوم
-
كتاب صلاة التراويح
-
أبواب الاعتكاف
-
كتاب البيوع
-
كتاب السلم
-
كتاب الشفعة
-
كتاب الإجارة
-
كتاب الحوالة
-
كتاب الكفالة
-
كتاب الوكالة
-
كتاب المزارعة
-
كتاب المساقاة
-
كتاب الاستقراض
-
كتاب الخصومات
-
كتاب في اللقطة
-
كتاب المظالم
-
كتاب الشركة
-
كتاب الرهن
-
كتاب العتق
-
كتاب المكاتب
-
كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها
-
كتاب الشهادات
-
كتاب الصلح
-
كتاب الشروط
-
كتاب الوصايا
-
كتاب الجهاد والسير
-
باب فضل الجهاد والسير
-
باب: أفضل الناس مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله
-
باب الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء
-
باب درجات المجاهدين في سبيل الله
-
باب الغدوة والروحة في سبيل الله وقاب قوس أحدكم من الجنة
-
باب الحور العين وصفتهن
-
باب تمني الشهادة
-
باب فضل من يصرع في سبيل الله فمات فهو منهم
-
باب من ينكب في سبيل الله
-
باب من يجرح في سبيل الله عز وجل
-
باب قول الله تعالى: {هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين}
-
باب قول الله تعالى: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله}
-
باب: عمل صالح قبل القتال
-
باب من أتاه سهم غرب فقتله
-
باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا
-
باب من اغبرت قدماه في سبيل الله
-
باب مسح الغبار عن الناس في السبيل
-
باب الغسل بعد الحرب والغبار
-
باب فضل قول الله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله}
-
باب ظل الملائكة على الشهيد
-
باب تمني المجاهد أن يرجع إلى الدنيا
-
باب: الجنة تحت بارقة السيوف
-
باب من طلب الولد للجهاد
-
باب الشجاعة في الحرب والجبن
-
باب ما يتعوذ من الجبن
-
باب من حدث بمشاهده في الحرب
-
باب وجوب النفير وما يجب من الجهاد والنية
-
باب الكافر يقتل المسلم ثم يسلم فيسدد بعد ويقتل
-
باب من اختار الغزو على الصوم
-
باب: الشهادة سبع سوى القتل
-
باب قول الله تعالى {لا يستوي القاعدون من المؤمنين}
-
باب الصبر عند القتال
-
باب التحريض على القتال
-
باب حفر الخندق
-
باب من حبسه العذر عن الغزو
-
باب فضل الصوم في سبيل الله
-
باب فضل النفقة في سبيل الله
-
باب فضل من جهز غازيًا أو خلفه بخير
-
باب التحنط عند القتال
-
باب فضل الطليعة
-
باب: هل يبعث الطليعة وحده؟
-
باب سفر الاثنين
-
باب: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة
-
باب: الجهاد ماض مع البر والفاجر
-
باب من احتبس فرسًا لقوله تعالى {ومن رباط الخيل}
-
باب اسم الفرس والحمار
-
باب ما يذكر من شؤم الفرس
-
باب: الخيل لثلاثة
-
باب من ضرب دابة غيره في الغزو
-
باب الركوب على الدابة الصعبة والفحولة من الخيل
-
باب سهام الفرس
-
باب من قاد دابة غيره في الحرب
-
باب الركاب والغرز للدابة
-
باب ركوب الفرس العري
-
باب الفرس القطوف
-
باب السبق بين الخيل
-
باب إضمار الخيل للسبق
-
باب غاية السبق للخيل المضمرة
-
باب ناقة النبي صلى الله عليه وسلم
-
باب الغزو على الحمير
-
باب بغلة النبي صلى الله عليه وسلم البيضاء
-
باب جهاد النساء
-
باب غزو المرأة في البحر
-
باب حمل الرجل امرأته في الغزو دون بعض نسائه
-
باب غزو النساء وقتالهن مع الرجال
-
باب حمل النساء القرب إلى الناس في الغزو
-
باب مداواة النساء الجرحى في الغزو
-
باب رد النساء الجرحى والقتلى
-
باب نزع السهم من البدن
-
باب الحراسة في الغزو في سبيل الله
-
باب فضل الخدمة في الغزو
-
باب فضل من حمل متاع صاحبه في السفر
-
باب فضل رباط يوم في سبيل الله
-
باب من غزا بصبي للخدمة
-
باب ركوب البحر
-
باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب
-
باب: لا يقول فلان شهيد
-
باب التحريض على الرمي
-
باب اللهو بالحراب ونحوها
-
باب المجن ومن يتترس بترس صاحبه
-
باب الدرق
-
باب الحمائل وتعليق السيف بالعنق
-
باب حلية السيوف
-
باب من علق سيفه بالشجر في السفر عند القائلة
-
باب لبس البيضة
-
باب من لم ير كسر السلاح عند الموت
-
باب تفرق الناس عن الإمام عند القائلة والاستظلال بالشجر
-
باب ما قيل في الرماح
-
باب ما قيل في درع النبي والقميص في الحرب
-
باب الجبة في السفر والحرب
-
باب الحرير في الحرب
-
باب ما يذكر في السكين
-
باب ما قيل في قتال الروم
-
باب قتال اليهود
-
باب قتال الترك
-
باب قتال الذين ينتعلون الشعر
-
باب من صف أصحابه عند الهزيمة ونزل عن دابته واستنصر
-
باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة
-
باب: هل يرشد المسلم أهل الكتاب أو يعلمهم الكتاب؟
-
باب الدعاء للمشركين بالهدى ليتألفهم
-
باب دعوة اليهودي والنصراني وعلى ما يقاتلون عليه
-
باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم
-
باب من أراد غزوة فورَّى بغيرها ومن أحب الخروج يوم الخميس
-
باب الخروج بعد الظهر
-
باب الخروج آخر الشهر
-
باب الخروج في رمضان
-
باب التوديع
-
باب السمع والطاعة للإمام
-
باب: يقاتل من وراء الإمام ويتقى به
-
باب البيعة في الحرب أن لا يفروا
-
باب عزم الإمام على الناس فيما يطيقون
-
باب: كان النبي إذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال
-
باب استئذان الرجل الإمام لقوله: {إنما المؤمنون الذين آمنوا}
-
باب من غزا وهو حديث عهد بعرسه
-
باب من اختار الغزو بعد البناء
-
باب مبادرة الإمام عند الفزع
-
باب السرعة والركض في الفزع
-
باب الخروج في الفزع وحده
-
باب الجعائل والحملان في السبيل
-
باب ما قيل في لواء النبي صلى الله عليه وسلم
-
باب الأجير
-
باب قول النبي: نصرت بالرعب مسيرة شهر
-
باب حمل الزاد في الغزو
-
باب حمل الزاد على الرقاب
-
باب إرداف المرأة خلف أخيها
-
باب الارتداف في الغزو والحج
-
باب الردف على الحمار
-
باب من أخذ بالركاب ونحوه
-
باب السفر بالمصاحف إلى أرض العدو
-
باب التكبير عند الحرب
-
باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير
-
باب التسبيح إذا هبط واديًا
-
باب التكبير إذا علا شرفًا
-
باب: يكتب للمسافر مثل ما كان يعمل في الإقامة
-
باب السير وحده
-
باب السرعة في السير
-
باب: إذا حمل على فرس فرآها تباع
-
باب الجهاد بإذن الأبوين
-
باب ما قيل في الجرس ونحوه في أعناق الإبل
-
باب مَن اكتتب في جيش فخرجت امرأته حاجةً وكان له عذر هل يؤذن له؟
-
باب الجاسوس
-
باب الكسوة للأسارى
-
باب فضل من أسلم على يديه رجل
-
باب الأسارى في السلاسل
-
باب فضل من أسلم من أهل الكتابين
-
باب أهل الدار يبيتون فيصاب الولدان والذراري
-
باب قتل الصبيان في الحرب
-
باب قتل النساء في الحرب
-
باب: لا يعذب بعذاب الله
-
باب: {فإما منًا بعد وإما فداءً}
-
باب: هل للأسير أن يقتل ويخدع الذين أسروه حتى ينجو من الكفرة؟
-
باب: إذا حرق المشرك المسلم هل يحرق؟
-
باب
-
باب حرق الدور والنخيل
-
باب قتل النائم المشرك
-
باب: لا تمنوا لقاء العدو
-
باب: الحرب خدعة
-
باب الكذب في الحرب
-
باب الفتك بأهل الحرب
-
باب ما يجوز من الاحتيال والحذر مع من تخشى معرته
-
باب الرجز في الحرب ورفع الصوت في حفر الخندق
-
باب من لا يثبت على الخيل
-
باب دواء الجرح بإحراق الحصير
-
باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب وعقوبة من عصى إمامه
-
باب: إذا فزعوا بالليل
-
باب من رأى العدو فنادى بأعلى صوته يا صباحاه حتى يسمع الناس
-
باب من قال: خذها وأنا ابن فلان
-
باب: إذا نزل العدو على حكم رجل
-
باب قتل الأسير وقتل الصبر
-
باب: هل يستأسر الرجل؟ومن لم يستأسر ومن ركع ركعتين عند القتل
-
باب فكاك الأسير
-
باب فداء المشركين
-
باب الحربي إذا دخل دار الإسلام بغير أمان
-
باب: يقاتل عن أهل الذمة ولا يسترقون
-
باب جوائز الوفد
-
باب: هل يستشفع إلى أهل الذمة ومعاملتهم؟
-
باب التجمل للوفود
-
باب: كيف يعرض الإسلام على الصبي؟
-
باب قول النبي لليهود: أسلموا تسلموا
-
باب: إذا أسلم قوم في دار الحرب ولهم مال وأرضون فهى لهم
-
باب كتابة الإمام الناس
-
باب: إن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر
-
باب من تأمر في الحرب من غير إمرة إذا خاف العدو
-
باب العون بالمدد
-
باب من غلب العدو فأقام على عرصتهم ثلاثًا
-
باب من قسم الغنيمة في غزوه وسفره
-
باب: إذا غنم المشركون مال المسلم ثم وجده المسلم
-
باب من تكلم بالفارسية والرطانة
-
باب الغلول
-
باب القليل من الغلول
-
باب ما يكره من ذبح الإبل والغنم في المغانم
-
باب البشارة في الفتوح
-
باب ما يعطى البشير
-
باب: لا هجرة بعد الفتح
-
باب: إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمة
-
باب استقبال الغزاة
-
باب ما يقول إذا رجع من الغزو
-
باب الصلاة إذا قدم من سفر.
-
باب الطعام عند القدوم
-
باب فضل الجهاد والسير
-
كتاب فرض الخمس
-
كتاب الجزية والموادعة
-
كتاب بدء الخلق
-
كتاب أحاديث الأنبياء
-
كتاب المناقب
-
كتاب فضائل الصحابة
-
كتاب مناقب الأنصار
-
كتاب المغازي
-
كتاب التفسير
-
كتاب فضائل القرآن
-
كتاب النكاح
-
كتاب الطلاق
-
كتاب النفقات
-
كتاب الأطعمة
-
كتاب العقيقة
-
كتاب الذبائح والصيد
-
كتاب الأضاحي
-
كتاب الأشربة
-
كتاب المرضى
-
كتاب الطب
-
كتاب اللباس
-
كتاب الأدب
-
كتاب الاستئذان
-
كتاب الدعوات
-
كتاب الرقاق
-
كتاب القدر
-
كتاب الأيمان والنذور
-
باب كفارات الأيمان
-
كتاب الفرائض
-
كتاب الحدود
-
كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة
-
كتاب الديات
-
كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم
-
كتاب الإكراه
-
كتاب الحيل
-
كتاب التعبير
-
كتاب الفتن
-
كتاب الأحكام
-
كتاب التمني
-
كتاب أخبار الآحاد
-
كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة
-
كتاب التوحيد
░1▒ (بابُ فَضْلِ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ) بكسر السين المهملة وفتح المثناة التحتية، جمع: سيرة، وهي الطَّريقة. ومنه سيرة العُمَرين؛ أي: طريقتهما، وذكر السِّير هنا؛ لأنَّ الأحكام المذكورة فيه متلقَّاة من سِيَر رسول الله صلعم في مغازيه، وسِيَر أصحابه ♥ .
(وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى) مجرور عطفاً على فضل الجهاد، وهاتان الآيتان في أواخر سورة التَّوبة، إلَّا أنَّ في رواية النَّسفي وابن شبويه وقع هكذا: <{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} الآيتين إلى قوله: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة:111-112] >. وعند أبي ذرٍّ: <إلى قوله: {وعداً عليه حقاً}، ثمَّ قال: إلى قوله: {وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}>. / وفي رواية الأصيلي وكريمة سيقت الآيتان بتمامهما، واخترنا ذلك لما فيه من زيادة الفائدة.
قال تعالى: ({إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}) تمثيل لإثابة الله إيَّاهم الجنَّة على بذل أنفسهم وأموالهم في سبيل الله، والمراد بذلك، والله أعلم، ما وقع في ليلة العقبة من الأنصار.
قال محمَّد بن كعب القُرَظِيّ وغيره: قال عبدُ الله بن رواحة ☺ لرسول الله صلعم ؛ يعني: ليلة العقبة: اشترط لربِّك ولنفسك ما شئت، فقال: أشترط لربِّي أن تصدِّقوه ولا تشركوا به شيئاً، وأشترط لنفسِي أن تمنعون منه أنفسكم وأموالكم، قالوا: فما لنا إذا فعلنا ذلك؟ قال: الجنَّة، قالوا: ربح البيع لا نُقيل ولا نستقيل، فنزلت: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} الآية؛ يعني: إنَّ الله أمرهم بالجهاد بأموالهم وأنفسهم ليجازيهم بالجنَّة، فعبَّر عنه بالشِّراء لما فيه من عوض ومعوَّض، ولمَّا جوزوا بالجنَّة على ذلك عبَّر عنه بلفظ الشِّراء تجوُّزاً، والباء في بأن للمقابلة، والتَّقدير باستحقاقهم الجنَّة.
({يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ}) استئناف لبيان ما لأجله الشِّراء، كذا قال القاضي. والأظهر أنَّه لبيان البيع الذي يستدعيه الاشتراء المذكور، كأنَّه قيل: كيف يبيعون أنفسهم وأموالهم بالجنَّة؟ فقيل: يقاتلون في سبيل الله بذلاً منهم لأنفسهم وأموالهم إلى جهة الله سبحانه، وتعريضاً لهما للهلاك.
وقال الزَّمخشري: فيه معنى الأمر كقوله تعالى: {تُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} [الصف:11] وقوله تعالى: {فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} [التوبة:111] لبيان أنَّهم سواء قُتِلوا أو قَتَلوا، أو اجتمع لهم هذا وهذا، فقد وجبت لهم الجنَّة.
وقرأ حمزة والكسائي بتقديم المبني للمفعول والواو لا توجب التَّرتيب، وفعل البعض قد يسند إلى الكلِّ كما في: بنو فلان قتلوا زيداً، والقاتل واحد منهم.
({وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا}) مصدر مؤكَّد لما دلَّ عليه الشَّراء، فإنَّه في معنى الوعد، أخبر بأنَّ هذا الوعد الذي وعده للمجاهدين في سبيل الله وعد ثابت ({فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ}) / أي: قد أثبته في التَّوراة والإنجيل، كما أثبته في القرآن ({وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ}) مبالغةٌ في الإنجاز، وتقريرٌ لكونه حقًّا، وذلك لأنَّ الله لا يخلف الميعاد؛ لأنَّ إخلاف الميعاد قبيح لا يُقدِم عليه الكرام من الخلق مع جوازه عليهم لحاجتهم إليه، فكيف بالغني الذي لا يجوزُ عليه قبيح قط.
({فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ}) أي: فافرحوا به غاية الفرح، فإنَّه أوجب لكم عظائم المطالب كما قال: ({وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:111]) أي: فليبشَّر من قام بمقتضى هذا العقد ووفَّى هذا العهد بالفوز العظيم، والنَّعيم الدَّائم المقيم ({التَّائِبُونَ}) رفع على المدح؛ أي: هم التَّائبون من الذُّنوب كلِّها، التَّاركون للفواحش، والمراد بهم المؤمنون المذكورون.
ويؤيِّده قراءة عبد الله وأبيٍّ ☻ : (▬التائبين↨) بالياء إلى (▬والحافظين↨) نصباً على المدح، ويجوز أن يكون جراً صفة للمؤمنين. ويحتمل أن يكون كما قال الزَّجَّاج: مبتدأ خبره محذوفٌ تقديره: التائبون أيضاً من أهل الجنَّة، وإن لم يجاهدوا كقوله تعالى: {وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد:10]، أو خبره ما بعده؛ أي: التَّائبون عن الكفر في الحقيقة هم الجامعون لهذه الخصال.
({الْعَابِدُون} [التوبة:112]) القائمون بعبادة ربِّهم مخلصين له، وقيل: بطول الصَّلاة، وقيل: بطاعة الله ({الْحَامِدُونَ}) لنعمائه خصوصاً لدين الإسلام، وقيل: لِمَا نابهم من السَّرَّاء والضرَّاء، فإن قيل: ما معنى كون الضرَّاء سبباً للحمد؟
فالجواب: أنَّه باعتبار ما في مقابلتها من الألطاف الإلهيَّة الدُّنيوية والأخرويَّة. قال المولى المحشي سنان: ولك أن تحمله على كون أنفس المضار بحسب ذواتها بمنزلة النِّعم، فليفهم.
({السَّائِحُونَ}) أي: الصَّائمون، كذا قال سفيان الثَّوري، عن عاصم أحد القرَّاء السَّبعة، عن ذرٍّ، عن عبد الله بن مسعود ☺، وكذا قال الضَّحاك.
وقال ابن جرير: حدَّثنا أحمد بن إسحاق: حدَّثنا أبو أحمد: حدَّثنا إبراهيم بن يزيد، عن الوليد بن عبد الله، عن عائشة ♦ قالت: ((سياحة هذه الأمَّة الصِّيام)).
وكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء وسفيان بن عيينة وآخرون، وكأنَّهم شبَّهوه بها؛ / لأنَّه يعوق عن الشَّهوات كالسِّياحة، أو لأنه رياضة نفسانيَّة يتوصَّل بها إلى الاطِّلاع على خفايا الملك أو الملكوت.
وقال الحسن البصري: السَّائحون: الصَّائمون شهر رمضان. وقال أبو عمرو العبدي: السَّائحون: الذين يديمون الصِّيام من المؤمنين، وقد ورد في حديث مرفوعٍ نحو هذا؛ فقال ابن جرير: حدَّثني محمَّد بن عبد الله: حدَّثنا حكيم بن حزام: حدَّثنا سليمان، عن أبي صالح، عن أبي هريرة ☺ قال: قال رسول الله صلعم : ((السَّائحون هم الصَّائمون)).
وروى أبو داود في «سننه» من حديث أبي أمامة ☺: أنَّ رجلاً قال: يا رسول الله، ائذن لي في السِّياحة، فقال النَّبي صلعم : ((سياحة أمَّتي الجهاد في سبيل الله))، وعن عكرمة أنَّه قال: هم طلبة العلم.
وقال عبد الرَّحمن بن زيد بن أسلم: هم المهاجرون، رواهما ابنُ أبي حاتم، وليس المراد من السِّياحة ما قد يفهمه من تَعبَّد بِمُجرَّد السِّياحة في الأرض، والتفرُّد في شواهقِ الجبال والكهوف والبراري، فإنَّ هذا ليس بمشروع إلَّا في أيَّام الفتن والزَّلازل في الدِّين.
({الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ}) في الصَّلاة؛ أي: الذين يحافظون على الصَّلوات لا سيَّما مع الجماعة ({الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ}) بالإيمان والطَّاعات وأعمال الخيرات ({وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ}) الذين ينهون النَّاس عن الشِّرك والمعاصي والأعمال الخبيثة، والعاطف فيه للدَّلالة على أنه بما عطف عليه في حكم خصلة واحدة، كأنَّه قال: الجامعون بين الوصفين، وقيل: إن الواو إنَّما دخلت على الناهين؛ لأن الأمر بالشَّيء نهيٌ عن ضدِّه تبعاً وضمناً لا قصداً، فلو قال: النَّاهون بغير واو، لأشبه أن يريد النَّهي الذي هو تبع، فلمَّا ذكر الواو، بيَّن أنَّ المراد الآمرون قَصْداً والنَّاهون قَصْداً.
({وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ}) أي: فيما بيَّنه وعيَّنه من الحقائق والشَّرائع، والواو للتنبيه على أنَّ ما قبله مفصَّل الفضائل، وهذا مجملها، وقيل: إنَّه للتنبيه على أنَّ المعنى: يحفظون حدود الله في جميع الأشياء، فإنَّ في كلِّ شيءٍ حدٌ الله تعالى.
روي عن خلف بن أيُّوب: أنَّه أمر امرأته في بعض اللَّيل أن تمسك الرَّضاع عن الولد، وقال: قد تمَّت له سنتان، فقيل: لو تَرَكْتَها حتَّى ترضع تلك اللَّيلة، فقال: أين قول الله تعالى: {وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ} [التوبة:112] ولو لم يذكر الواو لأوهم أنَّ المعنى: يحفظون حدود الله في الأشياء التي تقدَّم ذكرها.
وقيل: إنَّه للإيذان بأن التِّعداد قد تمَّ بالسَّابع من حيث إنَّ السَّبعة هو العدد التَّام، والثَّامن ابتداء تعداد آخر معطوف عليه، / ولذلك تسمَّى واو الثَّمانية، وقيل: هذا قول ضعيفٌ لا أصل له.
({وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة:112]) يعني بهم هؤلاء الموصوفين بتلك الفضائل ووَضَعَ المؤمنين موضعَ ضميرهم؛ للتَّنبيه على أنَّ إيمانهم دعاهم إلى ذلك، وأنَّ المؤمن الكامل من كان كذلك، وحذف المبشَّر به للتَّعظيم، كأنَّه قيل: وبشِّرهم بما يحلُّ عن إحاطة الأفهام، وتعبير الكلام، والله أعلم بالمرام.
(قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ☻ : الْحُدُودُ: الطَّاعَةُ) وهذا التَّعليق وصله ابنُ أبي حاتم من طريق عليِّ بن أبي طلحة، عنه في قوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} [البقرة:187] يعني: طاعة الله، وكأنَّه تفسير باللازم؛ لأن من أطاع وقف عند امتثال أمره، واجتناب نهيه.