نجاح القاري لصحيح البخاري

باب القليل من الغلول

          ░190▒ (بابُ) حكم (الْقَلِيلِ مِنَ الْغُلُولِ) هل هو مثل حُكم الكثير أم لا، وحكمه أنَّه مثله (وَلَمْ يَذْكُرْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أي: لم يذكر عبد الله بن عَمرو ☻ في حديثه الذي يأتي في هذا الباب الذي رواه عن النَّبي صلعم (أَنَّهُ حَرَّقَ مَتَاعَهُ) أي: متاع الرَّجل الذي يقال له: كركرة، الذي وجد عنده عباءة قد غلَّها.
          والحاصل أنَّ البخاري ☼ أشار بهذا / إلى أنَّ حرق متاع الغال ورحلهِ لا يجوز، وأنَّ العمل على منعه، وأنَّه هو الأصح، كما أشار إليه بقوله: (وَهَذَا أَصَحُّ).
          قال الكِرمانيُّ: أي: عدم ذكر التَّحريق أصح من ذكره. وقال العينيُّ: لِمَا رُوِيَ عن عبد الله بن عَمرو ☻ حديثان: أحدهما حديث الباب، وليس فيه ذكر التَّحريق. والآخر: رواه أبو داود من طريق صالح بن محمَّد بن زائدة اللَّيثي المدني، قال: دخلتُ مع مسلمة بن عبد الملك أرض الرُّوم فأتى رجلٌ قد غلَّ فسأل سالماً؛ أي: ابنَ عبدِ الله بن عمر عنه، فقال: سمعت أبي يحدِّث عن عمر ☺، عن النَّبي صلعم قال: ((إذا وجدتُم الرَّجل غلَّ فأحرقوا مَتاعه)) وفيه صالح بن محمَّد المذكور، وهو ضعيفٌ، ضعَّفه يحيى والدَّارقطني.
          وقال البخاري: يحتجُّون بهذا الحديث في إحراق رحل الغال وهو باطلٌ ليس له أصل، وراويه لا يُعْتَمَدُ عليه، وأنَّ الصَّحيح هو الذي ليس فيه ذكر التَّحريق، أشار إليه بقوله: وهذا أصح، فليُتَأمَّل.
          وقيل: حُكِيَ عن الأَصيلي أنَّ المذكور هنا ويُذْكَرُ عن عبد الله بن عَمرو بصيغة بناء المفعول بدل قوله: ولم يذكر عبد الله بن عَمرو، فإن صحَّ هذا يكون قوله: وهذا أصحُّ، إشارة إلى أنَّ حديث الباب الذي لم يذكر فيه التَّحريق أصح من الرِّواية التي ذكرها بصيغة التَّمريض وهي قوله: ويذكر، على بناء المجهول. وأمَّا حديث عبد الله بن عَمرو ☻ ، فقد أخرجه أبو داود عن محمَّد بن عوف، عن موسى بن أيُّوب، عن وليد بن مسلم، عن زهير بن محمَّد، عن عَمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه: ((أنَّ رسول الله صلعم وأبا بكر وعمر ☻ حرَّقوا متاع الغال وضربوه)).