نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: لا يقول فلان شهيد

          ░77▒ (باب) بالتنوين (لاَ يَقُولُ: فُلاَنٌ شَهِيدٌ) أي: على سبيل القطع إلَّا فيما ورد به الوحي، وكأنَّه أشار إلى حديث عمر ☺ أنَّه خطب فقال: تقولون في مغازيكم فلانٌ شهيد، ومات فلان شهيداً، ولعلَّه قد يكون أوقر راحلته ألا لا تقولوا ذاكم، ولكن قولوا كما قال رسول الله صلعم : ((من مات في سبيل الله، أو قتل فهو شهيدٌ)). وهو حديث حسنٌ أخرجه أحمدُ وسعيد بن منصور وغيرهما من طريق محمَّد بن سيرين، عن أبي العَجْفَاء، بفتح المهملة وسكون الجيم ثم فاء، عن عمر ☺.
          وله شاهدٌ في حديث مرفوع، أخرجه أبو نعيم من طريق عبد الله بن الصَّامت، عن أبي ذرٍّ ☺ قال: قال رسول الله صلعم : ((من تعدُّون الشَّهيد؟)) قالوا: من أصابه السِّلاح، قال: ((كم مَن أصابه السِّلاح ليس بشهيدٍ ولا حميد، وكم مَن مات على فراشه حتف أنفه عند الله صدِّيق وشهيد)).
          وفي إسناده نظرٌ؛ فإنَّه من رواية عبد الله بن خُبَيْق، بالمعجمة والموحدة والقاف مصغراً، عن يوسف بن أسباط الزَّاهد المشهور، وعلى هذا / فالمراد: النَّهي عن تعيين واحدٍ بعينه بأنَّه شهيدٌ، بل يجوز أن يقال ذلك على طريق الإجمال.
          (قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ☺، عَنِ النَّبِيِّ صلعم : اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ، اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ) أي: يُجْرَحُ (فِي سَبِيلِهِ) وهذا طرفٌ من حديث تقدَّم في أوائل الجهاد في باب أفضل النَّاس مؤمن مجاهد بنفسه وماله [خ¦2787] من طريق سعيد بن المسيَّب، عن أبي هريرة ☺ باللفظ الأول، ومن طريق الأعرج عنه باللَّفظ الثَّاني.
          ومأخذ التَّرجمة منه تظهر من حديث أبي موسى الماضي [خ¦2810]: ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)).
          ولا يطلع على ذلك إلَّا بالوحي، فمن ثبت أنَّه في سبيل الله أُعْطِيَ حُكْم الشَّهادة، فقوله: ((والله أعلم بمن يُكْلَمُ في سبيله)) معناه: فلا يعلم ذلك إلَّا من أعلمه الله، فلا ينبغي إطلاق كون كل مقتولٍ في الجهاد أنَّه في سبيل الله.