نجاح القاري لصحيح البخاري

باب الجهاد بإذن الأبوين

          ░138▒ (بابٌ) بالتنوين (الْجِهَادُ بِإِذْنِ الأَبَوَيْنِ) كذا أطلق، ولكن فيه خلاف وتفصيل؛ فلذلك أبهم.
          قال أكثر أهل العلم منهم الأوزاعي والثَّوري ومالك والشَّافعي وأحمد: إنَّه لا يخرج إلى الغزو إلا بإذن والديه ما لم تقع ضرورة وقوَّة العدو، فإذا كان كذلك تعيَّن الفرض على الجميع، وزال الاختيار ووجب الجهاد على الكلِّ، فلا حاجة إلى الإذن من والدٍ وسيِّدٍ، ولو كان رقيقاً فأَذِنَ له سيَّدُه لم يعتبرِ إذْن أبويه ولهما الرُّجوع في الإذن، إلَّا إن حضر الصَّف، وكذا لو شرطا أن لا يقاتل فحضر الصَّف فلا أثر للشَّرط.
          وقال ابن حزم: إن كان أبواه يَضِيعان بخروجه ففرضُه ساقطٌ عنه إجماعاً، وإلَّا فالجمهور يوقفه على الاستئذان. والأجداد كالآباء، والجدَّات كالأمَّهات.
          وعند المنذري: هذا في التطوُّع، وأمَّا إذا وجب عليه فلا حاجة إلى إذنهما، وإن منعاه عصاهما هذا إذا كانا مسلمين، فإن كانا كافرين فلا سبيل لهما إلى منعه ولو نفلاً، وطاعتهما حينئذٍ معصية.
          وعن الثَّوري: هما كالمسلمين، وقيل: يحتمل أن يكون هذا كله بعد الفتح، وسقوط فرض الهجرة والجهاد وظهور الدِّين، فرجَّح برَّ الوالدين على الجهاد.
          ثمَّ إنَّه هل يندرج فيه المديون؟ قال الشَّافعي فيما ذكره ابن المناصف: ليس له أن يغزو إلَّا بإذن غريمه سواء كان مسلماً أو غيره. وفرَّق مالك بين أن يَجِدَ قضاءً وبين أن لا يَجِد، فإن كان عديماً فلا يرى بجهاده بأساً، وإن لم يستأذن غريمه، فإن كان مليًّا وأوصى بدينه إذا حلَّ أُعْطِيَ دينه ولا يَسْتأْذِنُه. وقال الأوزاعي: لا يتوقَّف / على الإذن مطلقاً، والله تعالى أعلم.