نجاح القاري لصحيح البخاري

باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم

          ░102▒ (بابُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صلعم النَّاسَ إِلَى الإِسْلاَمِ / وَالنُّبُوَّةِ) أي: ودعائه صلعم إلى الاعتراف بالنُّبوة (وَأَنْ لاَ يَتَّخِذَ) أي: ودعائه صلعم إلى أن لا يتخذ (بَعْضُهُمْ بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ) يعني: لا يقولون: عزير ابن الله، ولا المسيح ابن الله؛ لأنَّ كل واحدٍ منهما بشر مثلهم فلا يصلحان أن ينتظما في سلك الرُّبوبية.
          (وَقَوْلِهِ) بالجر عطفاً على مدخول الباب، وبالرفع عطفاً على الباب ({مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَاب} الآية) يعني: اقرأ الآية بتمامها، وهو قوله: {وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ} [آل عمران:79]، وهو تكذيبٌ وردُّ على عبَدة عيسى ◙. وقيل: إنَّ أبا رافع القُرَظي والسيد النَّجراني قالا: يا محمد، أتريد أن نعبدَك ونتخذك ربًّا؟ فقال: ((معاذ الله أن نعبدَ غير الله، وأن نأمر لغير عبادة الله، فما بذلك بعثني، ولا بذلك أمرني)) فنزلت. وقيل: قال رجلٌ: يا رسول الله، نسلِّم عليك كما يسلِّم بعضنا على بعضٍ أفلا نسجد لك؟ قال: ((لا ينبغي لأحدٍ أن يسجدَ لأحدٍ من دون الله، ولكن أكرموا نبيكم واعرفوا الحقَّ لأهله)).
          {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ}: ولكن يقول: كونوا ربَّانيين، والرَّباني: منسوبٌ إلى الرَّب بزيادة الألف والنون كاللحياني والرَّقباني، وهو الكامل في العلم والعمل كما يقال: رجلٌ إلهي إذا كان مقبلاً على معرفة الإله وطاعته، وزيادة الألف والنون للدَّلالة على الكمال في هذه الصِّفة، كما قالوا: شعراني إذا وصفوا بكثرة الشَّعر، ولحيانيٌّ: إذا وصفوا بطول اللِّحية، ورقبانيٌّ: إذا وصفوا بغلظ الرَّقبة.
          {بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} أي: بسبب كونكم معلِّمين الكتاب، وبسبب كونكم دارسين له، فإنَّ فائدة التَّعْليم والتَّعَلم معرفةُ الحقِّ والخير للاعتقاد والعمل. وقرأ ابن كثير وأبو عَمرو ويعقوب: ({تَعْلَمون}) بمعنى: عالمين، وقرئ: (▬تدرِّسون↨) من التَّدريس (▬وتُدْرِسون↨) من أَدْرَس بمعنى: دَرَّس كأكرم وكرم.