إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فبيعوها

          2153- 2154- وبه قال: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ) بن أبي أويسٍ (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (مَالِكٌ) الإمام (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) محمَّدٍ الزُّهريِّ (عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ) بتصغير الأوَّل، ابن عتبة بن مسعودٍ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ) الجهنيِّ الصَّحابيِّ المدنيِّ ( ☻ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم سُئِلَ) بضمِّ السِّين، مبنيًّا للمفعول، ولم أقف على اسم السَّائل (عَنِ الأَمَةِ) أي: عن حكمها (إِذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصِنْ) بضمِّ أوَّله وسكون ثانيه وكسر ثالثه، بإسناد الإحصان إليها؛ لأنَّها تُحْصِن نفسَها بعفافها، ولأبي ذرٍّ: ”ولم تُحصَن“ بفتح الصَّاد؛ بإسناد الإحصان إلى غيرها، ويكون بمعنى: الفاعل والمفعول، وهو أحد الثَّلاثة التي جئن نوادر، يُقال: أحصن فهو مُحصَن، وأسهب فهو مُسهَب، وألفج فهو مُلفَج، وقال العينيُّ: ويُروَى: ”ولم تُحَصَّن“ بضمِّ التَّاء وفتح الحاء وتشديد الصَّاد، من باب «التَّفعُّل»(1) (قَالَ) ╕ : (إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا) ظاهره: وجوب الرَّجم عليها إذا أحصنت، والإجماع بخلافه، وأُجيب بأنَّه لا اعتبار للمفهوم حيث نطق القرآن صريحًا بخلافه في قوله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ}[النساء:25] فالحديث دلَّ على جلد غير المُحصَن، والآية على جلد المُحصَن، والرَّجم لا يتنصَّف فيُجلَدان عملًا بالدَّليلين، أو يُجاب: بأنَّ المراد بالإحصان هنا: الحريَّة؛ كما في قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ}[النساء:25] أو التي لم تتزوَّج أو لم تسلم؛ كما في قوله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ...} الآية قيل: بمعنى: أسلمن، وقيل: تزوَّجن، وقول الطَّحاويِّ: إنَّ قوله: _«ولم تُحصِن» لم يذكرها أحدٌ غير مالكٍ_ أنكره عليه الحفَّاظ فقالوا: لم ينفرد بها، بل رواها ابن عيينة ويحيى بن سعيدٍ عن ابن شهابٍ؛ كما رواه مالكٌ، وإنَّما أعاد الزِّنا في الجواب غير مُقيَّدٍ بالإحصان؛ للتَّنبيه على أنَّه لا أثر له، وأنَّ الموجب في الأمة مطلق الزِّنا. (ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ(2) إِنْ زَنَتْ فَبِيعُوهَا) بعد جلدها (وَلَوْ بِضَفِيرٍ) «فَعِيْلٍ» بمعنى: «مفعولٍ» أي: حبلٍ مفتولٍ أو منسوجٍ من الشَّعر، وهذا على جهة التَّزهيد فيها وليس من إضاعة المال، بل هو حثٌّ لها على مجانبة الزِّنا(3)، واستشكله ابن المُنَيِّر: بأنَّه ╕ نصح هؤلاء في إبعادها، والنَّصيحة عامَّةٌ للمسلمين، فيدخل فيها المشتري فينصح في إبعادها وألَّا يشتريها، فكيف يتصوَّر نصيحة الجانبين؟! / وكيف يقع البيع إذا انتصحا معًا؟ وأجاب: بأنَّ المباعدة إنَّما توجَّهت على البائع؛ لأنَّه الذي لُدِغ فيها مرَّةً بعد أخرى، و«لا يُلدَغ المؤمن من جُحْرٍ مرَّتين» [خ¦6133] ولا كذلك المشتري فإنَّه بعدُ لم يجرِّب منها سوءًا، فليست وظيفته في المباعدة كالبائع. انتهى. ولعلَّها أن تستعفَّ عند المشتري بأن يزوِّجها أو يعفَّها بنفسه، أو يصونها بهيبته أو بالإحسان إليها. (قَالَ ابْنُ شِهَابٍ) الزُّهريُّ: (لَا أَدْرِي بَعْدَ الثَّالِثَةِ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيْهَنِيِّ: ”أبعد الثَّالثة“ بهمزة الاستفهام، أي: هل أراد أنَّ بيعها(4) يكون بعد الزَّنية الثَّالثة (أَوِ الرَّابِعَةِ)؟ وقد جزم أبو سعيدٍ: بأنَّه في الثَّالثة، كما مرَّ.
          وهذا الحديث أخرجه المؤلِّف أيضًا في «المحاربين» [خ¦6837] [خ¦6838] و«العتق» [خ¦2555] [خ¦2556] وفي «البيوع» [خ¦2232] [خ¦2233] أيضًا، وأخرجه مسلمٌ في «الحدود» وكذا أبو داود، وأخرجه النَّسائيُّ في «الرَّجم»، وابن ماجه في «الحدود»، والله أعلم(5).


[1] في (ب) و(س): «التَّفعيل»، والمثبت موافقٌ لما في «عمدة القاري» (11/398).
[2] «ثمَّ»: سقط من (م).
[3] «الزِّنا»: ليس في (د).
[4] في (د): «يبيعها».
[5] «والله أعلم»: ليس في (د).