مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: لله مئة اسم غير واحد

          ░68▒ باب لله مائة اسم غير واحد
          فيه حديث الأعرج، عن أبي هريرة رواية قال: ((لله تسعة وتسعون اسماً)) الحديث.
          اختلف في الاستدلال من هذا / الحديث، كما قال المهلب، فذهب قوم إلى أن ظاهره يقتضي: أن لا اسم لله غير ما ذكر، إذ لو كان له غيرها لم يكن لتخصيص هذه العدة معنى، قالوا: والشريعة متناهية، والحكمة فيها بالغة.
          وقال آخرون: يجوز أن يكون له زيادة على ذلك، إذ لا يجوز أن تتناهى أسماؤه؛ لأن مدائحه وفواضله غير متناهية، كما قال تعالى في كلماته وحكمه: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ} [لقمان:27] الآية.
          ومعنى ما أخبرنا به الشارع من هذه الأسماء، وإنما هو في معنى الشرع لنا في الدعاء بها، لأن الحديث مبني على الآية، وهي قوله: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:181] فكأن ذكر هذا العدد إنما هو لشرع الدعاء به.
          قال المهلب: وهذا القول أميل إلى النفوس، ونقله النووي عن اتفاق العلماء؛ لإجماع الأمة على أن الله تعالى لا يبلغ كنهه الواصفون، ولا ينتهي إلى صفاته المفرطون، دليل لازم أن له أسماء غير هذه وصفات، وإلا فقد تناهت صفاته تعالى الله عن ذلك، وهذا قول أبي الحسن الأشعري وجماعة من أهل العلم.
          قال ابن الطيب: وليس في الحديث دليل على أنه ليس لله أكثر من ذلك، لكن ظاهره يقتضي أن من أحصاها على وجه التعظيم لله دخل الجنة، وإن كان له أسماء أخر.
          وقال القابسي: أسماء الله وصفاته لا تعلم إلا بالتوقيف، وهو: الكتاب والسنة واتفاق الأمة، وليس للقياس فيه مدخل، وما أجمعت عليه الأمة، فإنما هو عن سمع علموه من بيان الرسول، قال: ولم يذكر في كتاب الله لأسمائه عدد مسمى، وقد جاء حديث أبي هريرة هذا، وقد أخرج بعض الناس من كتاب الله تسعة وتسعين اسماً والله أعلم بما خرج من هذا الحديث إن كان كل ذلك أسماء أو بعضها أسماء وبعضها صفات، ولا يسلم له ما نقله من ذلك.
          وقال الداودي: لم يثبت عن رسول الله أنه نص على التسعة وتسعين اسماً.
          وسيأتي تفسير الإحصاء في الاعتصام، وروى وكيع، عن مالك بن مغول، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه أنه ◙ سمع رجلاً يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، فقال: ((لقد دعا باسم الله الأعظم، إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى)).
          وروى شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد مرفوعاً: ((اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين {وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة:163])) وروي عن علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيب، عن سعد بن مالك مرفوعاً: ((اسم الله الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب دعوة يونس بن متى، ألم تسمع قوله {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ} إلى قوله: {الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء:87-88] فهو شرط الله لمن دعا بها)).
          قال الطبري: اختلف السلف في ذلك، فقال بعضهم في ذلك ما قال قتادة: اسم الله الأعظم: اللهم إني أعوذ بأسمائك الحسنى كلها، ما علمت منها وما لم أعلم، وأعوذ بأسمائك التي إذا دعيت بها أجبت، وإذا سئلت بها أعطيت.
          وقال آخرون: اسم الله الأعظم هو الله، ألم تسمع قوله: {هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [الحشر:22] إلى آخر السورة، وقال آخرون بأقوال مختلفة لروايات رووها عن العلماء.
          قال الطبري: والصواب في كل ما روينا في ذلك عن رسول الله وعن السلف أنه صحيح؛ لأنه لم يرو عن أحد منهم أنه قال في شيء من ذلك، لقد دعا باسمه الأعظم الذي لا اسم له أعظم منه، فيكون ذلك من روايتهم اختلافاً، وأسماؤه كلها عظيمة جليلة، وليس منها اسم أعظم من اسم.
          ومعنى قوله: (لقد دعا باسمه الأعظم) العظيم، كقوله: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم:27] أي: هين يوضحه حديث حفص بن أخي أنس بن مالك، عن أنس، أنه ◙ قال: ((لقد دعا باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب)) فقال: ((باسمه العظيم)) إذا كان معنى ذلك ومعنى الأعظم واحداً.
          وقال القابسي: لا يجوز أن يقال في أسمائه وصفاته ما يشبه المخلوقات، ولو كان في أسمائه اسم أعظم من اسم لكان غيره، ومنفصلاً منه، والاسم هو المسمى على قول أهل السنة، فلا يجوز أن يكون الاسمان متغايرين.
          قال: ومن جعل اسماً أعظم من اسم / ، صار إلى قول من يقول: القرآن مخلوق، ومسألة الاسم قيل: هو المسمى، سلفت.
          فإن قلت: فلو كان كما وصفت كل من أسمائه عظيماً، لا شيء منها أعظم من شيء لكان كل من دعا باسم من أسمائه مجاباً دعاؤه، كما استجيب دعاء صاحب سليمان، الذي أتاه بعرش بلقيس من مسيرة شهر قبل أن يرتد إلى سليمان طرفه؛ لأنه كان عنده علم من اسم الله الأعظم، وكان عيسى يحيي الموتى، ويبرئ الأكمه والأبرص، وقد يدعو أحدنا الدهر الطويل بأسمائه فلا يستجاب له، فدل أن الأمر بخلاف ذلك.
          قيل: بل الأمر في ذلك كما قلناه، ولكن أحوال الداعين مختلفة، فمن داع ربه لا ترد دعوته، ومن داع محله محل من غضب الله عليه، وعرضة للبلاء والفتنة، فلا يرد كثيراً من دعائه ليبتليه، ويبتلي به غيره، ومن داع يوافق دعاؤه محتوم قضائه، ومبرم قدره، وقد قال ◙: ((ما من مسلم يدعو إلا استجيب له، ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم، إما أن يعجل له في الدنيا، وإما أن يدخر له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء بقدر ما دعا)) وسلف.
          وقع هنا من رواية سفيان، عن أبي الزناد ((مائة إلا واحدة)) ولا يجوز في العربية، وقد جاء في الاعتصام ((إلا واحداً)) من رواية شعيب، عن أبي الزناد، وهو الصحيح في العربية؛ لأن الاسم مذكر، فلا يستثنى منه إلا مذكر مثله، نبه عليه ابن بطال، وقد روي هنا من طريق الأول ((واحدا)).
          الوتر بكسر الواو وفتحها، وقرئ بهما.
          قال الخطابي: فيه دليل على أن الله أشهر أسمائه؛ لإضافة هذه الأسماء إليه، وقد روي أنه الاسم الأعظم. قال اللالكائي: وإليه ينسب كل اسم له، فيقال: الرءوف الرحيم الله، أو من أسماء الله، ولا يقال: من أسماء الرءوف الكريم الله.
          وذكر ابن العربي القاضي عن بعضهم أن لله تعالى ألف اسم، قال: وهذا قليل فيها.
          وأما نفس هذه الأسماء فقد جاءت مفصلة في (ت) والحاكم وغيرهما، وفي بعض الأسماء خلاف، وقيل: إنها مخفية التعيين كالاسم الأعظم، وليلة القدر، ونظائرها(1).
          واختلف في معنى الإحصاء، في رواية أخرى فذكر (خ) وغيره أنه حفظها، وهو الصحيح عملاً بالرواية الأخرى: ((من حفظها)) وقيل: معناه: عدها في الدعاء بها وقيل: أطاقها أي: أحسن المراعاة لها والمحافظة على ما تقتضيه وصدق معانيها، وقيل: معناه العمل بها، والطاعة بمعنى كل اسم منها، والإيمان بها لا يقتضي عملاً. وأغرب بعضهم فقال: أراد حفظ القرآن أجمع وتلاوته كله؛ لأنه مستوف لها.
          وقال الخطابي: يكون الإحصاء بمعنى العقل والمعرفة، فيكون معناها: من عرفها وعقل معانيها وآمن بها دخل الجنة، مأخوذ من الحصاة: وهو العقل.
          والعرب تقول: فلان ذو حصاة؛ أي: ذو عقل.
          قوله: (يحب الوتر) معناه: في حق الله الواحد الذي لا شريك له ولا نظير، ومعنى (يحبه): يفضله في الأعمال وكثير من الطاعات، فجعل الصلاة خمساً، والطهارة ثلاثاً، والطواف سبعاً، والسعي سبعاً، ورمي الجمار سبعاً، وأيام التشريق ثلاثة، والاستنجاء ثلاثاً، وشبه ذلك.
          وقيل: معناه ينصرف إلى من يعبد الله بالوحدانية والتصرف مخلصاً.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: فإن قلت: ما الحكمة في ذكرها تسعة وتسعين هل لهذا العدد خصوصية)).