مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب رفع الأيدي في الدعاء

          ░23▒ باب رفع الأيدي في الدعاء
          وقال أبو موسى: دعا النبي صلعم ثم رفع يديه، وقال ابن عمر: رفع النبي صلعم يديه وهذان سلفا بإسنادهما.
          والأويسي: عبد العزيز بن عبد الله بن يحيى بن عمرو بن أويس، ابن أخي عبد الله ابن سعد العامري، الفقيه. انفرد به (خ)، وهو ثقة مكثر.
          واختلف في رفع اليدين في الدعاء في غير الصلاة، كما قال الطبري: فكان بعضهم يختار إذا دعا الله في حاجته أن يشير بإصبعه السبابة، ويقول: ذلك الإخلاص. ويكره رفع اليدين.
          وروى شعبة عن قتادة قال: رأى ابن عمر قوماً رفعوا أيديهم فقال: من يتناول هؤلاء؟! فوالله لو كانوا على رأس أطول جبل ما ازدادوا من الله قرباً. وكرهه جبير بن مطعم، ورأى شريح رجلاً رافعاً يديه يدعو فقال: من تتناول بها لا أم لك؟!
          وقال مسروق لقوم رفعوا أيديهم: قد رفعوها قطعها الله.
          واعتلوا بحديث عمارة بن ريبة السالف.
          وكان بعضهم يختار أن يبسط كفه رافعهما.
          ثم يختلفون في صفة رفعهما، حذو صدره بطونها إلى وجهه، روي ذلك عن ابن عمر.
          وقال ابن عباس: إذا رفع يديه حذو صدره فهو الدعاء، وكان علي يدعو بباطن كفيه، وعن أنس مثله.
          واحتجوا بما رواه صالح بن كيسان، عن محمد بن كعب القرظي، عن ابن عباس، عن رسول الله قال: ((إذا سألتم الله ╡ فسلوه ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها، وامسحوا بها وجوهكم)).
          وكان آخرون يختارون رفع أيديهم إلى وجوههم، روي ذلك عن ابن عمر وابن الزبير، واعتلوا بما رواه حماد بن سلمة عن بشر بن حرب قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: وقف رسول الله بعرفة يدعو وجعل ظهر كفيه مما يلي وجهه، ورفعهما فوق ثدييه، وأسفل من منكبيه.
          وكان آخرون يختارون رفع أيديهم حتى يحاذوا بها وجوههم وظهورهما مما يلي وجوههم، وعن ابن عباس قال: إذا أشار أحدكم بإصبع واحدة فهو الإخلاص، وإذا رفع يديه حذو صدره فهو الدعاء، وإذا رفعهما حتى يجاوز بهما رأسه، وظاهرهما مما يلي وجهه فهو الابتهال. واحتجوا بحديث أبي موسى وابن عمر وأنس أنه ◙ كان يرفع [يديه] في الدعاء حتى يرى بياض إبطيه.
          والصواب كما قال الطبري أن يقال: كل هذه الآثار المروية عن رسول الله متفقة غير مختلفة، والعمل بكل ذلك وجه صحيح، فأما الدعاء بالإشارة بالأصبع الواحد فكما قال ابن عباس: إنه الإخلاص، والدعاء ببسط اليدين، والابتهال رفعهما.
          وقد روى عمر بن نبهان عن قتادة عن أنس قال: رأيت رسول الله يدعو بظهر كفيه وبباطنهما. ويجوز أن يكون ذلك كان من رسول الله؛ لاختلاف أحوال الدعاء كما قال ابن عباس، وجائز أن يكون إعلاماً منه بسعة الأمر في ذلك، وأن لهم فعل أي ذلك شاءوا في حال دعائه، غير أن أحب الأمر في ذلك أن يكون اختلاف هيئة الداعي على قدر اختلاف حاجته.
          وأما الاستعاذة والاستخارة فأحب الهيئات منها هيئة المبتهل؛ لأنها أشبه بهيئة المستخير.
          وقد روى ابن جريج، عن مقسم، عن ابن عباس، عن النبي صلعم قال: ((لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن: في بدء الصلاة، وإذا رأيت البيت، وعلى الصفا والمروة، وعشية عرفة، وبجمع، وعند الجمرتين)).
          وقد ثبت عن رسول الله رفع الأيدي مطلقاً من وجوه: منها: حديث أبي موسى وابن عمر وأنس من طرق أثبت من حديث أنس، رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عنه. وذلك أن سعيداً تغير عقله وحالته في آخر عمره، وقد خالفه شعبة في روايته عن قتادة عن أنس، فقال فيه: كان رسول الله يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه. ولا شك أن شعبة أثبت من سعيد.
          وقد روى جعفر بن ميمون، عن أبي عثمان، عن سلمان مرفوعاً: ((إن ربكم حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً)).
          قال في ((المدونة)): وعزم عليهم / الأمر في الاستسقاء فرفع مالك يديه وجعل بطونهما إلى الأرض وظهورهما إلى السماء، وقال: إن كان الرفع فهكذا.
          وقيل: أما في الرهبة فكذلك، وأما في الرغبة فيجعل بطون الكفين إلى السماء. وقيل: يجعل بطونهما إلى السماء في كل حال.
          قال الداودي: وروي في حديث في إسناده نظر أن الداعي يمسح وجهه بيديه عند آخر دعائه، ورأيت لابن شعبان أنه مكروه. قلت: أخرجه (ت) والحاكم من حديث عمر، وضعفه (ت) ونقل عنه تصحيحه، وفيه نظر.