مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب ما يكره من السجع في الدعاء

          ░20▒ باب [ما يكره من] السجع في الدعاء
          فيه حديث الزبير بن الخريت بكسر الخاء المعجمة ثم راء مشددة ثم ياء ثم تاء بعد.
          أخرج له (م) أيضاً عن عكرمة، عن ابن عباس قال: حدث الناس كل جمعة مرة، فإن أبيت فمرتين، فإن أكثرت فثلاث مرار، ولا تمل الناس هذا القرآن الحديث.
          قوله: (لا يفعلون إلا ذلك) يعني: لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب.
          هذا الحديث أخرجه الطبراني من هذا الوجه وقال: لا يفعلون ذلك، وهو أشبه بما في الكتاب من قوله: إلا ذلك.
          والملل: السآمة يقال: مله: إذا سئمه.
          و(لا ألفينك) أي: لا أجدنك؛ أي: لا تفعل ذلك، فألفينك فاعله.
          قوله: (تأتي القوم) إلى قوله: (فتملهم) هو مرفوع أيضاً معطوف على (فتقطع(1) عليهم حديثهم) قاله ابن التين قال: وضبط في بعض الكتب بنصب قولهم على أنه جواب النهي. وصوبه بعضهم قال: والصواب أنه معطوف على تأتي.
          قوله: (إلا ذلك) أي: لا يفعلون إلا كل ما أمرك به من جميع ما ذكرته لك، وقيل: لا يفعلون إلا اجتناب ذلك، والمعنى: واحد.
          ومراد ابن عباس بالسجع المستكثر منه وأكثر دعائه وكلامه سجع، قاله الداودي، قال: وهو كثير في القرآن. قال غيره: وإنما ذلك في متكلف السجع، أما الطبع فلا. وهو قول ابن بطال قال: إنما نهي عنه في الدعاء والله أعلم لأن طلبه فيه تكلف ومشقة، وذلك مانع من الخشوع وإخلاص التضرع لله.
          وقد جاء في الحديث: ((إن الله لا يقبل من قلب غافل لاه)) وطالب السجع في دعائه همته في تزويج الكلام ونسجه، ومن شغل فكره بذلك وكد خاطره بتكلفه فقلبه عن / الخشوع غافل لاه؛ لقوله: {مَّا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الأحزاب:4] فإن قيل: قد وجد في دعائه نحو ما نهى عنه ابن عباس وهو قوله: ((اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب)).
          قيل: هذا يدل أن نهيه عن السجع إنما أراد به من يتكلفه في حين دعائه فيمنعه من الخشوع كما ذكرنا، وأما إذا تكلم به طبعاً من غير مؤنة ولا تكلفة أو حفظه قبل وقت دعائه مسجوعاً فلا يدخل في النهي عنه؛ لأنه لا فرق حينئذ بين المسجوع وغيره؛ لأنه لا يتكلف صنعته وقت الدعاء، فلا يمنعه ذلك من إخلاص الدعاء والخشوع.
          وفيه: أنه يكره الإفراط في الأعمال الصالحة؛ خوف الملل لها والانقطاع عنها، وكذلك كان ◙ يفعل، كان يتخول أصحابه بالموعظة في أيام كراهة السآمة عليهم وقال: ((اكلفوا من العمل ما تطيقون)) الحديث.
          وفيه: أنه ينبغي ألا يحدث بشيء من كان في حديث حتى يفرغ منه.
          وفيه: أنه لا ينبغي نشر الحكمة والعلم ولا الحديث بهما من لا يحرص على سماعهما وتعليمهما، فمتى حدث به من يشتهيه ويحرص عليه كان أحرى أن ينتفع به ويحسن موقعه عنده، ومتى حدث به من لا يشتهيه لم يحسن موقعه، وكان في ذلك إذلال للعلم وحط له، والله قد رفع قدره حين جعله سبباً إلى معرفة توحيده وصفاته تعالى، وإلى علم دينه، وما يتعبد به خلقه.


[1] في المخطوط: ((مرفوع)) ولعل الصواب ما أثبتناه.