مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب الدعاء برفع الوبأ والوجع

          ░43▒ باب الدعاء برفع الوباء والوجع
          فيه حديث عائشة قالت: قال النبي صلعم: ((اللهم حبب إلينا المدينة)) الحديث.
          وحديث سعد: دعاني رسول الله في حجة الوداع الحديث وسلف غير مرة، ولم يذكر هنا دعاءه له برفع الوجع، وسلف في باب دعاء العائد للمريض.
          وفي دعائه ◙ برفع الوباء والوجع رد على من زعم أن الولي لا يكره شيئاً مما قضى الله عليه، ولا يسأله كشفه عنه، ومن فعل ذلك لم تصح له ولاية الله، ولا خفاء بسقوط هذا؛ لأنه ◙ قال: ((اللهم حبب إلينا المدينة وانقل حماها)) فدعا بنقلها عن المدينة ومن فيها، وهو داخل في تلك الدعوة، ولا توكل أحد يبلغ توكله، فلا معنى لقولهم، وقد سلف مستقصى في الحج.
          والوباء: مهموز يمد ويقصر، فجمع المقصور: أوباء. والممدود: أوبئة. ولما دعا بنقلها إلى الجحفة لم تزل من يومئذ أكثر بلاد الله حمى، وأنه يتقى شرب الماء من عينها التي يقال لها: عين حم، وقل من شرب منها إلا حم.
          وقيل: إن أهل الجحفة كانوا مشركين يوم دعا بنقل الحمى إليهم(1).
          قوله: (في حجة الوداع) / هو الصواب، وغلط (ابن عيينة) حيث قال: كان ذلك يوم الفتح.
          (وأشفيت): أي: قاربت الموت.
          قوله: (بلغ بي من الوجع ما ترى) ولم ينكره عليه، ففي ذكر المرء لما نزل به إذا لم يرد الشكوى، وكان المعول له ممن ترجى بركة دعائه، وقد قال ◙: ((وارأساه)) وقال أيوب ◙: {مَسَّنِيَ الضُّرُّ} [الأنبياء:83].
          قوله: (أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا) احتج به أهل الظاهر أن من أوصى بأكثر من ثلثه لا يجوز، وإن أجازه الوارث. قال: ولم يقل: إن أجاز ورثتك جاز.
          قوله: (الثلث كثير) وقال ابن عباس: لو غض الناس من الثلث إلى الربع فإن رسول الله قال: ((الثلث والثلث كثير)) وبه قال سحنون، وقال جماعة: الخمس.
          (والعالة): الفقراء، أو الفاقة، والمعنى: ذوي فاقة، و(يتكففون) يسألون بأكفهم.
          قوله: (أخلف بعد أصحابي؟) قيل معناه: بمكة، يبقى بعدهم لما به من الوجع. وقيل: لما قال له: ((لن تنفق نفقة)) فهم عنه أنه لا يموت من مرضه، فأجابه وهو: ((إنك لن تخلف)) إلى آخره.
          قوله: (حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون) قيل: هم من قتلوهم إذ لم يسلموا. وقيل: إن عبيد الله أمر عمر بن سعد ولده على الجيش الذين لقوا الحسين فقتلوه بأرض كربلاء.
          قوله: (لكن البائس سعد بن خولة) قيل: هو مرفوع. وقيل: من قول الراوي.
          والبائس: من أصابه البؤس.
          وقول سعد: رثى له رسول الله أن مات بمكة، كذا هو هنا مبين أنه من قول سعد، وقالت جماعة: هو من قول الزهري.
          وقد قال ابن مزين: إنما رثى له أنه أسلم وأقام بمكة ولم يهاجر، وأنكر ذلك عليه؛ لأنه معدود عند أهل الصحيح فيمن شهد بدراً، كما ذكره (خ) وغيره.
          واختلف متى رجع إلى مكة؟ فقيل: مات بها في حجة الوداع، وإنما رثى له؟ لأنه قال: ((كل من يهاجر من بلده يكون له ثواب الهجرة من الأرض التي هاجر فيها إلى الأرض التي هاجر إليها إلى يوم القيامة)) فحرم ذلك لما مات بمكة.
          وقيل: رجع إلى مكة بعد شهوده بدراً.
          وفي (خ) فيما سلف: ((يرحم الله ابن عفراء)) قيل: هذا هو الذي رثى له رسول الله.
          وقال الداودي: لم يكن للمهاجرين الأولين أن يقيموا بمكة إلا ثلاثة أيام بعد الصدر، فدل ذلك أن سعد بن خولة توفي قبل تلك الحجة. وقد أطال المقام بها بغير عذر، ولو كان له عذر لم يأثم؛ لأنه قال حين قيل له: إن صفية حاضت: ((أحابستنا هي؟)) وليس تلك الحجة حجة الوداع. ومات سعد بن خولة، وكان بدريًّا، وإنما أقام أكثر مما أبيح له من المقام. قال: وتحتمل هذه اللفظة أن يقولها رسول الله ثم يحج بعد ذلك، فقرنها المحدث بهذا الحديث؛ لأنها من تكملته. انتهى كلامه.
          والمعروف أنه لم يحج بعد أن هاجر إلا حجة واحدة، حجة الوداع.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: فإن قلت: ما الحكمة في نقل الحمى إلى الجحفة دون غيرها؟ قلت: هذا سؤال وقري إذ أن أهل جحفة كانوا أشد الكفار أذى من غير أهل الجحفة، أو هو أمر أطلع الله الشارع عليه ولم يعلم به)).