مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب فضل ذكر الله عز وجل

          ░66▒ باب فضل ذكر الله تعالى
          فيه حديث أبي موسى قال: قال النبي صلعم: ((مثل الذي يذكر ربه)) الحديث.
          وحديث جرير، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: ((إن ملائكة يطوفون)) الحديث ثم قال: رواه شعبة، إلى آخره.
          هذا حديث شريف في فضل ذكر الله تعالى وتسبيحه وتهليله، وقد وردت في ذلك أخبار كثيرة منها: ما رواه زيد بن أسلم، عن ابن عمر قال: قلت لأبي ذر: يا عم، أوصني. قال: سألت رسول الله صلعم كما سألتني فقال: ((ما من يوم ولا ليلة إلا ولله فيه صدقة يمن بها على من يشاء من عباده، وما من الله على عباده بمثل أن يلهمهم ذكره)).
          وقال ابن عباس يرفع الحديث: ((من عجز منكم عن الليل أن يكابده، وبخل بالمال أن ينفقه، وجبن عن العدو أن يجاهده فليكثر من ذكر الله)).
          وعن جابر رفعه: ((ارتعوا في رياض الجنة)) قالوا: يا رسول الله، وما رياض الجنة؟ قال: ((مجالس الذكر، فاغدوا وروحوا في ذكر الله، واذكروه في أنفسكم، من أحب أن يعلم منزلته عند الله فلينظر كيف منزلة الله عنده، إن الله ينزل العبد من نفسه حيث أنزله من نفسه)).
          وعن ابن عباس قال: سأل موسى ◙ ربه فقال: أي رب أي عبادك أحب إليك؟ قال: الذي يذكرني ولا ينساني.
          ذكر هذه الآثار الطبري في ((آداب النفوس)).
          وفقه الباب: أن معنى أمر الله تعالى العبد بذكره وترغيبه فيه؛ ليكون ذلك سبباً لمغفرته له، ورحمته إياه، لقوله تعالى: {اذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152] وذكر الله العبد رحمة الله.
          قال ثابت البناني: قال أبو عثمان النهدي: إني لأعلم الساعة التي يذكرون الله فيها. قيل: ومن أين تعلمها؟ قال: يقول الله: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}.
          وقال السدي: ليس من عبد يذكر الله إلا ذكره الله، لا يذكره مؤمن إلا ذكره برحمته، ولا كافر إلا ذكره بعذابه.
          وقيل: المعنى: اذكروا نعمتي عليكم شكراً أذكركم برحمتي، والزيادة من النعم.
          وروي عن عمر بن الخطاب أن الذكر ذكران: ذكر الله عند أوامره ونواهيه، وباللسان، وكلاهما فيه الأجر، إلا أن ذكر الله تعالى عند أوامره ونواهيه إذا فعل الذاكر ما أمر به، وانتهى عما نهي عنه، أفضل من ذكره باللسان مع مخالفة أمره ونهيه، والفضل كله والشرف والأجر في اجتماعهما من الإنسان، وهو أن لا ينسى ذكر الله عند أمره ونهيه، فينتهي، ولا ينساه من ذكره بلسانه، وسيأتي في كتاب الرقاق في باب: من هم بحسنة أو سيئة، هل تكتب الحفظة وسيأتي في الاعتصام في باب قوله: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران:28] حديث أبي هريرة عن رسول الله: ((إذا ذكرني عبدي / في نفسه)) الحديث.
          قال الطبري: ومن جسيم ما يرجى به العبد الوصول إلى رضا ربه تعالى، ذكره إياه بقلبه؛ فإن ذلك من شريف أعماله عندي؛ لحديث أبي هريرة.
          فإن قلت: فهل من أحوال العبد حال يجب عليه فيها ذكر الله فرضاً بقلبه؟
          قيل: نعم، هي أحوال أداء فرائضه من صلاة وصيام وزكاة وحج، وسائر الفرائض، فإن على كل من لزمه عمل شيء من ذلك أن يكون عند دخوله في كل ما كان من ذلك له تطاول، فابتداء بأول، وانقضاء بآخر أن يتوجه إلى الله بعمله، ويذكره في حال ابتدائه فيه، وما كان نفلاً وتطوعاً، فإنه وإن لم يكن فرضاً عليه، فلا ينتفع به عامله، وإن لم يرد به وجه الله، ولا ذكره عند ابتدائه فيه.
          قوله: (تعالوا هلموا إلى حاجتكم) هذه لغة أهل نجد، تثني وتجمع، وتقول للنساء: هلمن، وللواحدة: هلمي، ولغة أهل الحجاز يستوي فيها المذكر والمؤنث والواحد والجمع، قال تعالى: {هَلُمَّ إِلَيْنَا} [الأحزاب:18].
          قال الخليل: أصله (لما) من قولهم: لم الله شعثه؛ أي: جمعه، كأنه أراد: لم نفسك إلينا؛ أي: أقرب، و(ها) للتنبيه، وإنما حذفت ألفها لكثرة الاستعمال، وجعلا اسماً واحداً.
          وقال ابن فارس: أصلها هل أم كلام من يريد إتيان الطعام، ثم كثرت حتى تكلم بها الداعي مثل: تعال وحي، كأنه يقولها من كان انتقل من مكان فوق. قال: ويحتمل أن يكون معناها: هل لك في الطعام أم؛ أي: قصد وإذن.
          قوله: (فيحفونهم بأجنحتهم) أي: يطيفون بهم، ويقال: حف به القوم؛ أي صاروا في أحفته، ومنه: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ} [الزمر:75]
          استدل بعض الأشاعرة على المعتزلة أن الله تعالى يجوز أن يرى لقوله في الحديث: ((كيف لو رأوني)).