مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب الدعاء عند الكرب

          ░27▒ باب الدعاء عند الكرب
          فيه حديث مسلم بن إبراهيم، بسنده عن ابن عباس قال: كان النبي صلعم يدعو عند الكرب: الحديث.
          روى هذا الحديث عن رسول الله بزيادة واختلاف في لفظه، كما رواه ابن أبي شيبة ولما خرج (ن) حديث ابن عباس عن محمد بن حاتم، بسنده عن يوسف بن عبد الله بن الحارث قال: قال لي أبو العالية: ألا أعلمك دعاء؟ أنبئت أن النبي صلعم فذكره ولم يسنده.
          ولابن أبي شيبة في باب: ما كان ◙ يقوله عند الكرب: ثنا زيد بن حباب، بسنده عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، حدثني أبي أن رسول الله صلعم قال: كلمات للمكروب: ((اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت)).
          وقال أحمد بسنده عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن عبد الله قال رسول الله صلعم: ((ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو علمته أحداً من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي. إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرحاً)).
          وفي كتاب ((مجابي الدعوة)) لابن أبي الدنيا من حديث فهير بن زياد، عن موسى بن وردان، عن الكلبي وليس بصاحب التفسير عن الحسن عن أنس: كان رجل من الصحابة من الأنصار يكنى أبا معلق وكان تاجراً فلقيه لص فأراد قتله، فقال: دعني أصل أربع ركعات قال: افعل. فصلى ثم قال: يا ودود يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا فعالاً لما تريد، أسألك بعزتك التي لا ترام، وملكك الذي لا يضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شر هذا اللص، يا مغيث أغثني. ثلاث مرات، فإذا هو بملك بيده حربة، فقتل اللص فقال: من أنت؟ قال: ملك من السماء الرابعة، لما دعوت سمعت ضجة أهل السماء فسألت الله أن يوليني قتل اللص ففعل. قال أنس: فاعلم أنه من صلى أربع ركعات ثم دعا بهذا الدعاء استجيب له مكروباً كان أو غير مكروب.
          ورواه أبو الشيخ الأصفهاني في كتاب ((الوظائف)) من حديث عمارة بن صفوان: بسنده عن موسى بن وردان وكان السلف كما قال الطبري يدعون بدعاء ابن عباس، ويسمونه دعاء الكرب. قال أيوب: كتب إليه أبو قلابة بدعاء الكرب وأمره أن يعلمه ابنه.
          فإن قلت: هذا ذكر وليس فيه دعاء، قلت: هو ذكر يستفتح به الدعاء، ثم يدعو بعد بما شاء على ما روي عن ابن عباس أن رسول الله صلعم كان إذا حزبه أمر قال: ((لا إله إلا الله الحليم الكريم)) إلى آخره ثم يدعو.
          توضحه رواية الأعمش عن النخعي قال: كان يقال: إذا بدأ الرجل بالثناء قبل الدعاء استوجب، وإذا بدأ بالدعاء قبل الثناء كان على الرجاء.
          ويحتمل أيضاً ما روي عن حسين المروزي قال: سألت ابن عيينة: ما كان أكثر قوله ◙ بعرفة؟ فقال: ((لا إله إلا الله، سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ولله الحمد)) ثم قال لي سفيان: إنما هو ذكر وليس فيه دعاء. ثم قال لي: أما علمت قول الله حيث يقول: ((إذا شغل عبدي ثناؤه علي عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين)) قلت: نعم. حدثتني أنت وابن مهدي بذلك عن منصور بن المعتمر، عن مالك بن الحويرث، ثم قال سفيان: أما علمت قول أمية بن أبي الصلت حين أتى ابن جدعان يطلب نائلة / وفضله قلت: لا. قال: قال أمية:
أأطلب حاجتي أم قد كفاني                     عبادك إن شيمتك الحياء
إذا أثنى عليك المرء يوماً                     كفاه من تعرضه الثناء
          قال سفيان: هذا مخلوق حين نسب إلى أن يكتفي بالثناء عليه دون مسألته فكيف بالخالق؟!
          قال ابن بطال: وحدثني أبو بكر الرازي قال: كنت بأصبهان عند الشيخ أبي نعيم أكتب الحديث عنه، وكان هناك شيخ آخر يعرف بأبي بكر بن علي، وكان عليه مدار الفتيا، فحسده بعض أهل البلد، فبغاه عند السلطان فأمر بسجنه، وكان ذلك في شهر رمضان، قال أبو بكر: فرأيت النبي صلعم في المنام وجبريل ◙ عن يمينه يحرك شفتيه لا يفتر من التسبيح فقال لي ◙: قل لأبي بكر بن علي يدعو بدعاء الكرب الذي في ((صحيح البخاري)) حتى يفرج الله عنه. فأصبحت إليه وأخبرته بالرؤيا فدعا به فما بقي إلا قليلاً حتى أخرج من السجن. ففي هذه الرؤيا شهادة رسول الله صلعم لكتاب البخاري بالصحة بحضرة جبريل، والشيطان لا يتمثل بصورته ◙ في المنام.
          قوله: (رب العرش العظيم) وفي رواية: ((الكريم)) أي: المكرم، وهو صفة العرش.
          وقال الداودي: وقد تكون الصفة لله والذي في القرآن أنه صفة العرش قال الله تعالى: {اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} [المؤمنون:116] الآية.
          وجاء في رواية أخرى: إذا حزبه أمر هو بحاء مهملة ثم زاي ثم موحدة ثم هاء؛ أي: نابه وألم به أمر شديد. قال بعض العلماء فيما حكاه عياض: هذه الفضائل المذكورة في هذه الأذكار، إنما هي لأهل الشرف في الدين والطهارة من الكبائر دون المصرين وغيرهم، قال: وفيه نظر والأحاديث عامة.
          قال والدي ⌂:
          (باب يستجاب للعبد).
          قوله: (أبو عبيد) مصغر ضد: الحر سعد الزهري مولى عبد الله بن الأزهر مر في الصوم و(يستجاب) من الاستجابة بمعنى الإجابة، قال الشاعر:
          فلم يستجبه عند ذاك مجيب
          و(أحدكم) أي: كل واحد منكم إذ اسم الجنس المضاف مفيد للعموم على الأصح و(فيقول) بالنصب لا غير.
          فإن قلت: شرط الاستجابة العدمان عدم العجلة وعدم القول أي: قوله دعوت فلم يستجب لي فما حكمه في الصور الثلاث الباقية يعني وجودها ووجود العجلة دون القول والعكس؟ قلت: مقتضى الشرطية عدم الاستجابة في الأوليين وأما الثالثة فهي غير متصورة.
          فإن قلت: قوله تعالى: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعي} [البقرة:186] مطلق لا تقييد فيه؟ قلت: يحمل المطلق على المقيد كما هو مقرر في الدفاتر الأصولية.
          فإن قلت: هذا الإخبار يقتضي إجابة كل الدعوات التي انتفى فيها العدمان، لكن ثبت أنه صلعم قال سألت الله ثلاثاً فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة وهي أن لا يذيق بعض أمته بأس بعض، وكذا مفهوم لكل نبي دعوة مستجابة أن له دعوات غير مستجابة؟ قلت: التعجيل من جبلة الإنسان قال تعالى: {خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء:37] فوجود الشرط متعذر أو متعسر في أكثر الأحوال، وقال بعضهم: إن الله لا يرد دعاء المؤمن وإن تأخر وقد لا يكون ما سأله مصلحة في الجملة فيعوضه عنه ما يصلحه، وربما أخر تعويضه إلى يوم القيامة.
          قوله: (أبو موسى) هو عبد الله بن قيس الأشعري، والمشهور في الإبط سكون الموحدة و(خالد) هو ابن الوليد المخزومي سيف الله، وقصته أنه صلعم بعثه إلى بني جذيمة بفتح الجيم وكسر المعجمة فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون صبأنا / فجعل يقتل ويأسر فذكر ذلك لرسول الله صلعم فرفع يديه وقال: ((اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد)) مر في كتاب المغازي.
          قوله: (الأويسي) منسوب مصغر الأوس بالواو والمهملة عبد العزيز و(محمد بن جعفر) ابن أبي كثير ضد القليل الأنصاري و(شريك) ضد الوحيد ابن عبد الله بن أبي نمر بلفظ الحيوان المشهور المدني.
          قوله: (محمد بن محبوب) ضد المبغوض البصري مر في الغسل و(أبو عوانة) بفتح المهملة وخفة الواو وبالنون الوضاح الواسطي (فتغيمت) الفاء فيه تسمى الفاء الفصيحة الدالة على محذوف؛ أي: فدعا فاستجاب الله دعاءه فتغيمت و(حوالينا) بفتح اللام منصوب على الظرفية أي: أمطر حوالينا ولا تمطر علينا.
          فإن قلت: أين موضع الدلالة على الترجمة؟ قلت: لفظ يخطب إذ الخطب غير مستقبل للقبلة مر الحديث في كتاب الاستسقاء.
          قوله: (وهيب) مصغر الوهب ابن خالد و(عمرو ابن يحيى) المازني الأنصاري و(عباد) بفتح المهملة وشدة الموحدة ابن تميم الأنصاري، روى عن عمه عبد الله، وفي الحديث أن الإمام يخرج للاستسقاء ويقلب الرداء خلافاً للحنفية.
          فإن قلت: من أين تستفاد الترجمة؟ قلت: من السياق حيث قال خرج يستسقي.
          و(الاستسقاء) هو الدعاء، ثم قسم الاستسقاء إلى ما قبل الاستقبال وإلى ما بعده.
          قوله: (لخادمه) أي: لأنس بن مالك و(عبد الله بن محمد بن أبي الأسود) ضد الأبيض مر في الصلاة و(حرمي) بفتح المهملة والراء وبالميم وشدة التحتانية ابن عمارة بضم المهملة وتخفيف الميم العتكي بالمهملة والفوقانية المفتوحتين البصري، واسم أم أنس: الرميصاء مصغر الرمصاء بالراء والمهملة الأنصارية المشهورة بأم سليم مصغر السلم وقد استجاب الله دعاءه فيه بحيث صار أكثر أصحابه مالاً، وكان له بستان يثمر في كل سنة مرتين وأكثر ولداً كان يطوف بالبيت ومعه أكثر من سبعين نفساً من نسله.
          قوله: (الكرب) هو الحزن يأخذ بالنفس و(مسلم) بلفظ فاعل الإسلام و(هشام) هو ابن عبد الله الدستوائي و(أبو العالية) بالمهملة من العلو هو رفيع مصدر ضد الخفض البصري و(الحلم) هو الطمأنينة عند الغضب وحيث يطلق على الله يراد لازمها وهو تأخير العقوبة ووصف العرش بالعظمة هو من جهة الكمية و(بالكرم) أي: الحسن من جهة الكيفية فهو ممدوح ذاتاً وصفة، وخصص بالذكر لأنه أعظم أجسام العالم فيدخل الجميع تحته دخول الأدنى تحت الأعلى.
          ولفظ (الرب) من بين سائر الأسماء الحسنى ليناسب كشف الكروب الذي هو مقتضى التربية ولفظ (الحليم) لأن كرب المؤمن غالباً إنما هو على نوع تقصير في الطاعات أو غفلة في الحالات ليشعر برجاء العفو المقلل للحزن.
          وفيه توحيد الذي هو أصل التنزيهات المسماة بالأوصاف الجلالية.
          وفيه العظمة التي تدل على القدرة إذ العاجز لا يكون عظيماً والحلم الذي يدل على العلم إذ الجاهل بالشيء لا يتصور منه الحلم عنه، وهما أصل الصفات الوجودية الحقيقية المسماة بالأوصاف الإكرامية، وعند ذكر الله تعالى بها تطمئن القلوب، وهذا الذكر من جوامع كلم رسول الله صلعم لا سيما على راوي هذا الحديث حبر الأمة وبحر العلم عبد الله بن عباس، وقد كنت متشرفاً عند شرح هذا الباب بابتداء مجاورة قبره المبارك بالحرم المحرم بوج الطائف والحمد لله على ذلك / .
          فإن قلت: هذا ذكر لا دعاء؟ قلت: إنه ذكر يستفتح به الدعاء بكشف كربه وقال سفيان بن عيينة: أما علمت أن الله تعالى قال: من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين.
          قوله: (وهب) مكبراً ابن جرير و(شعبة) أي: ابن الحجاج وفي بعضها وهيب أي: ابن خالد و(سعيد) أي ابن [أبي] عروبة بفتح المهملة وضم الراء وبالواو وبالموحدة.
          الزركشي:
          (من هنياتك) جمع هنة، ويروى: ((هنياتك))، يريد الأشعار القصار فالأراجيز.
          فنفث بمثلثة أخرة وهو النفخ مع الريق شبه البزاق مثل تفل، قال أبو عبيد إلا أن التفل لا يكون إلا ومعه شيء من الريق، وقيل: مما سواه يكون معها ريق وقيل: بعكس الأول.
          (الإهريق) بإسكان الهاء وتحريكها.
          (قال: أو ذاك) بفتح الواو على معنى التقرير.
          (الزبير بن خريت) بكسر الخاء المعجمة والراء المشددة وآخره تاء مثناة.
          (فإني عهدت رسول الله صلعم وأصحابه لا يفعلون إلا ذلك) رواه الطبراني في ((معجمه)) بلفظ: ((لا يفعلون ذلك))، وهذا أشبه من رواية (خ)، وقد أولت في بعض النسخ بمعنى: لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب، ورواه الطبراني عن البزار عن محمد بن السكن عن حبان بن هلال: ثنا هارون بن موسى بسند (خ).
          (باب الدعاء مستقبل القبلة) وفيه:
          (دعا واستسقى ثم استقبل القبلة) قال الإسماعيلي: هذا في باب الدعاء غير مستقبل القبلة أدخل، ولعل (خ) أراد أنه لما استقبل القبلة وقلب رداءه دعا حينئذ أيضاً بعد في الوجه الآخر، انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (باب الدعاء عند الكرب) قوله: وقال وهيب صوابه: وهب وهو أحمد بن سعيد بن حازم قاله أبو ذر.