مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: ليعزم المسألة فإنه لا مكره له

          ░21▒ باب ليعزم المسألة، فإنه لا مكره له
          فيه حديث أنس أنه ◙ قال: ((إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة، ولا يقولن: اللهم إن شئت أعطني)) الحديث.
          وحديث أبي هريرة أن رسول الله صلعم قال: ((لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي)) الحديث.
          معنى: (ليعزم المسألة) يجتهد في الدعاء ويلح. كما قاله الداودي، ولا يقل إن شئت كالمستثني، ولكن دعاء البائس الفقير والهاء في قوله: ((لا مكره له)) يعود على الله تعالى.
          قوله: (ما لم يعجل) أي: يصير كمن يرى أنه محقوق له أن يجاب، وإذا فعل هذا بطل وجوب الثلاثة السابقة بيانها، وهي: الإجابة فيما سأل، أو يكفر عنه، أو يدخر له.
          ومعنى: (لا مكره) أي: إنه يفعل ما يشاء من غير إكراه أحد له على ذلك، فظهر أنه ينبغي للمؤمن أن يجتهد في الدعاء، ويكون على رجاء من الإجابة، ولا يقنط من رحمة الله؛ لأنه يدعو كريماً، فبذلك تواترت الآثار عن رسول الله.
          روى شعبة، بسنده عن أبي هريرة، عن رسول الله صلعم قال: ((إذا دعا أحدكم فلا يقولن: إن شئت أعطني، ولكن ليعظم رغبته؛ فإن الله لا يتعاظم عليه شيء أعطاه)) قال الله تعالى: ((أنا عند ظن عبدي بي)) الحديث.
          وروى أبو عاصم، بسنده عن جابر، عن النبي صلعم قال: ((لا يموتن أحدكم إلا وهو حسن الظن بالله عز وجل)).
          وقال ابن مسعود: والله الذي لا إله إلا هو ما أعطي عبد مؤمن قط شيئاً خيراً من حسن الظن بالله، والله الذي لا إله إلا هو لا يحسن عبد الظن إلا أعطاه الله ظنه؛ وذلك أن الخير في يديه.
          وقال سفيان بن عيينة: لا يمنعن أحد من الدعاء ما يعلم من نفسه؛ فإن الله قد أجاب دعاء شر الخلق إبليس قال: {رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ} [الحجر:36-37] الآية.
          قال والدي ⌂:
          (باب الدعاء بعد الصلاة).
          قوله: (إسحاق) أي: ابن منصور و(يزيد) من الزيادة ابن هارون و(ورقاء) مؤنث الأورق بن عمر و(سمي) بضم المهملة وفتح الميم وشدة التحتانية و(أبو صالح) هو ذكوان السمان و(الدثور) الأموال الكثيرة و(الدثر) المحصب.
          فإن قلت: كيف يساوي قول هذه الكلمات مع سهولتها الأمور الشاقة من الجهاد ونحوه، وأفضل العبادات أحمزها؟ قلت: إذا أدى حق الكلمات من الإخلاص لا سيما الحمد في حال الفقر فهو من أعظم الأعمال مع أن هذه القضية ليست كلية، إذ ليس كل أفضل أحمز ولا العكس.
          فإن قلت: مر في آخر كتاب الصلاة الجماعة من سبح أو حمد أو كبر ثلاثاً وثلاثين وهاهنا قال عشراً؟ قلت: لما كان ثمة الدرجات مقيدة بالعلا، وكان أيضاً فيه زيادة في الأعمال من الصوم والحج والعمرة زاد في عدد التسابيح والتحاميد والتكبير مع أن مفهوم العدد لا اعتبار له، واعلم أن التسبيح إشارة إلى نفي / النقائص عن الله تعالى، وهو المسمى التنزيهات والتحميد إلى إثبات الكمالات.
          قوله: (ابن عجلان) بفتح المهملة وإسكان الجيم محمد و(رجاء) ضد الخوف ابن حيوة بفتح المهملة وسكون التحتانية وفتح الواو الكندي بكسر الكاف وتسكين النون وبالمهملة الفقيه وزير عمر بن عبد العزيز مات سنة ثنتي عشرة ومائة و(جرير) بفتح الجيم وكسر الراء، ابن عبد الحميد و(عبد العزيز بن رفيع) مصغر ضد: الخفض الأسدي المكي و(أبو الدرداء) ممدوداً، اسمه: عويمر الأنصاري و(سهيل) مصغر سهل ابن أبي صالح ذكوان السمان و(المسيب) بفتح التحتانية المشددة ابن رافع ضد الخافض الكاهلي الصوام القوام مات سنة خمسين ومائة و(وراد) بفتح الواو وشدة الراء وبالمهملة، مولى المغيرة وكاتبه.
          قوله: (منك) أي: بدلك، وهذه تسمى بمن البدلية لقوله تعالى: {أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ} [التوبة:38]، الخطابي: (الجد) يفسر بالغنى ويقال هو الحظ والبخت ومن بمعنى البدل؛ أي: لا ينفعه حظ بدلك أي: بدل طاعتك، الراغب الأصفهاني: قيل أراد بالجد أبا الأب وأبا الأم أي: لا ينفعه أحد أو نسبه كقوله تعالى: {فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ} [المؤمنون:101] ومنهم من رواه بالكسر وهو الاجتهاد أي: لا ينفع ذا الاجتهاد منك اجتهاده إنما ينفعه رحمتك مر في الجماعة.
          قوله: (أبو موسى) هو عبد الله بن قيس بن سليم بضم المهملة الأشعري و(عبيد) مصغر ضد الحر أبو عامر ابن سليم مصغراً عم أبي موسى ومرت قصته في غزوة أوطاس.
          قوله: (يزيد) من الزيادة ابن أبي عبيد تصغير العبد و(سلمة) بفتحتين ابن الأكوع مدار الكوعاء بالواو وبالمهملة والمد و(عامر) هو أخوه، وقيل عمه لأنه سلمة بن عمرو بن الأكوع و(لو أسمعتنا) جوابه محذوف أو هي للتمني ويقال للشيء هنه وأصله هنوة وتصغيرها هنية وجمعها: هنيات، يريد الأشعار القصار كالأراجيز و(يحدو) من الحداء وهو سوق الإبل والغناء لها و(السائق) هو الحادي.
          فإن قلت: المذكور ليس شعراً؟ قلت: المقصود هو هذا المصراع، وما بعده من المصاريع الأخر نحو: ولا تصدقنا ولا صلينا.
          فإن قلت: مر في الجهاد أن الارتجاز بهذه الأراجيز كان في حفر الخندق؟ قلت: لا منافاة بينهما لجواز وقوع الأمرين جميعاً.
          قوله: (لولا متعتنا) أي: وجبت الشهادة له بدعائك وليتك تركته لنا، قال ابن عبد البر: كانوا قد عرفوا أنه صلعم ما استرحم لإنسان قط في غزاة يخصه به إلا استشهد، فلما سمع عمر ذلك قال يا رسول الله لو متعتنا بعامر و(يهريق) بفتح الهاء وسكونها وحذفها، مر في غزوة خيبر.
          قوله: (عمرو بن مرة) بضم الميم وشدة الراء الجهني و(عبد الله بن أبي أوفى) بفتح الهمزة والفاء وبالقصر وكان رسول الله صلعم يمتثل أمر الله في ذلك حيث قال: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ} [التوبة:103] ولا يحسن ذلك لغير النبي صلعم أن يصلي على غيره إلا تبعاً له صلعم كآل بني هاشم والمطلب.
          قوله: (قيس بن أبي حازم) بالمهملة والزاي و(جرير) بفتح الجيم ابن عبد الله الأحمسي و(تريحني) من الإراحة بالراء و(ذو الخلصة) بالمعجمة واللام والمهملة المفتوحات موضع كان فيه صنم يعبدونه و(النصب) بضم النون وسكون المهملة وضمها ما نصب يعبد من دون الله و(اليمانية) بتخفيف الميم والتحتانية على الأصح و(أحمس) بالمهملتين قبيلة جرير و(الجمل الأجرب) أي: المطلي بالقطران بحيث صار أسود لذلك يعني صارت سوداء من الإحراق مر الحديث في الجهاد.
          قوله: (سعد بن الربيع) ضد الخريف و(أم سليم) مصغر السلم أم أنس وقد استجاب الله تعالى دعاءه في حقه وقد أكثر ماله بحيث يحكي أنه كان له بستان بالبصرة يثمر في كل سنة مرتين وأكثر ولده كان يطوف بالبيت ومعه من ذريته أكثر من سبعين نفساً.
          قوله: (عبدة) ضد الحرة ابن سليمان و(أسقطتها) أي بالنسيان أي نسيتها.
          فإن قلت: كيف جاز عليه صلعم نسيان القرآن؟ قلت: النسيان ليس باختياره، وقال الجمهور جاز النسيان عليه فيما ليس طريقه البلاغ بشرط أن لا يقر عليه، وأما في غيره فلا يجوز قبل التبليغ وأما نسيان / ما بلغ كما في ما نحن فيه فهو جائز بلا خلاف قال تعالى: {سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى. إِلَّا مَا شَاء اللهُ} [الأعلى:6-7].
          قوله: (حفص) بالمهملتين و(سليمان) أي: الأعمش و(قسما) أي: مالاً، ويجوز أن يكون مفعولاً مطلقاً والمفعول به محذوف و(وجه الله) أي: ذات الله أو جهة الله أي: لا إخلاص فيه، إذ هو منزه عن الوجه والجهة تقدم الحديث في كتاب الأنبياء.
          قوله: (السجع) هو الكلام المقفى و(يحيى بن محمد بن السكن) بالمهملة والكاف المفتوحتين، البزار بالموحدة والزاي البصري مر في صدقة الفطر.
          و(حبان) بفتح المهملة وشدة الموحدة وبالنون، ابن هلال أبو حبيب ضد العدو الباهلي و(هارون) بن موسى (المقرئ) من الإقراء النحوي الأعور مر في تفسير سورة النحل و(الزبير) مصغر الزبر بالزاي والموحدة والراء ابن الخريت بكسر المعجمة وشدة الراء وسكون التحتانية وبالفوقانية البصري مر في المظالم.
          قوله: (هذا القرآن) أي: لا تملهم عنه و(لا ألفينك) بالفاء؛ أي: لا أصادفنك وهذا النهي وإن كان بحسب الظاهر للمتكلم، لكنه في الحقيقة للمخاطب كقوله تعالى: {فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ} [الأعراف:2] وكقولهم: لا أرينك هاهنا و(أمروك) أي: التمسوا منك، وهم يستحقون الحديث ولا سآمة ولا ملالة و(ذلك) أي: التناوب في التحديث والإنصات عند اشتغالهم والاجتناب عن السمع.
          فإن قلت: قد جاء في كتاب الجهاد في باب الدعاء على المشركين اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب، وجاء أيضاً لا إله الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده؟ قلت: المكروه ما يقصد ويتكلف فيه وأما ما ورد على سبيل الاتفاق فلا بأس به، ولهذا ذم منه ما كان كسجع الكهان.
          قوله: (فليعزم) من عزمت على كذا عزماً وعزيمة إذا أردت فعله وقطعت عليه؛ أي: فليقطع بالسؤال ولا يعلق بالمشيئة.
          قوله: (عبد الله ابن مسلمة) بفتح اللام و(أبو الزناد) بكسر الزاي وبالنون عبد الله و(الأعرج) هو عبد الرحمن.
          قال العلماء (عزم المسألة) الشدة في طلبها والجزم به من غير ضعف في الطلب ولا تعليق على مشيئة وقيل هو حسن الظن بالله في الإجابة.
          وفيه استحباب الجزم فيه، إذ في هذا التعليق صورة الاستغناء عن المطلوب منه والمطلوب.
          الزركشي:
          (يتنزل) كذا الرواية هنا بمثناة من تحت ثم مثناة فوق، وبها تفسير رواية: ((ينزل)).
          (حين يبقى ثلث الليل الآخر) برفع ((الآخر)) صفة لثلث.
          (ربعي بن حراش) بحاء مهملة مكسورة.
          (خرشة) بخاء معجمة وراء مفتوحتين، انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (ذا الجد منك الجد) يروى بفتح الجيم وبكسرها، أما الفتح فمعناه البخت والحظ والعظمة والسلطان أو الغنى والمال، وأما رواية الكسر فمعناه الحرص في أمور دنياه لا ينفعه فاكتب له من الرزق فيها، وأنكر أبو عبيد الكسر وليس لإنكاره معنى، فإنها رواية أحمد بن سعيد بن حزم في ((الموطأ)).