مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب فضل التسبيح

          ░65▒ باب فضل التسبيح
          فيه حديث أبي هريرة أن رسول الله صلعم قال: من قال: سبحان الله وبحمده الحديث.
          وحديث أبي هريرة أيضاً: عن النبي صلعم قال: ((كلمتان خفيفتان)) الحديث.
          هذا الحديث يأتي خاتمة الكتاب، ومعنى التسبيح في لغة العرب: التنزيه مما نسب إليه، مما لا ينبغي، من صاحبة وولد وشريك.
          قال وهب بن منبه: ما من عبد يقول: سبحان الله وبحمده إلا قال الله تعالى: ((صدق عبدي سبحاني وبحمدي)) فإن سأل أعطى ما يشاء، وإن سكت غفر له ما لا يحصى.
          وروي عن رسول الله صلعم: ((صلاة الملائكة التسبيح، فأهل السماء الدنيا سجود إلى يوم القيامة، يقولون: سبحان ذي الملك والملكوت، وأهل السماء الثانية قيام إلى يوم القيامة، يقولون: سبحان ذي العزة والجبروت، وأهل السماء الثالثة قيام إلى يوم القيامة، يقولون: سبحان الحي الذي لا يموت)).
          وروى الليث، عن ابن عجلان قال: جئت إلى القعقاع بن حكيم في السحر أسأله فلم يجبني، فلما فرغ قال: هذه ساعة يوكل الله الملائكة بالناس، يقولون: سبحان الملك القدوس.
          وروي عن ابن عباس في قوله تعالى: {الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ} [الكهف:46] سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وهو قول سعيد بن المسيب، ومجاهد.
          فإن قلت: هل ينوب شيء عن تكرار التسبيح والتحميد؟ قيل: قد روي عن صفية قالت: مر بي النبي صلعم وأنا أسبح بأربعة آلاف نواة فقال: ((لقد قلت كلمة هي أفضل من تسبيحك)) قلت: وما قلت؟ قال: قلت: ((سبحان الله عدد ما خلق)).
          وقال بعضهم: هذه الفضائل التي جاءت عن رسول الله صلعم: ((من قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة غفر له)) وما شاكلها، إنما هي لأهل الشرف في الدين، والكمال والطهارة من الجرائم العظام، ولا يظن أن من فعل هذا، وأصر على ما شاء من شهواته وانتهك دين الله وحرمات الله، أنه يلحق السابقين المطهرين، وينال منزلتهم في ذلك بحكاية أحرف ليس معها تقى ولا إخلاص ولا عمل، ما أظله لنفسه من تأول دين الله على هواه.
          قال والدي ⌂:
          (باب قول النبي صلعم اللهم اغفر لي).
          قوله: (عبد الملك بن صباح) بتشديد الموحدة البصري مات سنة مائتين و(أبو إسحاق) هو عمرو الهمداني السبيعي و(ابن أبي موسى) الطريق الذي بعده يشعر بأن المراد به أبو بردة ابن أبي موسى يعني عامر أو الرواية التي بعد الطريق أنه هو أبو بكر بن أبي موسى، لكن قال الكلاباذي: هو عمرو بن أبي موسى الأشعري والإسراف هاهنا التجاوز عن الحد.
          و(في أمري) يحتمل أن يتعلق بالإسراف خاصة وأن يتعلق تغيره أيضاً على سبيل التنازع بين العوامل و(العمد) ضد السهو والخطأ و(الجهل) ضد العلم و(الهزل) ضد الجد.
          فإن قلت: ما وجه عطف العمد على الخطأ / قلت: إما عطف الخاص على العام باعتبار أن الخطيئة أعم من التعمد أو من عطف أحد المتقابلين على الآخر بأن تحمل الخطيئة على ما وقع على سبيل الخطأ.
          و(أنت المقدم) أي: تقدم من تشاء من خلقك إلى رحمتك بتوفيقك وتؤخر من تشاء عن ذلك بخذلانك.
          قوله: (عبيد الله بن معاذ) ابن معاذ بضم الميم فيهما العنبري بسكون النون وفتح الموحدة التميمي البصري وفي بعضها عبد الله مكبراً و(أبو إسحاق) أي: السبيعي و(أبو بردة) بضم الموحدة عامر ابن أبي موسى الأشعري و(محمد بن المثنى) ضد المفرد المشهور بالزمن وشيخه (عبيد الله بن عبد المجيد) الحنفي البصري وفي بعضها عبد الحميد والأول هو الصحيح و(إسرائيل) هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي و(كل ذلك عندي) أي: أنا متصف بهذه الأشياء فاغفرها.
          فإن قلت: هو مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قلت: قاله تواضعاً أوعد ترك الأولى ذنباً أو ما كان قبل النبوة أو تعليماً لأمته أو لأن الدعاء عبادة.
          قال القرافي: بالقاف وخفة الراء وبالفاء في كتاب القواعد قول القائل في دعائه اللهم اغفر لي ولجميع المسلمين دعاء بالمحال؛ لأن صاحب الكبيرة يدخل النار ودخول نار ينافي الغفران.
          أقول: فيه منع ومعارضة، أما المنع فلا نسلم المنافاة إذ المنافي هو الدخول المخلد كما للكفار إذ الإخراج من النار بالشفاعة ونحوها أيضاً غفران، وأما المعارضة فهي بقوله تعالى حكاية عن نوح ◙: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}(1) [نوح:28].
          قوله: (الساعة) أي التي تستجاب فيها الدعاء و(محمد) هو ابن سيرين وهو قائم يصلي يسأل الله حالات ثلاثة متداخلة أو مترادفة و(قال بيده) أي: أشار بيده إلى أنها ساعة لطيفة خفيفة قليلة و(الزهيد) القليل والضيق واختلفوا في تلك الساعة فقيل: بين الطلوعين أو عند الزوال أو عند التأذين أو وقت الصلاة أو بين العصر إلى الغروب أو آخر ساعة منه.
          وقال بعضهم: معنى: يصلي يدعو ومعنى قائم ملازم مواظب عليه والحكمة في إخفائها أن لا يخصص الطاعة بها كإخفاء ليلة القدر مر في آخر كتاب الجمعة.
          قوله: (ابن أبي مليكة) مصغر الملكة عبد الله (وعليكم) بالواو.
          فإن قلت: الواو تقتضي التشريك؟ قلت: معناه وعليكم الموت إذ كل من عليها فان، أو الواو للاستئناف أي وعليكم ما تستحقونه من الذم مر في كتاب السلام.
          و(يستجاب) لأنه بالحق و(لا يستجاب) لأنه بالظلم.
          قوله: (القارئ) هو أعم من الإمام وفي الصلاة والموافقة إما في الزمان وإما في الصفة من الخشوع ونحوه، والذنب خاص بحقوق الله تعالى علم من الدلائل الخارجية، وتقدم في الصلاة في باب فضل التأمين.
          قوله: (سمي) بضم المهملة وخفة الميم المفتوحة وشدة التحتانية، مولى أبي بكر بن عبد الرحمن المخزومي و(أبو صالح) ذكوان و(العدل) بالفتح المثل والنظير أي: مثل إعتاق عشر رقاب و(الحرز) بكسر المهملة وسكون الراء العوذة والموضع الحصين مر في كتاب بدء الخلق في باب صفة إبليس.
          قوله: (عبد الملك بن عمرو) بالواو العقدي بفتح المهملة الأولى والقاف و(عمرو بن أبي زائدة) فاعلة من الزيادة الهمداني و(أبو إسحاق) عمرو السبيعي و(عمرو بن ميمون) الأودي بالواو والمهملة التابعي أدرك الجاهلية وهو الذي رجم القردة في حكايته المشهورة.
          والحديث بهذا الطريق مرسل ولا يخفى أن النسبة بين الحديثين محفوظة إذ نسبة المائة إلى العشرة كنسبة العشرة إلى الرقبة الواحدة.
          و(موسى) أي: ابن إسماعيل وإنما قال بلفظ قال لأنه تحمل منه (خ) مذاكرة لا تحديثاً ونقلاً أو هو تعليق و(وهيب) مصغراً ابن خالد و(داود) لعله هو ابن أبي هند و(عامر) هو الشعبي و(أبو أيوب) هو خالد الأنصاري الخزرجي و(إسماعيل) أي: ابن أبي خالد و(الربيع) بفتح الراء ضد الخريف / ابن خثيم مصغر الخثم بالمعجمة والمثلثة الثوري بالمثلثة كان ورعاً قانتاً مات في بضع وستين و(آدم) هو ابن أبي إياس بتخفيف التحتانية وبالمهملة و(عبد الملك بن ميسرة) ضد: الميمنة الهلالي و(هلال بن يساف) بفتح التحتانية وكسرها وخفة المهملة وبالفاء الأشجعي و(الأعمش) هو سليمان و(حصين) تصغير الحصن بالمهملتين والنون ابن عبد الرحمن و(عبد الله) أي: ابن مسعود و(أبو محمد الحضرمي) بفتح المهملة وسكون المعجمة وفتح الراء، هو مولى لأبي أيوب ولا يعرف له اسم ولم يذكر إلا في هذا الموضع.
          قوله: (قال عمر) أي: ابن أبي زائدة، وفي بعضها عمرو بالواو والظاهر أنها واو العطف أي: قال عمر ثنا أبو إسحاق كما في الطريقة السابقة وثنا أيضاً عبد الله بن أبي السفر ضد الحضر سعيد الهمداني و(إبراهيم) ابن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي.
          قوله: (عبد الله بن مسلمة) بفتح الميم واللام و(الخطايا) أي: من حقوق الله؛ لأن حقوق الناس لا تنحط إلا باسترضاء الخصوم.
          قوله: (زهير) مصغر الزهر، ابن حرب ضد الصلح و(ابن فضيل) تصغير الفضل بالمعجمة محمد الضبي و(عمارة) بضم المهملة وخفة الميم ابن القعقاع بفتح القافين وسكون المهملة الأولى و(أبو زرعة) بضم الزاي وإسكان الراء وبالمهملة هرم البجلي.
          قوله: (كلمتان) أي: كلامان والكلمة تطلق على الكلام كما يقال كلمة الشهادة و(الميزان) أي: الذي يوزن به في القيامة أعمال العباد وفي كيفيته أقوال، والأصح أنه جسم محسوس ذو لسان وكفتين والله تعالى يجعل الأعمال كالأعيان موزونة، أو بوزن صحف الأعمال.
          وفيه إثبات الميزان، وفيه صنعة المقابلة بين الخفة والثقل والمقصود أنه عمل يسير وله ثواب كثير.
          وفيه جواز السجع وما نهى عنه فهو فيما كان مثل سجع الكهان في كونه متكلفاً أو متضمناً لباطل.
          و(الحبيبة) المحبوبة يقال: حب فلان إلى هذا الشيء؛ أي: جعله محبوباً والمراد: هاهنا محبوبية قائلها ومحبة الله للعبد إرادة إيصال الخير له والتكريم.
          فإن قلت: التفعيل بمعنى لا سيما إذا كان موصوفه مذكوراً معه يستوي فيه المذكر والمؤنث فما وجه لحوق علامة التأنيث؟ قلت: التسوية بينهما جائزة لا واجبة أو وجوبها في المفرد لا في المثنى أو أنثها لمناسبة الخفيفة والثقيلة لأنهما بمعنى الفاعلة لا المفعولة أو هذه التاء هي لنقل اللفظ من الوصفية إلى الاسمية.
          فإن قلت: لم خصص لفظ الرحمن من بين سائر الأسماء الحسنى؟ قلت: لأن المقصود من الحديث بيان سعة رحمة الله تعالى على عباده حيث يجازي على العمل القليل بالثواب الكثير.
          قوله: (سبحان) مصدر لازم النصب بإضمار الفعل وهو علم للتسبيح والعلم على نوعين علم شخصي وعلم جنسي ثم إنه تارة يكون للعين وأخرى للمعنى فهذا من العلم الجنسي الذي للمعنى.
          فإن قلت: قالوا لفظ سبحان واجب الإضافة فكيف الجمع بين العلمية والإضافة؟ قلت: ينكر ثم يضاف كما قال الشاعر:
علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم                     بأبيض ماضي الشفرتين يمان
          فإن قلت: ما معنى التسبيح؟ قلت: التنزيه يعني أنزه تنزيهاً عما لا يليق به تعالى.
          فإن قلت: و(بحمده) معطوف فما المعطوف عليه؟ قلت: الواو للحال تقديره وسبحت الله ملتبساً بحمدي له من أجل توفيقه لي للتسبيح ونحوه، ويحتمل أن يكون الحمد مضافاً إلى الفاعل والمراد من الحمد لازمه مجازاً وهو ما يوجب الحمد من التوفيق ونحوه أو لعطف الجملة على الجملة نحو والتبست بحمده.
          فإن قلت: ما الحمد؟ قلت: له تعريفات والمختار أنه الثناء على الجميل الاختياري على وجه التعظيم.
          واعلم أن لله تعالى صفات عدمية مثل أنه لا شريك له ولا جهة له ولا مثل له وسائر التنزيهات وتسمى بصفات الجلال وصفات وجودية مثل الحياة والعلم والقدرة ونحوهما وتسمى بصفات الإكرام اقتباساً من قوله تعالى: {ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن:27] فالتسبيح إشارة إلى الأولى والتحميد إلى الثانية وإطلاق اللفظين يعني: ترك التقييد بمتعلق يشعر بالعموم فكأنه قال: أنزهه عن جميع النقائص وأحمده بجميع الكمالات والنظم الطبيعي يقتضي / إثبات التخلية أولاً عن النقصان ثم التخلية ثانياً بالكمال فلهذا قدم التسبيح على التحميد.
          وفيه نكتة أخرى وهي أنه ذكر في الأول لفظ الله الذي هو اسم للذات المقدسة الجامعة لجميع الصفات العليا والأسماء الحسنى، ثم وصفه بالتعظيم الذي هو شامل لسلب ما لا يليق به وإثبات ما يليق، إذ العظمة المطلقة الكاملة مستلزمة لعدم الشريك والتجسيم ونحوه وللعلم بكل المعلومات والقدرة بكل المقدورات إلى غير ذلك، وإلا لم يكن عظيماً مطلقاً.
          وأما تكرار التسبيح فللإشعار بتنزيهه على الإطلاق [ثم] بان التسبيح ليس إلا ملتبساً بالحمد ليعلم ثبوت الكمال له نفياً وإثباتاً معاً جميعاً أو لأن الاعتناء بشأن التنزيه أكثر من الاعتناء بالتحميد لكثرة المخالفين فيه، قال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ} [يوسف:106]، ولهذا جاء في القرآن بعبارات متعددة جاء بلفظ المصدر نحو {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء:1]، وبلفظ الماضي نحو {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} [الحشر:1]، وبلفظ المضارع نحو {يُسَبِّحُ لِلَّهِ} [الجمعة:1] وبلفظ الأمر: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى:1]، أو لأن التنزيهات مما تدركها عقولنا بخلاف كمالاته، فإن عقولنا قاصرة عن إدراك حقيقتها كما قال بعض المتكلمين الحقائق الإلهية لا تعرف إلا على طريق السلب كما يقال في العلم لا يدرى منه إلا أنه ليس بجاهل.
          أما معرفة حقيقة علمه فلا سبيل إليها وفي الجملة هذه الكلمة الجامعة فيها امتثال لقوله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} [طه:130]، وتأويل لهذه الآية وللمتمثل بها أعظم المقاصد وهو انحطاط خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر اللهم حط عنا خطايانا وأجزل عطايانا، انتهى كلام والدي ⌂.
          أقول:
          قوله: (قال أبو عبد الله) والصحيح قول عمرٍو، قال أبو ذر صوابه: عُمر، وهو ابن أبي زائدة كما تقدم.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: وبقوله تعالى لنبيه: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ})).