مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب التعوذ من غلبة الرجال

          ░36▒ باب التعوذ من غلبة الرجال
          فيه حديث أنس: قال رسول الله صلعم لأبي طلحة ((التمس لنا غلاما)) الحديث وسلف.
          و(يحوي وراءه) أي: جعلها كحوة، خشية أن تسقط، وهي التي تعمل نحو سنام البعير.
          قال القاضي: كذا رويناه يحوي: بضم الياء، وفتح الحاء، وتشديد الواو، وذكر ثابت والخطابي بفتح الياء وإسكان الحاء وتخفيف الواو، ورويناه كذلك عن بعض رواة (خ)، وكلاهما صحيح، وهي أن يجعل لها حوية، وهي كساء محشو بليف يدار حول سنام الراحلة، وهي مركب من مراكب النساء، وقد رواه ثابت يحول باللام، وفسره: يصلح لها عليه مركباً.
          أما تعوذه من الهم فهو: الغم والحزن، قال القزاز: ويحتمل أن يكون من همه المرض أي: أذابه وأنحله، مأخوذ من هم الشحم أي: أذابه، فيكون تعوذه من المرض والذي ينحل جسمه، والبخل بفتح الباء والخاء [وبضم الباء] وسكون الخاء كما سيأتي.
          والجبن: بضم الجيم والباء وسكونها.
          وضلع الدين: ثقله بفتح الضاد واللام، وقد تؤدي ضرورته إلى أن يحدث فيكذب، ويعد فيخلف.
          ويقال: ما دخل هم الدين قلب أحد إلا ذهب من عقله / ما لا يعود إليه أبداً، وهذا في الدين الفادح.
          قوله: (فلم أزل أخدمه) يعني: إلى موته ثم ابتدأ فقال: (حتى إذا أقبلنا)، تقول: فلما أقبلنا.
          والعباءة بالمد: ضرب من الأكسية، والصهباء: من أدنى خيبر إلى جهة المدينة، والحيس: تمر يخلط بسمن أو أقط قال الراجز:
التمر والسمن معا ثم الأقط                     الحيس إلا أنه لم يختلط
          وقال الداودي: هو شيء يصنع من التمر والسويق والسمن أو الزيت، وربما كان مع ذلك أقط.
          قوله: (وكان ذلك بناء بها) فيه حجة على من أنكر على أن يقال: بنى الرجل بأهله، وقال: إنما يقال: بنى عليها.
          قوله: (بارك لهم في مدهم وصاعهم) أي: فيما يكال بهما.
          قال والدي ⌂:
          (باب الصلاة على النبي صلعم).
          قوله: (الحكم) بالمفتوحتين ابن عتيبة مصغر عتبة الدار و(ابن أبي ليلى) بفتح اللامين مقصورا هو عبد الرحمن و(كعب بن عجرة) بضم المهملة وإسكان الجيم وبالراء و(علمنا) أي: عرفنا كيفيته وهي أن يقال سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته و(إبراهيم بن حمزة) بالمهملة والزاي و(عبد العزيز) ابن أبي حازم بإهمال الحاء وبالزاي و(عبد العزيز بن محمد الدراوردي) بفتح المهملة والراء والواو وسكون الراء وبالمهملة و(يزيد) من الزيادة ابن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي و(عبد الله بن خباب) بفتح المعجمة وشدة الموحدة الأولى الأنصاري.
          فإن قلت: شرط التشبيه أن يكون المشبه به أقوى وهاهنا بالعكس؛ لأن الرسول صلعم أفضل من إبراهيم ◙؟ قلت: هذا التشبيه ليس من باب إلحاق الناقص بالكامل، بل من باب حال ما لا يعرف بما يعرف فلا يشترط ذلك أو التشبيه فيما يستقبل هو أقوى، أو المجموع شبه بالمجموع، ولا شك أن آل إبراهيم أفضل من آل محمد، إذ فيهم الأنبياء ‰ ولا نبي في آل محمد مر في سورة الأحزاب.
          قوله: (سليمان بن حرب) ضد الصلح و(عمرو بن مرة) بضم الميم وشدة الراء و(ابن أبي أوفى) بفتح الهمزة وسكون الواو وبالفاء مقصوراً، عبد الله الأسلمي قالوا: لا تحسن الصلاة على غير النبي لغير النبي إلا تبعاً كآله بني هاشم ومر في كتاب الزكاة.
          قوله: (عبد الله بن مسلمة) بفتح الميم واللام و(عبد الله بن أبي بكر) ابن عمرو ابن حزم بفتح المهملة وسكون الزاي الأنصاري و(عمرو بن سليم) مصغر السلم الزرقي بضم الزاي وفتح الراء وبالقاف و(أبو حميد) بضم المهملة، عبد الرحمن الساعدي بكسر المهملة الوسطانية وهما أيضاً أنصاريان.
          قوله: (زكاة) أي: طهارة أو نمو في الخير أو صلاحاً و(أحمد بن صالح) هو المصري وكذا عبد الله بن وهب، فإن قلت: ما هذه الفاء في (فأيما مؤمن) قلت: جزائية وشرطها محذوف يدل عليه السياق أي إن كنت سببت مؤمناً فكذا.
          فإن قلت: إذا كان مستحقًّا للسب فلم يكون قربة له؟ قلت: المراد به غير المستحق له بدليل الروايات الأخر الدالة عليه.
          فإن قلت: غاية ما في الباب أنه لا يكون له أثر فما وجه انقلابه قربة؟ قلت: هذا من جملة خلقه الكريم وخلقه العميم حيث قصد مقابلة ما وقع منه بالخير والكرامة، إنه لعلى خلق عظيم صلعم.
          قوله: (حفص) بالمهملتين و(هشام) أي: الدستوائي و(أحفوه المسألة) أي: ألحوا عليه في السؤال وأكثروا السؤال عنه ويقال: أحفيته إذا حملته على أن يبحث عن الخير و(لاف) بالرفع والنصب حالا و(لاحى) أي: خاصم و(يدعي) أي: ينسب إلى غير أبيه و(حذافة) بضم المهملة وخفة المعجمة وبالفاء السهمي واسم الرجل عبد الله وحكم بأنه والده بالوحي أو بحكم الفراسة أو بالقيافة أو بالاستلحاق و(أنشأ) أي: طفق يقول رضينا بما عندنا من كتاب الله وسنة نبينا واكتفينا به عن السؤال، وإنما قال ذلك إكراماً لرسول الله صلعم وشفقة على المسلمين / لئلا يؤذوا النبي صلعم بالتكثير عليه.
          وفيه أن غضب رسول الله ليس مانعاً للقضاء لكماله بخلاف سائر القضاة.
          وفيه فهم عمر ☺ وفضل علمه لأنه خشي أن يكون كثرة سؤالهم كالتعنت له.
          وفيه أنه لا يسأل العالم إلا عند الحاجة.
          قوله: (كاليوم) أي: يوماً مثل هذا اليوم و(الحائط) أي: حائط محراب رسول الله صلعم مر في العلم.
          قوله: (قتيبة) مصغر قتبة الرحل و(عمرو بن أبي عمرو) بالواو فيهما مولى المطلب بلفظ فاعل الافتعال ابن عبد الله بن حنطب بفتح المهملتين وسكون النون بينهما وبالموحدة المخزومي القرشي و(أبو طلحة) اسمه زيد الأنصاري زوج أم أنس.
          قوله: (الهم) قيل: الهم لمكروه يتوقع والحزن لمكروه واقع و(العجز) ضد القدرة و(الكسل) التثاقل عن الأمر ضد الجلادة و(البخل) ضد الكرم و(الجبن) ضد الشجاعة و(ضلع الدين) بفتحتين ثقله وقوته وشدته و(غلبة الرجال) تسلطهم واستيلاؤهم هرجاً ومرجاً، وذلك كغلبة العوام، وهذا الدعاء من جوامع الكلم لما قالوا أنواع الرذائل ثلاثة: نفسانية وبدنية وخارجية، والأول بحسب القوى التي للإنسان العقلية والغضبية والشهوية ثلاث أيضاً: فالهم والحزن تتعلق بالعقلية والجبن بالغضبية والبخل بالشهوية والعجز والكسل بالبدنية فالثاني يكون عند سلامة الأعضاء وتمام الآلات والقوى، والأول عند نقصان عضو ونحوه والضلع والغلبة بالخارجية فالأول مالي والثاني جاهي والدعاء مشتمل على الكل.
          قوله: (صفية بنت حيي) بضم المهملة وخفة التحتانية الأولى المفتوحة وشدة الثانية الخيبري و(حازها) أي: اختارها من الغنيمة وأخذها لنفسه و(أراه) بضم الهمزة أبصره (يحوي) أي: يجمع ويدور و(العباءة) ضرب من الأكسية فهو من باب عطف العام على الخاص و(الصهباء) بفتح المهملة وإسكان الهاء وبالموحدة ممدوداً موضع بين خيبر والمدينة و(الحيس) بفتح المهملة تمر يخلط بالسمن والأقط.
          و(النطع) فيه أربع لغات و(بناؤه بها) أي: زفافه بها و(بدا) أي ظهر و(المحبة) تحتمل الحقيقة لشمول قدرة الله تعالى والمجاز، أو فيه إضمار أي: يحبنا أهله وهم أهل المدينة.
          قوله: (مثل) أي: في نفس حرمة الصيد لا في الجزاء ونحوه.
          فإن قلت: في بعضها مثل ما حرم به بزيادة به فما معناه؟ قلت: إما أن يكون مثل منصوباً بنزع الخافض أي: بمثل ما حرم به وهو الدعاء بالتحريم، أو معناه أحرم بهذا اللفظ وهو أحرم مثل ما حرم به إبراهيم ◙.
          و(البركة في المد) مستلزم عرفاً وعادة للبركة في الموزون، أو المراد البركة فيما يقدر به، ومر في الجهاد في باب من غزا بصبي.
          الزركشي:
          (حتى أحفوه) أي: أكثروا عليه وألحوا.
          (فإذا رجل) هو عبد الله بن حذافة.
          (ضلع الدين) بفتحتين: ثقله.
          (يحوي) بضم الياء وفتح الحاء وتشديد الواو المكسورة، وروي بفتح التاء وإسكان الحاء، واقتصر عليه الخطابي، وهو أن يجعل لها حوية، وهو كساء محشو بليف يدار حول سنام الرحل، ورواه ثابت: ((يحول)) باللام وفسره: يصلح، انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (الهم) هو الحزن والجمع: الهموم، الحزن يقال: أحزنني الأمر وأحزنني فأنا محزون ولا يقال محزن.
          (العجز) ترك ما يجب فعله بالتسويف، وهو عام في أمور الدنيا والدين والكسل كسل بالكسر يتثاقل عن الأمر وهو كسل وكسلان وهو كسالى، وامرأة تكسال.
          والبخل أنساك المال وعدم إنفاقه فيما يجب وهو ضد السرف، والسرف إنفاقه فيما لا يجوز، وقيل: لا سرف في الخير كما لا خير في السرف، والجبن والجبان وهو ضد الشجاعة والشجاع.
          و(ضلع الدين) أي: ثقله، والضلع الاعوجاج أي: يثقله حتى يميل صاحبه عن الاستواء والاعتدال ويقال: ضلع بالكسر يضلع ضلعاً بالتحريك وضلع بالفتح يضلع ضلعاً بالتسكين أي: مال عليه الرجال.
          (الغالب) هو القاهر والمغلوب المقهور.
          (باب قول النبي صلعم من أذيته فاجعله له زكاة) قال ◙: ((اشترطت على ربي فقلت: إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر وأغضب / كما يغضب البشر، فإنما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن تجعلها له طهوراً وزكاة وتوبة)).
          فإن قيل: كيف يدعو على من ليس هو بأهل للدعاء عليه؟ قلنا: معناه ليس بأهل لذلك عند الله وفي باطن الأمر، ولكنه في الظاهر مستوجب له فيظهر له صلعم استحقاقه لذلك بأمارة شرعية ويكون في باطن الأمر ليس أهلاً لذلك وهو صلعم مأمور بالحكم بالظاهر.
          وقيل: ما وقع في سبه ودعائه ليس بمقصود بل هو ما جرت به عادة العرب في زهاء كلامها بلا نية، كقولهم: تربت يمينك وعقرى حلقى.
          أقول: فإن قلت: فحينئذ لا يبقى فرق بين دعائه له وعليه وغضبه ورضاه؟ قلت: بينهما فرق، وذلك أن الدعاء له ظاهره وباطنه للمدعو له فيه خير، والشتم منه ◙ للمشتوم فيه زجر ظاهر أو تأديب، وفي باطنه خير وهو أجر وزكاة كما قاله ◙.