مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب الدعاء للصبيان بالبركة ومسح رؤوسهم

          ░31▒ باب الدعاء للصبيان ومسح رءوسهم
          وقال أبو موسى: ولد لي غلام، الحديث.
          ثم ساق فيه أحاديث:
          1- حديث حاتم، عن الجعد بن عبد الرحمن إلى آخره.
          2- حديث أبي عقيل واسمه زهرة بن معبد بن عبد الله بن هشام القرشي التيمي إلى آخره.
          3- حديث محمود بن الربيع.
          4- حديث عائشة: كان النبي صلعم يؤتى بالصبيان.. الحديث.
          5- حديث عبد الرحمن بن ثعلبة بن صعير إلى آخره.
          فيه: الذهاب بالصبيان إلى الصالحين وسؤالهم الدعاء لهم بالبركة ومسح رءوسهم؛ تفاؤلاً لهم بذلك، وتبركاً بدعائهم.
          وفي حديث محمود بن الربيع مداعبة الأئمة وأهل الفضل للصبيان، وأن ذلك من أخلاق الصالحين. وفي حديث أبي عقيل رغبة السلف الصالح في الربح الحلال، وحرصهم على بركة التجارة، وأنهم كانوا يتجرون في التجارات ويسعون في طلب الرزق؛ ليستغنوا بذلك عن الحاجة إلى الناس، ولا يكونوا عالة للناس، ولا كلًّا على غيرهم.
          الحديث الأول رواه في فضائل رسول الله من حديث حاتم عن الجعيد مصغراً وبالوجهين، الكلاباذي وغيره.
          والسائب هذا: هو أبو يزيد السائب بن يزيد بن سعيد، المعروف بابن أخت نمر، قيل: إنه ليثي كناني، وقيل: أزدي، وقيل: كندي، حليف بني أمية، ولد في السنة الثانية من الهجرة، وخرج في الصبيان / إلى ثنية الوداع يتلقى رسول الله مقدمه من تبوك، وشهد حجة الوداع، وعمر أربعاً وثمانين سنة، وليس في الصحابة السائب بن يزيد سواه، وأما ابن منده فقال: السائب بن يزيد، قال عطاء مولى السائب: أنه كان مقدم رأسه أسود؛ لأنه ◙ مسحه. كذا فصله عن الذي قبله، وهو هو.
          وأما السائب: ففي الصحابة خلق فوق العشرين، وشاب رأس السائب بن يزيد كله إلا موضع يد رسول الله التي كان وضعها على رأسه لما مسحه، وبقي ذلك الموضع أسود حتى مات.
          فسر (ت) زر الحجلة ببيضة الحمامة، وروى من حديث جابر بن سمرة: كان خاتم النبي صلعم الذي بين كتفيه غدة حمراء مثل بيضة الحمامة، والحجلة على هذا الطائر الذي يسمى القبج، والمشهور أنها واحدة الحجال وهي الستور، وأن الزر واحد الأزرار التي تدخل في العرى.
          وسلف في باب خاتم النبوة في الفضائل باقي الأوجه.
          قال الداودي: في دعائه لعبد الله بن هشام بالبركة دليل على فضل الكفاف والفقر.
          محمود بن الربيع بن سراقة الخزرجي، مات سنة تسع وتسعين، قال الداودي: توفي رسول الله وهو ابن خمس سنين فحفظ عنه مجه في وجهه، وكانت له بذلك صحبة. ومعنى مجه رمى به.
          وعبد الله بن ثعلبة بن صعير بالعين المهملة له صحبة إن شاء الله، مات سنة سبع وثمانين، وهو حليف بني زهرة.
          الرواي عن محمود بن الربيع الزهري عده ابن الصلاح في صغار التابعين، ورددنا ذلك عليه في ((المقنع في علوم الحديث))، ووقع في ابن التين: أدرك نحو عشرة من الصحابة منهم: أنس، وسهل ابن سعد، وعبد الرحمن بن أزهر، والسائب بن يزيد، ومحمود هذا وعبد الله ابن ثعلبة.
          قوله: (أشركنا) هو رباعي؛ أي: اجعلنا من شركائك، وضبط ثلاثي في بعض الكتب، والصحيح ما تقدم، وإنما يقال: شركته في الميراث والبيع إذا أثبتت الشركة، وأما إذا سألته الشركة فإنما تقول له: أشركني رباعيًّا، نبه عليه ابن التين.
          قوله (يوتر بركعة) يريد: أنه لا شفع قبلها وذكر نحوه عن معاوية وذكر لابن عباس فقال: إنه فقيه، ومذهب أكثر الفقهاء استحباب الشفع قبله.
          واختلف: هل يسقط للعذر؟ فذكر عن سحنون أنه أوتر في مرضه بواحدة، وذكر نحوه في المسافر، وقيل: لا بد من شفع قبله وهو وجه عندنا.
          وفيه حجة على أبي حنيفة في قوله: الوتر ثلاث ركعات.
          قال والدي ⌂:
          (باب التعوذ من جهد البلاء).
          قوله: (سمي) بضم المهملة وخفة الميم وبالمشددة التحتانية، مولى أبي بكر ابن عبد الرحمن المخزومي و(أبو صالح) هو ذكوان و(جهد البلاء) بفتح الجيم هي الحالة التي يختار عليها الموت، وقيل هو قلة المال وكثرة العيال(1) و(الجهد) بالفتح والضم الطاقة وبالضم المشقة و(الدرك) بفتح الراء اللحاق والتبعة و(الشقاء) بالفتح والمد الشدة و(العسر) وهو ضد السعادة، وهو ينقسم إلى دنيوي وأخروي، وهو في المعاش من النفس والمال والأهل والخاتمة، وفي المعاد وكذلك سوء القضاء وهو بمعنى المقضي، إذ حكم الله من حيث هو حكمه كله حسن لا سوء فيه قالوا في تعريف القضاء والقدر، القضاء هو الحكم بالكليات على سبيل الإجمال في الأزل، والقدر هو الحكم بوقوع الجزئيات التي لتلك الكليات على سبيل التفصيل في الإنزال، قال تعالى: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} [الحجر:21].
          و(شماتة الأعداء) هي الحزن بفرح عدوه والفرح بحزنه وهو مما ينكأ في القلب ويؤثر في النفوس تأثيراً شديداً، وإنما دعا صلعم بذلك تعليماً لأمته وهذه كلمة جامعة لأن المكروه إما أن يلاحظ من جهة المبدأ وهو سوء القضاء، أو من جهة المعاد وهو درك الشقاء، إذ شقاوة الآخرة هي الشقاء الحقيقي / أو من جهة المعاش، وذلك إما من جهة غيره وهو شماتة الأعداء، أو من جهة نفسه وهو جهد البلاء نعوذ بالله من ذلك، قال سفيان أي: ابن عيينة: هذه الأمور الأربعة ثلاثة منها في الحديث والواحدة منها من كلامي زدت عليها.
          فإن قلت: كيف جاز له أن يخلط كلامه بكلام رسول الله صلعم بحيث لا يفرق بينهما؟ قلت: ما خلط، اشتبه عليه تلك الثلاثة بعينها وعرف أنها كانت ثلاثة من هذه الأربعة فذكر الأربعة تحقيقاً لرواية تلك الثلاثة قطعاً إذ لا مخرج عنها.
          وروى (خ) عنه في كتاب القدر الحديث، وذكر فيه الأربعة مسنداً إلى رسول الله صلعم جزماً بلا تردد ولا شك ولا قول بزيادة وفي بعض الروايات، قال سفيان: أشك أني زدت واحدة منها.
          قوله: (الرفيق) بالنصب؛ أي: اخترت أو أختار أو أريد ونحوه و(سعيد بن محمد بن عفير) مصغر العفر بالمهملة والفاء والراء، المصري وهو منسوب إلى جده و(عقيل) بضم المهملة وفتح القاف و(في رجال) أي: أخبراه في جملة طائفة أخرى أخبروه أيضاً به أو في حضور طائفة مستمعين له.
          قوله: (ثم يخير) أي: بين الموت والانتقال إلى ذلك المقعد وبين البقاء والحياة في الدنيا و(نزل) بضم النون أي حضره الموت كأن الموت نازل وهو منزول به و(أشخص) أي: رفع وأشخصه أزعجه وشخص بصره إذا فتح عينيه وجعل لا يطرف وشخص ارتفع و(الرفيق الأعلى) أي: اخترتُ الموت المؤدي إلى رفاقة الملأ الأعلى من الملائكة أو الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
          قوله: (لا يختارنا) بالنصب؛ أي: حيث اختار الآخرة تعين ذلك فلا يختارنا بعد ذلك، والحديث الذي كان يحدثنا في حالة الصحة هو أنه لن يقبض نبي قط حتى يرى مقعده.
          قوله: (اللهم الرفيق الأعلى) فإن قلت: ما محلها؟ قلت: النصب على العناية أو الرفع بياناً أو بدلاً لقوله تلك أو خبر محذوف.
          قوله: (خبابا) بفتح المعجمة وشدة الموحدة الأولى، ابن الأرت بفتح الهمزة والراء وشدة الفوقانية المثناة الصحابي (اكتوى سبعا) في بطنه لوجع كان فيه.
          فإن قلت: قد نهى عن الكي؟ قلت: ذلك لمن يعتقد أن الشفاء من الكي، أو ذلك للقادرين على مداواة أخرى، مر الحديث في آخر كتاب المرضى.
          قوله: (محمد بن المثنى) ضد المفرد و(محمد بن سلام) بتخفيف اللام وتشديدها و(إسماعيل بن علية) بضم المهملة وفتح اللام وشدة التحتانية و(عبد العزيز بن صهيب) مصغر الصهب بالمهملة والموحدة، وإنما نهى عن التمني لأنه في معنى التبرم عن قضاء الله تعالى في أمر ينفعه في آخرته ولا يكره التمني لخوف فساد الدين.
          قوله: (لا بد) هو حال وتقديره إن كان أحدكم فاعلاً حالة كونه لا بد له من ذلك.
          فإن قلت: كيف جوز الفعل بعد النهي؟ قلت: موضع الضرورة مستثنى من جميع الأحكام والضرورات تبيح المحظورات، أو النهي هو عن الموت معيناً، وهذا تجويز في أحد الأمرين لا على التعيين أو النهي إنما هو فيما إذا كان منجزاً مقطوعاً به، وهذا معلق لا منجز.
          قوله: (قتيبة) مصغر قتبة الرحل ابن سعيد و(حاتم) بالمهملة ابن إسماعيل و(الجعد) بفتح الجيم وسكون المهملة الأولى ويقال له: الجعيد أيضاً مصغراً و(السائب) فاعل من السيب بالمهملة والتحتانية والموحدة ابن يزيد من الزيادة و(وجع) بلفظ الفعل والاسم و(الزر) بكسر الزاي وتشديد الراء واحد أزرار القميص و(الحجلة) بفتح المهملة والجيم بيت للعروس كالقبة يزين بالثياب والستور ولها أزرار كبار، وقيل المراد بالحجلة القبجة أي: الطائر المعروف وزرها بيضها مر في باب استعمال فضل الوضوء، وفيه رواية أخرى تقدمت في صفة النبي صلعم.
          قوله: (ابن وهب) عبد الله و(سعيد بن أبي أيوب) الخزاعي المصري و(أبو عقيل) / بفتح المهملة وكسر القاف زهرة بضم الزاي وإسكان الهاء ابن معبد بفتح الميم والموحدة وسكون المهملة الأولى ابن عبد الله بن هشام القرشي البصري و(من السوق) أي: من جهة دخول السوق والمعاملة فيه و(يشركهم) أي: فيما اشتراه وجمع باعتبار أن أقل الجمع اثنان و(أصاب) أي: ابن هشام الراحلة أي: من الربح كما هي يعني بتمامها.
          قوله: (محمود ابن الربيع) ضد الخريف مر في العلم.
          فإن قلت: كيف دل على الترجمة؟ قلت: المج في حكم المسح والدعاء بالبركة فالفعل قائم مقام القول في المقصود.
          قوله: (لم يغسله) فيه أن الرش كان في بول الغلام وسبق في الوضوء.
          قوله: (أبو اليمان) بالتحتانية وخفة الميم الحكم بالمفتوحتين و(عبد الله بن ثعلبة) بلفظ الحيوان المشهور (ابن صعير) مصغر الصعر بالمهملتين والراء، العذري بضم المهملة وسكون المعجمة وبالراء، وفي الحديث الإيثار بركعة خلافاً للحنفية.
          الزركشي:
          (جهد البلاء) أي: الحالة الشاقة.
          (الرفيق الأعلى) منصوب [بإضمار] فعل، أي: أختار، ويجوز رفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: اختياري، انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (جهد البلاء) أي: الحالة الشاقة البلاء، الابتلاء يكون في الخير والشر لقوله: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء:35].
          و(درك الشقاء) الدرك ما يلحقك من التبعة يحرك ويسكن، الشقي من شقي في بطن أمه، والشقي ضد السعيد والشقاوة والسعداء يقال أشقاه لله فهو شقي.
          والمعنى: أن من قدر الله عليه في أصل خلقته أن يكون شقيًّا فهو الشقي على الحقيقة لا من عرض له الشقاء بعد ذلك، وهو إشارة إلى شقاء الآخرة لا شقاء الدنيا وشماتة الأعداء الشماتة فرح العدو بثلاثة تنزل بمن يعاديه.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: قيل قلة المال وكثر العيال فضيحة الرجال نعوذ بالله من ذلك)).