مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب الدعاء إذا انتبه بالليل

          ░10▒ باب الدعاء إذا انتبه من الليل
          فيه حديث ابن عباس: بت عند ميمونة.
          وحديث ابن عباس: كان ◙ إذا قام من الليل يتهجد وقد سلفا في الصلاة.
          وكان ◙ يدعو في أوقات ليله ونهاره، وعند نومه ويقظته بنوع من الدعاء يصلح لحاله تلك ولوقته ذلك، فينبغي الاقتداء / به في دعائه في تلك الأوقات والتأسي به في كل الأحوال.
          قوله: (قال كريب: وسبع في التابوت. فلقيت رجلاً) الحديث.
          وذكر خصلتين يعني أنه أنسي سبع خصال من الحديث على ما يقال لمن لم يحفظ العلم: علمه في التابوت، وعلمه مستودع في الصحف. وليس كريب القائل: (فلقيت رجلا) وإنما قاله سلمة بن كهيل الراوي عن كريب: سأل ابن عباس عنهن حين نسيهن كريب، فحفظ سلمة منهن خمساً ونسي أيضاً خصلتين، كذا في ابن بطال أنه سأل العباس، والذي في (خ) ما سلف.
          قال: وقد وجدت الخصلتين في رواية داود بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه وهما: ((اللهم اجعل نوراً في عظامي، ونوراً في قبري)).
          وقال الداودي أيضاً: قوله: ((وسبع في التابوت)) يقول: هن في صحيفة في تابوت ولد العباس وأتى بهن كناية جعلهن جوارح قال: والخصلتان العظم والمخ، وقيل: ((في تابوت)) أي: في صدره.
          قوله: (فتمطيت كراهية أن يرى أني كنت أرقبه) وذكره ابن بطال بلفظ: أبغيه. بالغين المعجمة، ثم قال: التمطي: التمدد؛ أي: تمددت، فظهر استيقاظه حينئذ، و((أبغيه)): أرصده، قال الخليل: يقال: بغيت الشيء أبغيه: إذا نظرت إليه ورصدته.
          وإنما فعل ابن عباس ذلك ليري رسول الله أنه كان نائماً، وأنه لم يرصده؛ إذ كل أحد إذا خلا في بيته قد يأتي من الأفعال ما يحب أن لا يطلع عليه أحد، وإنما حمل ابن عباس على ذلك الحرص على التعليم ومعرفة حركاته ◙ في ليله، وأسلفنا في الصلاة أن العباس والده كان أوصاه.
          وذكره ابن التين بلفظ: ((أبقيه)) كما أسلفناه بالقاف، وقال: قال أبو سليمان: أي: أرقبه وأنتظره، قال: يقال: أبقيت الشيء أبقيه بقياً.
          قال: وذكره الشيخ أبو الحسن في روايته بالغين من بغيت الشيء إذا طلبته.
          فيه: الحرص على التعليم، والرفق بالعلماء، وترك التعرض إلى ما يعلم أنه يشق عليهم.
          شناق القربة ما تشد به من رباط أو سير ونحوه.
          قوله: (فتتامت) قال الداودي: تقول: (تأملت ورعيت).
          والعصب بفتح الصاد جمع عصبة، وهي: أطناب المفاصل.
          قوله: (إذا قام من الليل يتهجد) أي: يصلي هذا هو المراد، وقال ابن التين: أي: يسهر، وهو من الأضداد يقال: هجد وتهجد إذا نام، وهجد وتهجد إذا سهر. قاله الجوهري.
          وقال الهروي: تهجد إذا سهر وألقى الهجود وهو النوم عن نفسه، وهجد: نام. وقال النحاس: التهجد عند أهل اللغة: السهر، والهجود: النوم. وقال ابن فارس الهاجد: النائم، والمتهجد: المصلي ليلاً.
          قال والدي ⌂:
          (باب الضجع) وهو وضع الجنب على الأرض.
          و(يؤذنه) من الإيذان وهو الإعلام.
          فإن قلت: فما وجه تعلقه بكتاب الدعوات؟ قلت: يعلم من سائر الأحاديث أنه كان يدعو عند الاضطجاع.
          قوله: (سعد بن عبيدة) مصغر ضد الحرة و(البراء) بتخفيف الراء وبالمد ابن عازب بالمهملة والزاي و(أسلمت) أي: جعلت نفسي منقادة لك طائعة لحكمك و(ألجأت) أي: اعتمدت عليك في أموري كما يعتمد الإنسان بظهره إلى ما يستند إليه و(رهبة ورغبة) أي: خوفاً من عقابك وطمعاً في ثوابك و(لا ملجأ) بالهمز وجاء تخفيفه و(لا منجا) هو مقصور وفي مثل هذا التركيب خمسة أوجه فيجوز فيه التنوين و(الفطرة) أي: دين الإسلام و(آخر ما تقول) أي: آخر / أقوالك في تلك الليلة.
          وفيه استحباب الوضوء عند النوم ليكون أصدق لرؤياه وأبعد من تلاعب الشيطان به وأما كون النوم على الأيمن فلأنه أسرع إلى الانتباه.
          فإن قلت: ما الفرق بين النبي والرسول؟ قلت: الرسول نبي له كتاب فهو أخص من النبي، وقال النووي: لا يلزم من الرسالة النبوة ولا العكس، قالوا سبب الرد إرادة الجمع بين المنصبين وتعداد النعمتين وقيل: هو تخليص الكلام من اللبس، إذ الرسول يدخل فيه جبريل ◙ ونحوه وقيل: هذا ذكر ودعاء فيقتصر فيه على اللفظ الوارد بحروفه لاحتمال أن لها خاصية ليست لغيرها.
          أقول: هذا الذكر يشتمل على الإيمان بكل ما يجب به الإيمان إجمالاً من الكتب والرسل من الإلهيات والنبوات وهو المبدأ وعلى إسناد الكل إلى الله ذاتاً وصفة وفعلاً وهو المعاش وعلى الثواب والعقاب وهو المعاد، ومر تفصيله في آخر كتاب الوضوء.
          قوله: (قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة وبالمهملة، ابن عقبة بضم المهملة وسكون القاف وبالموحدة و(عبد الملك ابن عمير) مصغراً و(ربعي) بكسر الراء وإسكان الموحدة وبالمهملة وشدة التحتانية، ابن حراش بكسر المهملة وتخفيف الراء وبالمعجمة و(حذيفة) مصغر الحذفة بالمهملة والمعجمة والفاء ابن اليمان بخفة الميم و(أوى) بقصر الهمزة.
          فإن قلت: بالله يحيي ويميت لا باسمه؟ قلت: معناه بذكر اسمك أحيى ما حييت وعليه أموت.
          فإن قلت: فيه دلالة على أن الاسم عين المسمى؟ قلت: لا، ولا سيما من حيث أن الاسم يحتمل أن يكون مفخماً كقوله:
          إلى الحول ثم اسم السلام عليكما
          والمسألة محققة في كتابنا الكواشف في شرح المواقف.
          قوله: (النشور) أي: الإحياء للبعث يوم القيامة.
          فإن قلت: هذا ليس إحياء ولا إماتة بل إيقاظ وإنامة؟ قلت: الموت عبارة عن انقطاع تعلق الروح من البدن وذلك قد يكون ظاهراً فقط وهو النوم ولهذا يقال إنه أخو الموت أو ظاهراً وباطناً وهو الموت المتعارف قال تعالى: {اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} أو أطلق الإحياء والإماتة على سبيل التشبيه وهو استعارة مصرحة.
          قوله: (سعيد بن الربيع) بفتح الراء ضد الخريف البصري، كان يبيع الثياب الهروية فقيل له الهروي و(محمد بن عرعرة) بفتح المهملتين وإسكان الراء الأولى و(أبو إسحاق) عمرو السبيعي.
          قوله: (خده) فإن قلت: الترجمة مقيدة باليمنى فمن أين استفاد؟ قلت: إما من حديث صرح به لم يكن بشرطه وإما مما ثبت أنه كان يحب التيامن في شأنه كله.
          و(عبد الواحد بن زياد) بكسر الزاي وخفة التحتانية العبدي و(العلاء بن المسيب) بالمهملة والتحتانية المشددة المفتوحة الكاهلي و(تحت ليلته) أي: في ليلته.
          قوله: (ابن مهدي) هو عبد الرحمن و(سلمة) بالمفتوحتين ابن كهيل مصغر الكهل و(كريب) مصغر الكرب ابن أبي مسلم مولى عبد الله بن عباس و(ميمونة) بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين خالة ابن عباس و(الشناق) بكسر المعجمة وخفة النون وبالقاف، ما يشد به رأس القربة من رباط أو خيط و(بين وضوءين) أي: وضوء خفيفاً ووضوء كاملا جامعاً لجميع السنن و(لم يكثر) بأن اكتفى مثلاً بمرة واحدة و(أبلغ) بأن أوصل الماء إلى مواضع يجب الإيصال إليها و(تمطيت) أي: تأخرت وتمددت وتبخترت و(أتقيه) أي: أنتظره وفي بعضها أرقبه وفي بعضها أنقبه من التنقيب بالنون وهو التفتيش و(تتامت) من التفاعل أي: تمت وكملت.
          قوله: (واجعل لي نورا) / هذا عام بعد خاص، والتنوين للتعظيم وسبع أعضاء أخر في بدن الإنسان الذي كالتابوت للروح أو في بدنه الذي مآله أن يكون التابوت؛ أي: الجنازة، وهي العصب واللحم والدم والشعر والبشر والخصلتان الأخرتان لعلهما الشحم والعظم، أو المراد: سبع أخر في الصحيفة مسطورة لا أذكرها، أو مكتوبة موضوعة في الصندوق.
          قال النووي: يراد بالتابوت الأضلاع وما تحويه من القلب وغيره تشبيهاً بالتابوت الذي هو كالصندوق يحرز فيه المتاع؛ أي: سبع كلمات في قلبي ولكن نسيتها، وقال: والقائل بقوله فلقيت هو سلمة قال: والمراد بالنون بيان الحق والهداية(1) إليه في جميع حالاته، وقيل المراد سبع أنوار أخر كانت مكتوبة موضوعة في التابوت الذي كان لبني إسرائيل فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى.
          قوله: (سليمان بن أبي مسلم) بكسر اللام الخفيفة الأحول و(القيم) والقيام والقيوم معناها واحد، وهو القائم بتدبير الخلق المعطي له ما به قوامه.
          و(أنبت) أي: رجعت إليك مقبلاً بالقلب عليك و(بك خاصمت) أي: بما أعطيتني من البرهان والبيان خاصمت المعاند و(المحاكمة) رفع القضية إلى الحاكم أي كل من جحد الحق جعلتك الحاكم بيني وبينه لا غيرك مما كانت الجاهلية تحاكم إليه من صنم أو كاهن ولا يخفى أنه من جوامع الكلم إذ لفظ القيم إشارة إلى أن قوام الأشياء ووجودها منه، والملك إلى أنه حاكم فيها إيجاداً وإعداماً وكله نعم، فلهذا قرنه بالحمد والحق إشارة إلى المبدأ والقول ونحوه إشارة إلى المعاش والساعة ونحوها إلى المعاد.
          وفيه إشارة إلى النبوة وإلى الجزاء وإلى الإيمان والتوكل والإنابة والاستغفار، ومر الحديث في كتاب التهجد.
          الزركشي:
          (الضجع) بفتح الضاد: وضع الجنب بالأرض.
          (باب وضع اليد تحت الخد اليمنى) ليس في الحديث الذي أورده تعرض لليمنى، لكنه ورد التصريح بها على غير شرطه فأشار إليها في الترجمة مفسراً بها الرواية المطلقة.
          (كراهية أن يرى أني كنت أبقيه) بفتح الهمزة وإسكان الموحدة بمعنى: أرقبه، بقيت الشيء أبقيه بقيا إذا انتظرته، ويروى: ((أتقيه)) بمثناة، ويروى: ((أرقبه)).
          (وسبع في التابوت) يعني: الحسد.
          (وسكت عن خصلتين) ذكرهما (م)، وهما: اللسان والنفس، وقال أبو الفرج ابن الجوزي: إنه يعني بالتابوت الصندوق؛ أي: هذه السبع مكتوبة عنده في الصندوق؛ أي: لم يحفظها في ذلك الوقت وهي عنده مكتوبة، وفيه بعد، والأول أولى وهذه الأنوار المعينة هنا هي والله أعلم الهداية الشاملة لهذه الأركان والأعضاء والسداد بالتوفيق، انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (رغبة ورهبة إليك أعمل) لفظ الرغبة وحدها ولو أعملهما معاً لقال رغبة إليك ورهبة منك، ولكن كما جمعهما في النظم حمل أحدهما على الآخر.
          و(لجأ إليه) لزم طاعته والتجأ إليه.
          و(منجى منك) نجا منه ينجو بالضم نجاة ونجا أسرع، والصدق منجاة سبب للنجاة وألجاه من الهلكة ونجاه الله ينجيه من النجاة، والرغبة الطلب في السؤال والرهبة الخوف والجزع.
          قوله: (فلقيت رجلاً) هو علي بن عبد الله بن العباس قاله أبو ذر وقيل هو مسلمة بن كهيل.


[1] في هامش المخطوط: في (خ): ((التوفيق)).