مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب استغفار النبي في اليوم والليلة

          ░3▒ باب استغفار النبي صلعم في اليوم والليلة
          فيه حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن، أراد صلعم بذلك تعليم أمته وملازمة الخضوع والعبودية، والاعتراف بالتقصير، وإلا فهو مبرأ من كل نقص، قال صلعم: ((لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا)) الحديث. وقال: ((أفلا أكون عبداً شكوراً))، وقال: ((إني أخشاكم لله، وأعلمكم بما أتقى))، وهذا أولى من قول ابن الجوزي: هفوات الطباع لا يسلم منها أحد، فالأنبياء وإن عصموا من الكبائر، فلم يعصموا من الصغائر، ويتجدد للطبع غفلات تفتقر إلى الاستغفار، فإن المختار عصمتهم منها أيضاً.
          وقال بعضهم: إنه لم يزل في الترقي، فإذا ترقى إلى حال، رأى ما قبلها دونه، استغفر منه، كما قيل(1): حسنات الأبرار سيئات المقربين وما ألطفه، ومثله المراد به عن الفترات والغفلات عن الذكر الذي كان شأنه الدوام عليه، أو همه بسبب أمته، وما اطلع عليه من أحوالها بعده، وإذ سببه اشتغاله بالنظر في مصالح الأمة عن عظيم مقامه، أو شكراً لما أولى.
          ولا شك أن أولى العباد بالاجتهاد في العبادة الأنبياء؛ لما حباهم به من معرفته، فهم دائبون في شكره معترفون له بالتقصير لا يدلون عليه بالأعمال؛ مستكنون خاشعون.
          قال أبو هريرة فيما رواه مكحول عنه: ما رأيت أحداً أكثر استغفاراً من رسول الله، وقال مكحول: ما رأيت أكثر استغفاراً من أبي هريرة، وقال أنس: أمرنا أن نستغفر بالأسحار سبعين مرة.
          وروي عن حذيفة أنه شكا إلى رسول الله ذرب لسانه على أهله، فقال: ((أين أنت يا حذيفة من الممحاة؟)) قال: وما هي؟ قال: ((الاستغفار، إني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة)). وروي أن التوبة من الذنب: الندم والاستغفار.
          وقال أبو أيوب الأنصاري: ما من مسلم يقول: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه. ثلاث مرات إلا غفرت ذنوبه وإن كانت أكثر من زبد البحر، وإن كان فر من الزحف.
          وقال عمر بن عبد العزيز: رأيت أبي في النوم كأنه في بستان فقلت له: أي عملك وجدت أفضل؟ قال: الاستغفار.
          وكان ابن عمر كثيراً ما يقول الحمد لله وأستغفر الله فقيل له في ذلك فقال إنما هي نعمة فأحمد الله عليها أو خطيئة فأستغفر الله منها.
          ولم يزد ابن التين في شرح هذا الحديث على أن قال في بعض الأثر عنه ◙: ((من استغفر الله تعالى سبعين مرة غفر له سبعمائة خطيئة))، وأي عبد أو أمة تذنب كل يوم سبعمائة ذنب؟
          وفوائد الاستغفار: محو الذنوب، وستر العيوب، وإدرار الرزق، وسلامة الخلق، والعصمة في المال، وحصول الآمال، وجريان البركة في الأموال / وقرب المنزلة من الديان، فالثوب الوسخ أحوج إلى الصابون من البخور؛ لتزول الآثار؛ وتنشرح الصدور.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: قائله هو الجنيد سيد الطائفة ⌂)).