إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام

          2236- وبه قال: (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ) بن سعيدٍ قال: (حَدَّثَنَا(1) اللَّيْثُ) بن سعدٍ الإمام (عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ) البصريِّ، أبي رجاءٍ، واسم أبيه: سُوَيدٌ (عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ) بفتح الرَّاء والمُوحَّدة، واسمه: أسلمُ، القرشيُّ، وعطاءٌ هذا كثير الإرسال، وقد بيَّن المؤلِّف في الرِّواية المُعلَّقة اللَّاحقة لهذه الرِّواية المتَّصلة أنَّ يزيد بن أبي حبيبٍ لم يسمعه من عطاءٍ، وإنَّما كتب به إليه (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ) الأنصاريِّ ( ☻ : أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلعم يَقُولُ عَامَ الفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ) سنة ثمانٍ من الهجرة، والواو في: «وهو» للحال، ومقول قوله: (إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الخَمْرِ) بإفراد الفعل، وكذا هو في «مسلمٍ» وكان الأصل «حرَّما» ولكنَّه أفرد للحذف في أحدهما، أو لأنَّهما في التَّحريم واحدٌ، ولأبي داود / : «إنَّ الله حرَّم» ليس فيها(2) ذكر الرَّسول ╕ (وَ) حرَّم بيع (المَيْتَةِ وَالخِنْزِيرِ) لنجاستهما، فيتعدَّى إلى كلِّ نجاسةٍ (وَ) حرَّم بيع (الأَصْنَامِ) لعدم المنفعة المباحة فيها، فيتعدَّى إلى معدوم الانتفاع شرعًا، فبيعها حرامٌ ما دامت‼ على صورتها، فلو كُسِرت وأمكن الانتفاع برضاضها جاز بيعها عند الشَّافعيَّة وبعض الحنفيَّة، نعم في بيع الأصنام والصُّور المتَّخَذَة من جوهرٍ نفيسٍ وجهٌ عند الشَّافعيَّة بالصِّحَّة، والمذهب المنع مطلقًا(3)، وبه أجاب عامَّة الأصحاب (فَقِيلَ) لم يُسَمَّ القائل، وفي رواية عبد الحميد الآتية _إن شاء الله تعالى_: فقال رجلٌ: (يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ) أَخْبِرْني (شُحُومَ المَيْتَةِ فَإِنَّهَا) ولأبوي ذرٍّ والوقت وابن عساكر: ”فإنَّه“ بالتَّذكير (يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُدْهَنُ بِهَا الجُلُودُ) بضمِّ أوَّل «يُطلَى» وفتح ثالثه كـ «يُدهَن» مبنيّان(4) للمفعول (وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ) أي: يجعلونها في سرجهم ومصابيحهم يستضيئون بها، فهل(5) يحلُّ بيعها لِمَا ذُكِر من المنافع؟ فإنَّها مقتضيةٌ لصحَّة البيع كالحمر الأهليَّة، فإنَّها وإن حرم أكلها يجوز بيعها لِمَا فيها من المنافع (فَقَالَ) ╕ : (لَا) تبيعوها (هُوَ) أي: بيعها (حَرَامٌ) لا الانتفاع بها، نعم يجوز نقل الدُّهن النَّجس إلى الغير بالوصيَّة كالكلب، وأمَّا هبته والصَّدقة به فعن القاضي أبي الطَّيِّب منعهما، لكن قال في «الرَّوضة»: ينبغي أن يقطع بصحَّة الصَّدقة به للاستصباح ونحوه، وقد جزم المتولِّي بأنَّه يجوز نقل اليد فيه بالوصيَّة وغيرها. انتهى. ومنهم من حمل قوله: «هو حرامٌ» على الانتفاع، فلا ينتفع من الميتة بشيءٍ عندهم إلَّا ما خصَّ بالدَّليل؛ وهو الجلد المدبوغ، وأمَّا المتنجِّس الذي يمكن تطهيره كالثَّوب والخشبة(6) فيجوز بيعه؛ لأنَّ جوهره طاهرٌ. (ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم عِنْدَ ذَلِكَ) أي: عند قوله: «حرامٌ» (قَاتَلَ اللهُ اليَهُودَ) أي: لعنهم (إِنَّ اللهَ لَمَّا حَرَّمَ) عليهم (شُحُومَهَا) أي: أكل شحوم الميتة (جَمَلُوهُ) أي: المذكور، وعند الصَّغانيِّ(7): ”أجملوه“ بالألف، والأُوْلَى أفصح(8)، أي: أذابوه واستخرجوا دهنه (ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ).
          وهذا الحديث قد سبق قريبًا [خ¦2223] وأخرجه أيضًا في «المغازي» [خ¦4296]، وأبو داود والتِّرمذيُّ وابن ماجه. (قَالَ أَبُو عَاصِمٍ) الضحاك بن مخلدٍ، أحد شيوخ البخاريِّ فيما وصله الإمام أحمد: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيدِ) بن جعفر بن عبد الله بن أبي الحكم الأنصاريُّ قال: (حَدَّثَنَا يَزِيدُ) من الزِّيادة، ابن أبي حبيبٍ قال: (كَتَبَ إِلَيَّ عَطَاءٌ) هو ابن أبي رباحٍ قال: (سَمِعْتُ جَابِرًا ☺ ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) واختُلِف في الاحتجاج بالكتابة فاحتجَّ بها الشَّيخان، وقال ابن الصَّلاح: إنَّه الصَّحيح المشهور، وقال أبو بكر بن السَّمعاني: إنَّها أقوى من الإجازة، ومن قال بالمنع علَّل بأنَّ الخطوط تشتبه.


[1] في (د1) و(ص): «حدَّثني».
[2] في (د): «فيه».
[3] في (د): «المُطلَق».
[4] في (د): «مبنيًّا».
[5] في (د): «فقيل».
[6] في (د): «والخشب».
[7] في (ب) و(د1) و(س): «الصَّنعانيِّ»، وهو تحريفٌ.
[8] قوله: «وعند الصَّغانيِّ: أجملوه بالألف، والأُوْلَى أفصح»: ليس في (ص) و(م).