إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها

          2223- وبه قال: (حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ) عبد الله بن الزُّبير المكِّيُّ قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) بن عيينة قال: (حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (طَاوُسٌ) اليمانيُّ: (أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ ☻ يَقُولُ: بَلَغَ عُمَرَ) زاد أبو ذرٍّ: ”بن الخطَّاب ☺ “ (أَنَّ فُلَانًا) في مسلمٍ وابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن ابن عيينة بهذا الإسناد: أنَّ(1) سَمُرة...، وزاد البيهقيُّ من طريق الزَّعفرانيِّ عن سفيان: ابن جندب (بَاعَ خَمْرًا) أخذها من أهل الكتاب‼ عن قيمة الجزية، فباعها منهم معتقدًا جواز ذلك، أو باع العصير ممَّن يتَّخذه خمرًا، والعصير يسمَّى خمرًا باعتبار ما يؤول إليه، أو يكون خلَّل الخمر ثمَّ باعها، ولا يُظَنُّ بسَمُرة أنَّه باع الخمر بعد أن شاع تحريمها؛ قاله القرطبيُّ، وقال الإسماعيليُّ: يحتمل أنَّ سَمُرة علم تحريمها ولم يعلم تحريم بيعها؛ ولذلك اقتصر عمر ☺ على ذمِّه دون عقوبته (فَقَالَ: قَاتَلَ اللهُ فُلَانًا) يحتمل أنَّه لم يرد به الدُّعاء، وإنَّما هي كلمةٌ تقولها(2) العرب عند إرادة الزَّجر؛ فقالها عمر تغليظًا، والظَّاهر أنَّ الرَّاوي لم يصرِّح بسمرة تأدُّبًا من أن ينسب لأحدٍ من الصَّحابة ما في ظاهره بشاعةٌ(3)، ومن ثَمَّ لم يفسِّره صاحب «المصابيح» الشَّيخ بدر الدِّين الدَّمامينيُّ / ، وقال: رأيت الكفَّ عن ذلك وآثرت السُّكوت عنه _جزاه الله خيرًا_ لكن لمَّا كان ذلك مُصرَّحًا به في كتب الحديث التي بأيدي النَّاس كان الأَولى التَّنبيه على المعنى، والله تعالى يهدينا سواء السَّبيل بمنِّه وكرمه (أَلَمْ يَعْلَمْ) أي: فلانٌ (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: قَاتَلَ اللهُ اليَهُودَ) والأصل في «فَاعَلَ» أن يكون من اثنين؛ فلعلَّه عبَّر عنه بما هو مُسَبَّبٌ عنه، فإنَّهم بما اخترعوا من الحيل انتصبوا فيها لمحاربة الله ومقاتلته ومن قاتله قتله، وفسَّره البخاريُّ من رواية أبي ذرٍّ: ”فاللَّعنة“ ، وهو قول ابن عبَّاس، وقال الهرويُّ: معناه: قتلهم الله، وقال البيضاويُّ في سورة التوبة: {قَاتَلَهُمُ اللّهُ}[التوبة:30] دعاء عليهم بالهلاك فإنَّ من قاتله الله هلك(4)، وهو معنى ما سبق (حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ) وجُمِعَ الشَّحم لاختلاف أنواعه، وإلَّا فهو اسم جنسٍ حقُّه الإفراد، أي: حرَّم عليهم أكلها مطلقًا من الميتة وغيرها، وإلَّا فلو حرَّم عليهم بيعها لم يكن لهم حيلةٌ فيما صنعوه من إذابتها المذكورة بقوله: (فَجَمَلُوهَا) بفتح الجيم والميم، أي: أذابوها (فَبَاعُوهَا؟!) يعني: فبيعُ فلانٍ الخمرَ مثل بيع اليهود الشَّحم المُذاب، وكلُّ ما حُرِّم تناوله حُرِّم بيعه، نعم المذاب للاستصباح ليس بحرامٍ؛ لأنَّ الدُّعاء عليهم إنَّما هو مُرتَّبٌ على المجموع، وفيه استعمال القياس في الأشباه والنَّظائر، وتحريم بيع الخمر.
          وهذا الحديث أخرجه أيضًا في «ذكر بني إسرائيل» [خ¦3460]، ومسلمٌ في «البيوع»، والنَّسائيُّ في «الذَّبائح» و«التَّفسير»، وابن ماجه في «الأشربة».


[1] في غير (د): «أنَّه».
[2] في (د): «يقولها، تقولها»؛ معًا.
[3] في (د): «شناعة».
[4] في (ج) و(ل): «من قاتل الله».