إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها بعد فإنه بخير النظرين

          2148- وبه قال: (حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ) بضمِّ الموحَّدة وفتح الكاف، يحيى قال: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ) بن سعدٍ الإمام (عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ) بن شُرَحبيل(1) بن حسنة المصريِّ (عَنِ الأَعْرَجِ) عبد الرَّحمن بن هرمز، أنَّه قال: (قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ☺ : عَنِ النَّبِيِّ صلعم : لَا تُصَرُّوا الإِبِلَ وَالغَنَمَ) بضمِّ التَّاء وفتح الصَّاد وتشديد الرَّاء، بوزن «تُزَكُّوا»، من صرَّى يصرِّي تصريةً، كزكَّى يزكِّي تزكيةً، وأصله: تُصَرِّيُوا، فاستُثقِلت الضَّمَّة على الياء، فسُكِّنت، فالتقى ساكنان، فحُذِف أوَّلهما وضُمَّ ما قبل الواو للمناسبة، و«الإبلَ» _على هذا_ نُصِب على المفعوليَّة، وما بعده عُطِف عليه، وهذه الرِّواية الصَّحيحة، وقال عياضٌ: رويناه في غير مسلمٍ / عن بعضهم: بفتح التَّاء وضمِّ الصَّاد، من صرَّ يصُرُّ، إذا ربط، قال: وعن بعضهم: بضمِّ التَّاء(2) وفتح الصَّاد بغير واوٍ، بصيغة الإفراد على البناء للمجهول، وهو(3) من الصَّرِّ أيضًا، و«الإبلُ»: مرفوعٌ به، و«الغنمُ»: عُطِف عليه، والمشهور الأوَّل، قال أبو عبيدٍ: لو كان من الصَّرِّ لكانت مصرورةً أو مُصرَّرةً لا مُصَرَّاةً، وأُجيب بأنَّه يحتمل أنَّها مُصرَّرةٌ، فأُبدِلت إحدى الرَّاءين ألفًا، نحو: {دَسَّاهَا}[الشمس:10] أصله: دسَّسها، فكرهوا اجتماع ثلاثة أحرفٍ من جنسٍ، وعلى هذا فلا مباينة بين تفسير الشَّافعيِّ وبين رواية: ”لا تُصَرُّوا“ على ما صحَّحوه على أنَّه قد سُمِع الأمران في كلام العرب، وذكر المؤلِّف البقر في التَّرجمة، ولم يقع له ذكرٌ في الحديث إشارةً إلى أنَّها في معنى: الإبل والغنم في الحكم خلافًا لداود، وإنَّما اقتصر عليهما؛ لغلبتهما عندهم. (فَمَنِ ابْتَاعَهَا) أي: فمن اشترى المُصَرَّاة (بَعْدُ) بضمِّ الدَّال، أي: بعد التَّصرية، وقيل: بعد العلم بهذا النَّهي، وقال الحافظ الشَّرف الدِّمياطيُّ فيما نقله الزَّركشيُّ: أي: بعد أن يحلبها، كذا رواه ابن لهيعة عن جعفر بن ربيعة عن الأعرج، وبه يصحُّ المعنى، قال الزَّركشيُّ: والبخاريُّ رواه من جهة اللَّيث عن جعفرٍ بإسقاطها، يعني: بإسقاط زيادة: «بعد أن يحتلبها(4)» فأشكل المعنى، لكن رواه آخر الباب [خ¦2150] عن أبي الزِّناد عن الأعرج بلفظ: «فهو بخير النَّظرين بعد أن يحتلبها»، فلا معنى لاستدراك الحافظ له(5) من جهة ابن لَهِيعة، وهو ليس من شرط الصَّحيح مع الاستغناء عنه بوجوده في الصَّحيح، وتُعقِّب بأنَّ قوله: إنَّ إسقاط هذه الزِّيادة أوجب إشكال هذا المعنى، فيه نظرٌ؛ وذلك أنَّ نصَّ حديث اللَّيث كحديث أبي الزِّناد ولفظه (فَإِنَّهُ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ) أي(6): الرَّأيين (بَيْنَ‼ أَنْ يَحْتَلِبَهَا) كذا في الفرع: بفتح همزة «أَن» وإثبات الفوقيَّة بعد الحاء، و«بين» مرقومٌ عليها علامة الحَمُّويي مُصحَّحٌ عليها، وتحت العلامة علامة السُّقوط، وفي الهامش مكتوبٌ: صوابه: ”بعد أن يحتلبها“ أي: وقت أن يحتلبها، أي(7): فالمشتري متلبِّسٌ بخير النَّظرين في وقت حلبه لها، وقال العينيُّ كالحافظ ابن حجرٍ: «إن يحتلبها» كذا في الأصل بكسر «إِن» على أنَّها شرطيَّةٌ، وجزم(8) «يحتلبْها»؛ لأنَّه فِعْل الشَّرط، ولابن خزيمة والإسماعيليِّ من طريق أسد بن موسى عن اللَّيث: ”بعد أن يحتلبها“ بفتح ”أَن“ ونصب ”يحتلبَها(9)“ . انتهى. والذي رأيته في فرعين لـ «اليونينيَّة» وسائر ما وقفت عليه من الأصول: بفتح(10) الهمزة والنَّصب، وزاد عبيد الله بن عمر عن أبي الزِّناد: «فهو بالخيار ثلاثة أيَّامٍ»، أخرجه الطَّحاويُّ، وظاهر قوله: «بعد أن يحتلبها» أنَّ الخيار لا يثبت إلَّا بعد الحلب، والجمهور: على أنَّه إذا علم بالتَّصرية ثبت له الخيار على الفور من الاطِّلاع عليها، لكن لمَّا كانت التَّصرية لا تُعلَم غالبًا إلَّا بعد الحلب ذكره قيدًا في ثبوت الخيار، فلو ظهرت التَّصرية بعد الحلب فالخيار ثابتٌ (إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ) المَصرَّاة على ملكه (وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعَ تَمْرٍ) بالنَّصب على أنَّ الواو بمعنى «مع»، أو لمطلق الجمع، ولا يكون مفعولًا معه؛ لأنَّ جمهور النُّحاة على أنَّ شرط المفعول معه أن يكون فاعلًا، نحو: جئت أنا وزيدًا، وقوله: «إن شاء أمسك...» إلى آخره، جملتان شرطيَّتان عُطِفت الثَّانية على الأولى، ولا محلَّ لهما من الإعراب، إذ هما تفسيريَّتان أُتِي بهما لبيان المراد بالنَّظرين ما هو.
          وهذا الحديث أخرجه بقيَّة الأئمَّة السِّتَّة.
          (وَيُذْكَرُ) بضمِّ أوَّله مبنيًّا للمفعول (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذكوان الزَّيَّات، ممَّا وصله مسلمٌ (وَمُجَاهِدٍ) ممَّا وصله البزَّار والطَّبرانيُّ في «الأوسط» (وَالوَلِيدِ بْنِ رَبَاحٍ) بفتح الرَّاء وتخفيف المُوحَّدة وبعد الألف مهملةٌ، ممَّا وصله أحمد بن منيعٍ في «مسنده» (وَمُوسَى بْنِ يَسَارٍ) بالتَّحتيَّة وتخفيف السِّين المهملة، ممَّا وصله مسلمٌ والأربعة (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ☺ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم صَاعَ تَمْرٍ) وقيل: يكفي صاع قوتٍ؛ لحديث أبي داود: «صاعًا من طعامٍ»، وهل يتخيَّر بين الأقوات أو يتعيَّن غالب قوت البلد؟ وجهان، أصحُّهما الثَّاني، وعلى تعيين(11) التَّمر _وهو الصَّحيح عند الشَّافعيَّة_ لو(12) تراضيا على غيره من قوتٍ(13) أو غيره جاز، ولو فقد التَّمر ردَّ قيمته بالمدينة، ذكره الماورديُّ وأقرَّه الرَّافعيُّ والنَّوويُّ‼، ويتعيَّن الصَّاع / ولو قلَّ اللَّبن، فلا يختلف قدر التَّمر بقلَّة اللَّبن وكثرته، كما لا تختلف غرَّة الجنين باختلاف ذكورته وأنوثته، ولا أرش المُوضِحة باختلافها صغرًا أو كِبَرًا. (وَقَالَ بَعْضُهُمْ) ممَّا وصله مسلمٌ عن قُرَّة (عَنِ ابْنِ سِيرِينَ) عن أبي هريرة مرفوعًا: (صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، وَهْوَ بِالخِيَارِ ثَلَاثًا) وهو وجهٌ ضعيفٌ عند الشَّافعيَّة، وأُجيب عنه بأنَّه محمولٌ على الغالب، وهو أنَّ التَّصرية لا تظهرإلَّا بثلاثة(14) أيَّامٍ، لا حالة نقص اللَّبن قبل تمامها على اختلاف العلف أو المأوى أو تبدُّل الأيدي أو غير ذلك، وابتداء الثَّلاثة على القول بها: من العقد، وقيل: من التَّفرُّق (وَقَالَ بَعْضُهُمْ) ممَّا وصله مسلمٌ أيضًا عن أيُّوب (عَنِ ابْنِ سِيرِينَ) عن أبي هريرة مرفوعًا أيضًا: (صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ ثَلَاثًا، وَالتَّمْرُ أَكْثَرُ) يعني: أنَّ الرِّوايات النَّاصَّة على التَّمر أكثر عددًا من الرِّوايات التي لم تنصَّ عليه أو أبدلته بذكر الطَّعام.


[1] في (د): «شراحيل»، وهو تحريفٌ.
[2] في (م): «الياء»، وهو تصحيفٌ.
[3] «وهو»: ليس في (د).
[4] في (د): «يحلبها»، وكذا في الموضع اللَّاحق.
[5] «له»: ليس في (م)، وفي (د): «الدِّمياطيُّ له».
[6] «أي»: ليس في (د) و(ص) و(م).
[7] «أي»: ليس في (د1) و(ص).
[8] في (د): «وبجزم».
[9] في (د): «يحلبها».
[10] في (د): «فتح».
[11] في (د): «وعليه يتعيَّن».
[12] في (د): «وعليه يتعيَّن... لو»، ولعلَّ المثبت هو الصَّواب.
[13] زاد في (د): «البلد».
[14] في (د): «بعد ثلاثة».