إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لا أعطيك حتى تكفر بمحمد

          2091- وبه قال: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”حدَّثني“ بالإفراد (مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ) بموحَّدةٍ فمعجَمةٍ مشدَّدةٍ، الملقَّب ببندارٍ، البصريُّ(1) قال: (حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ) بفتح العين وكسر الدَّال المهملتين، آخره تحتيَّةٌ مشدَّدةٌ، هو محمَّد بن أبي عديٍّ، واسمه: إبراهيم (عَنْ شُعْبَةَ) بن الحجَّاج (عَنْ سُلَيْمَانَ) بن مِهْران الأعمش (عَنْ أَبِي الضُّحَى) بضمِّ الضَّاد المعجَمة وفتح الحاء المهملة، مسلم بن صبيحٍ (عَنْ مَسْرُوقٍ) هو ابن عبد الرَّحمن الأجدع (عَنْ خَبَّابٍ) بفتح المعجَمة وتشديد الموحَّدة، وبعد الألف موحَّدةٌ أخرى، ابن الأرتِّ، أنَّه (قَالَ: كُنْتُ قَيْنًا) حدَّادًا (فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ لِي عَلَى العَاصِ بْنِ وَائِلٍ) بالهمزة، السَّهميِّ، هو والد عمرو بن العاص الصحابيِّ المشهور (دَيْنٌ، فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ) أي: فأتيت العاص أطلب منه ديني، وبيَّن في روايةٍ بسورة مريم من «التفسير» [خ¦4733]: أنَّه أجرة سيفٍ عَمِله له (قَالَ: لَا أُعْطِيكَ) حقَّك (حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ صلعم ) قال خبَّابٌ: (فَقُلْتُ) له(2): (لَا أَكْفُرُ) بمحمَّد صلعم (حَتَّى يُمِيتَكَ اللهُ ثُمَّ تُبْعَثَ(3)) زاد في رواية التِّرمذيِّ قال: وإنِّي لَميِّتٌ ثم مبعوثٌ؟! فقلت: نعم. واستُشكِل كون خبَّابٍ علَّق على(4) الكفر، ومن علَّق على الكفر كَفَر، وأجيب بأنَّ الكفر لا يُتصوَّر حينئذٍ بعد البعث؛ لمعاينة الآيات الباهرة المُلجِئة إلى الإيمان إذ ذاك، فكأنَّه قال: لا أكفر أبدًا، أو أنَّه خاطب العاص‼ بما يعتقد من كونه لا يقرُّ بالبعث، فكأنَّه علَّق على مُحالٍ (قَالَ) العاص: (دَعْنِي حَتَّى أَمُوتَ وَأُبْعَثَ) بضمِّ الهمزة مبنيًّا للمفعول، منصوبٌ عطفًا على «أموت»(5) (فَسَأُوتَى) بضمِّ الهمزة وفتح المثنَّاة الفوقيَّة (مَالًا وَوَلَدًا فَأَقْضِيَكَ) بالنَّصب عند أبي ذرٍّ على الجواب، ولغيره: ”فأقضيْكَ“ بالسُّكون (فَنَزَلَتْ) هذه الآية: ({أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا}) استعمل «أرأيت» بمعنى: الإخبار، والفاء على أصلها ({أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ}) أقد بلغ من شأنه إلى أن ارتقى إلى علم(6) الغيب الذي تَوَحَّد به الواحد القهَّار حتى ادَّعى أن يؤتى في الآخرة مالًا وولدًا؟ ({أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا}؟[مريم:77-78]) أم اتَّخذ من عالِم الغيوب عهدًا بذلك؟ فإنَّه لا يتوصَّل إلى العلم به إلَّا بأحد هذين الطريقين، وقيل: العهد: كلمة الشَّهادة والعمل الصالح، فإنَّ وعد الله بالثَّواب عليهما كالعهد عليه، وسقط لأبي ذرٍّ من قوله «{أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ}» إلى آخر الآية.
          وهذا الحديث أخرجه المؤلِّف أيضًا في «المظالم» [خ¦2425] و«التفسير» [خ¦4732] و«الإجارة» [خ¦2275]، وأخرجه مسلمٌ في «ذكر المنافقين»، والتِّرمذيُّ في «التفسير»، وكذا النسائيُّ.


[1] «البصريُّ»: ليس في (د).
[2] «له»: ليس في (م).
[3] في (م): «يبعثك»، وفي الهامش من نسخةٍ كالمثبت.
[4] «على»: مثبتٌ من (د1) و(م)، وكذا في الموضع اللَّاحق.
[5] قوله: «منصوبٌ عطفًا على: أموت»: سقط من (م).
[6] في (د): «عالم».